عالمي

سقوط العاصمة الاقتصادية السورية يخنق الليرة

على قارعة طريق في وسط حلب يهبط أحد الأشخاص الغرباء عن المدينة، يدخل أحد المحال التجارية لشراء حاجاته، يسأل البائع هل تبيع بالليرة التركية أم تأخذ بالدولار؟ هكذا بدت الحياة تتبدل في العاصمة السورية، لترتدي المدينة حلة جديدة مع تبدل نظام الحكم فيها، إذ لم يعهد أهالي الشهباء تداول العملة الخضراء في وقت سابق، كونها “جريمة” يعاقب عليها القانون.

وبينما تشهد الأسواق في دمشق العاصمة وبقية المحافظات السورية خسائر غير مسبوقة، وهبوط بالعملة المحلية منذ سقوط كامل لمدينة حلب بيد الجماعات المسلحة المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام في الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ومع تقدم قوات مهاجمة أطلقت عملية “ردع العدوان” ينقشع هذا الحدث عن تسجيل تراجع لـ”الليرة”.

وسجلت الأسواق تراجعاً قياسياً وغير مسبوق، إذ وصل سعر صرف الدولار الواحد إلى 16500 ليرة في دمشق، بينما بلغ سعر الصرف في حلب 25 ألف ليرة في مقابل كل دولار في السوق الموازية (السوق السوداء).

فيما حافظ على السعر الرسمي بالبنك المركزي السوري إلى ما دون 14 ألف ليرة للدولار الواحد، وبذلك يسجل ارتفاعاً منذ اندلاع الصراع عام 2011 حتى قبل أسبوع بأكثر من 1200 في المئة ولا سيما في حلب، شمال البلاد.

يأتي هذا التطور في وقت تعيش حلب توقفاً شبه كامل للحركة التجارية، وبالوقت ذاته تشهد الحركة التجارية بالأسواق تعافياً تدريجاً بعد امتصاص الأهالي والقاطنين صدمة تبدل إدارة شؤونهم المدنية، وسط تأمين خدمات الكهرباء والماء، وعودة المواصلات لأحياء المدينة، في حين لم تعد بعد حركة البنوك والمصارف الخاصة بطاقتها الكاملة كما سابق عهدها، مع حديث عن عودتها بصورة تامة خلال الأيام المقبلة.

أحوال أسواق حلب

وبالحديث عن أحوال أسواق حلب فقد عادت معظمها، واقتصرت على شراء المواد الاستهلاكية والغذائية أو المحروقات، وسط تعامل طفيف بالعملات الأجنبية، إذ باشر التجار ومحطات الوقود بالإعلان رسمياً استقبال التعامل بعملات غير الليرة السورية (الدولار والليرة التركية)، وسط مخاوف تجار سوريين من تجفيف الليرة السورية، في حين الكوادر الوظيفية على موعد للعودة لأعمالها في الدوائر العامة والحكومية مع بداية الأسبوع المقبل لجميع القطاعات الخدمية، بينما القطاع الصحي والحالات الطارئة ما زالت مستمرة بأعمالها.

وأفاد مصدر مطلع بمجموعة إجراءات اتخذتها الحكومة الموقتة منها عودة من يرغب للعمل في وظائف الدولة من الموظفين، وبرواتب تسدد بالدولار الأميركي، ومن لا يرغب في العمل فله مطلق الحرية في قراره، بينما الرواتب والأجور تتفاوت بين القطاعات الخدمية بحسب طبيعة العمل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومنذ اليوم الأول من اقتحام مدينة حلب رجح المتخصص في الشأن الاقتصادي جورج خزام أن “ينعكس ذلك بطلب شديد على الدولار، مترافقاً مع دخول العملية التركية واستبدالها، وتجفيف الليرة السورية، وتوقع جمع مليارات الليرات من حلب لتصريفها في إدلب والحسكة، ومعه زيادة الطلب على الدولار، والنتيجة انهيار الليرة السورية”، متوقعاً “طباعة عملة ورقية خاصة للشمال السوري تحت أي مسمى مثل ’الدينار‘، وتكون قيمتها الافتتاحية السوقية تساوي ليرة تركية”.

