طوابير السيارات تفزع التونسيين من أزمة وقود وشيكة
اكتظت محطات الوقود في تونس بسبب طوابير السيارات الراغبة في ملء خزاناتها تحسباً للإضراب الذي هددت به الجامعة العامة للنفط والمواد الكيماوية (هيئة نقابية تابعة للاتحاد العام التونسي للشغل)، في حين أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية تأجيل الإضراب في قطاع نقل المحروقات، إلى يومي 19 و20 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بعد توقيع اتفاق بين ممثلي الجامعة العامة للنفط والمواد الكيماوية وممثلي الغرف النقابية لنقل النفط والمواد الخطرة (هيئة نقابية تنضوي تحت منظمة الأعراف)، إلا أن الاحتقان تجدد على خلفية المفاوضات في شأن زيادات في الأجور.
غذت حالة الاضطراب بالمحطات المخاوف السابقة في شأن تأثر البلاد بنقص الإمدادات من مادة الديزل على خلفية القرار الروسي بإيقاف التصدير، بعد أن قررت موسكو خفض صادرات الديزل للحد من ارتفاع الأسعار في السوق الداخلية، في وقت سجلت تونس ارتفاعاً في وارداتها من النفط الروسي وتحولت إلى عميل أساس لموسكو، مما يلقي بتبعاته على السوق المحلية التونسية، بينما نفى متخصصون تحدثوا إلى “اندبندنت عربية” حدوث انعكاسات مباشرة بحكم اعتماد تونس على مزودين وسطاء في عمليات التزود.
تدفق الغاز والديزل الروسي
وكشف المعهد الوطني للإحصاء عن أن واردات منتجات الطاقة شهدت ارتفاعاً بنسبة 17.7 في المئة في أغسطس (آب)، ويرجع ذلك أساساً إلى مشتريات الغاز الجزائري والديزل الروسي، واستوردت تونس خلال فبراير (شباط) 2023، كميات قياسية من الغاز والديزل من روسيا وفق “رويترز”، بنحو 77 ألف برميل يومياً مقارنة بـ20 ألف برميل يومياً في يناير (كانون الثاني) الماضي و25 ألف برميل يومياً في ديسمبر (كانون الأول) 2022 بحسب شركة التحليلات “كيبلر”، واستوردت البلاد 10 في المئة من إجمالي استهلاكها من الديزل الروسي خلال مارس (آذار) الماضي، مقابل 12 في المئة للمغرب وثمانية في المئة للجزائر بحسب بيانات “ريفينيتيف” التي ذكرت أن المغرب وتونس والجزائر تصنف بين الدول الأكثر اعتماداً على واردات الديزل الروسي في الفترة الأخيرة، إذ استوردت البلدان الثلاثة 30 في المئة من حاجاتها من الوقود الروسي في مارس الماضي.
تراجع الشحنات
ومع انخفاض صادرات الديزل الروسية بنحو 30 في المئة في أول 20 يوماً من سبتمبر (أيلول) الماضي، مقارنة بالفترة نفسها من أغسطس الماضي تأثرت تونس، المستورد الرئيس بشكل خاص بهذا الانخفاض.
وانخفضت واردات تونس من الديزل الروسي بنسبة 20 في المئة خلال هذه الفترة، مما شكل مخاوف من نقص الواردات وتأثيرات سلبية في الاقتصاد، إذ يعتبر الديزل وقوداً أساساً للنقل والزراعة والصناعة.
يستبعد المستشار السابق لدى البنك الدولي في مجال الطاقة والمدير العام السابق لوكالة التحكم في الطاقة عزالدين خلف الله، تعرض تونس لتداعيات مباشرة للتصعيد الروسي، إذ يرى أن طريقة التزود المعتمدة في تونس لا تخضع البلاد لمزود معين بل تجعلها مفتوحة على جميع الأسواق، وذلك بحكم تعاقد الدولة مع مزود مستقل وهو وسيط، من طريق طرح عروض دولية سنوياً، ويتم التعاقد مع المزود الذي يوفر المواد النفطية بأصنافها للسوق على أن تتكفل الشركة التونسية لصناعة التكرير بالتوريد والتوزيع، مع تكرير كمية ضئيلة من الإنتاج المحلي، ويشترط توفر المواصفات التونسية بالواردات من المواد البترولية وهو المقياس الوحيد، وفق خلف الله، إذ لا يتم تحديد مصدر المواد النفطية أو هوية البلد المصدر بالعقد السنوي الموقع بين الطرفين، ويظل من مشمولات المزود الذي تتعاقد معه الشركة.
وتظل تونس من البلدان الأقل تأثراً بالتجاذبات الدولية في قطاع النفط، بحكم موقعها القريب من المصافي المنتشرة بكثافة بالبحر المتوسط والتي تضمن سرعة الإمدادات، وفي المقابل تواجه تحديات أبرزها انخفاض طاقة التكرير لدى المصفاة الوحيدة المتوفرة لدى شركة صناعة التكرير والتي لا توفر سوى ثلاثة في المئة من متطلبات السوق الداخلية، إضافة إلى ارتفاع الأسعار التي تتسبب في ارتفاع حجم الدعم المثقل كاهل الموازنة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويستحوذ دعم الديزل والغاز على الجزء الأوفر من الدعم، وبناء على ذلك تتفاقم الإشكاليات جراء ارتفاع أسعار الديزل بالأسواق العالمية بقطع النظر عن مصدره.
ارتفعت نسبة العجز التجاري في قطاع الطاقة التونسي بنحو خمسة في المئة يونيو (حزيران) الماضي، ليبلغ 4.2 مليار دينار (1.32 مليار دولار) مقابل أربعة مليارات دينار (1.25 مليار دولار)، خلال الفترة ذاتها من عام 2022.
ورأى وزير الطاقة والمناجم السابق منجي مرزوق أن العقبة الوحيدة التي تعترض تزويد السوق التونسية هي المصاعب المالية المهددة بعدم توفير الإمكانات اللازمة لتمويل المقتنيات وتوريد المواد النفطية.
وخصصت تونس 5.66 مليار دينار (1.77 مليار دولار) لدعم المحروقات والكهرباء العام الحالي، منها 220 مليون دينار (69.18 مليون دولار) لخلاص تسويات الشركة التونسية للتكرير، وتم ضبط هذه التقديرات على أساس اعتماد معدل سعر النفط لكامل العام بـ89 دولاراً للبرميل من خام “برنت”.
ويمثل تدني التصنيف السيادي لتونس أحد أهم العراقيل التي تحول دون التزود السريع بالمحروقات بحكم الشكوك حول القدرة على الإيفاء بالالتزامات المالية.