منذ عام 2011 ومع اندلاع الحراك الشعبي في درعا عمت البلاد احتجاجات شعبية، تهاوت الليرة آنذاك أمام الدولار الواحد بما يساوي 50 ليرة فحسب، مع تدحرج العملة بحكم انهيار الاقتصاد والحصار والعقوبات الاقتصادية وكلفة الحرب العالية، وتوقف الصناعة والمعامل عن العمل، مع ضعف الموارد والعقوبات الأوروبية والأميركية، علاوة على خروج موارد سوريا وثرواتها الباطنية من يد دمشق بعد استحواذ الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) على منابع النفط والغاز في الشمال الشرقي الغني كذلك بالثروات الزراعية، إذ تعد هذه المنطقة ولا سيما الجزيرة السورية سلة غذاء سوريا.

إلى ذلك عاش السوريون حين ذاك تضخماً يعد الأصعب من نوعه، وصل إلى درجة بدأت الفعاليات التجارية بوزن العملة بـ”الميزان”.

إلغاء تجريم التعامل بالدولار

في غضون ذلك طالب اقتصاديون بضرورة إلغاء تجريم التعامل بالدولار، وبات المطلب ضرورة ملحة، ومع هذا الإجراء من المتوقع انخفاض كبير بسعر الصرف وأن يتاح للجميع.

وصدر مرسوم في مطلع يناير (كانون الثاني) 2024 يمنع التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للدفع أو لأي نوع من أنواع التداول التجاري، وحافظ على العقوبات المتعلقة بالحبس أو السجن، وتصل إلى أكثر من سبع سنوات.

ومع ذلك تتوقع الأوساط الاقتصادية الاستمرار بتراجع الليرة وتهاويها لا سيما مع استمرار الأحداث، والمعارك الضارية على مشارف حماة، وانقطاع الطريق الدولي ما بين حلب شمالاً ودمشق جنوباً، وارتفاع بأسعار البضائع والمنتجات، لا سيما أن معامل حلب توقفت عن الإنتاج والعمل وضخ منتجاتها للأسواق السورية.

من جانبه يؤكد الصناعي السوري عدنان الدغلي تواصل حالة عدم الاستقرار، ومطالباً بضرورة اتخاذ إجراءات اقتصادية استثنائية قبل فوات الأوان، ولا سيما بما يخص المستوردات التي تسمى “منصة المستوردات” أكثر سلاسة مع ضرورة إحداث تغيير جذري بطريقة إدارة السياسة الاقتصادية، والنقدية التي يتبناها المصرف المركزي.

وقال الدغلي “لعل أولى المواد التي من المرجح ارتفاعها الدواء ضمن قائمة من المنتجات السورية مرشحة للغلاء في المستقبل، إذ إن معظم معامل الدواء السوري موجودة في حلب، عدا عن النسيج وغيرها من المواد”.

في المقابل يستبعد رجال أعمال سوريين أن يؤثر سقوط العاصمة الاقتصادية لسوريا في الواقع الاقتصادي والتجاري بعد خروجها عن سيطرة الحكومة، وهي المرة الأولى التي تنفصل حلب عن العاصمة السياسية دمشق.

وقالوا “في حال دعم الإنتاج الزراعي والصناعي بطريقة غير محدودة، من الممكن تعويض الخسارة”.

في المقابل يرى تجاريون أن الأحداث تسببت في ضياع فرص وصفقات تجارية وصناعية، مع توقف عمليات تصدير واسعة، بالتالي انخفاض العملة الأجنبية إلى خزانة الدولة، مع تدني مستوى الضرائب من المنشآت التجارية والصناعية من مدينة تعد الثانية بالحجم والقدرات بعد العاصمة دمشق.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى