عربي

الطيران منخفض التكلفة تحت ضغط المنافسة الضارية .. رهان على الاندماجات لإنقاذ السوق

هل أصبحت الرحلات الجوية الرخيصة من أوروبا إلى باقي أنحاء المعمورة شيئا من الماضي؟ يطرح هذا السؤال نفسه بقوة في جميع الدول الأوروبية بلا استثناء، فقد ارتفعت أسعار التذاكر في فرنسا بنسبة 23.6 في المائة هذا العام مقارنة بالعام الماضي، أما في المملكة المتحدة فقد زادت بنسبة 18 في المائة تقريبا. وفي ألمانيا كان متوسط سعر رحلة الطيران الدولية أعلى بنسبة 33.4 في المائة عن عام 2022.
وفي المتوسط ارتفعت أسعار الرحلات الجوية منخفضة التكلفة بنحو الخمس في القارة الأوروبية هذا العام.
السؤال المنطقي الذي يطرح نفسه: لماذا تلك الزيادة، وما الأسباب التي دفعت شركات الطيران منخفضة التكلفة إلى زيادة أسعار تذاكرها؟
هنا يقول لـ”الاقتصادية” إس.دي إيفان المدير المساعد السابق في موقع بوكينج لحجز تذاكر الطيران، “إنه لا يزال هناك كثير من الطلب المكبوت على السفر خاصة بين الفئات الشابة في أوروبا منذ جائحة كورونا، هذا الطلب إلى جانب ارتفاع التضخم وتكاليف الوقود الذي أسهم في ارتفاع أسعار تذاكر الرحلات الجوية، خاصة أن الوقود يمثل نحو 30 في المائة من تكاليف السفر الجوي”.
ويضيف “الزيادة الحادة في تكاليف الصيانة المرتبطة بنقص بعض المعادن نتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية والتدهور الراهن في سلاسل التوريد إضافة إلى زيادة الرواتب في قطاع الطيران كل تلك العوامل أسهمت في رفع أسعار تذاكر الطيران عامة، وأسعار تذاكر الرحلات الجوية الرخيصة تحديدا”.
مع هذا يعتقد بعض الخبراء أن شركات الطيران منخفضة التكلفة في القارة الأوروبية، وعلى الرغم من رفعها أسعار تذاكر السفر بشكل ملحوظ وفرض رسوم على العملاء مقابل كل شيء تقريبا، فلربما لن يكون أمامها من سبيل للنجاة من التحديات التي تواجهها والارتفاع المتواصل في تكاليف التشغيل سوى البحث عن حلول جذرية من قبيل الاندماج.
لكن المشكلة التي تواجهها أن عمليات الاندماج لا تحظى في كثير من البلدان الأوروبية بترحيب كبير، خشية بروز قوى ضخمة ذات طبيعة احتكارية، كما أن عمليات الاندماج قد تستغرق في كثير من الأحيان أعواما طويلة للتغلب على العقبات القانونية التي تبرز في الطريق والحاجة إلى فترات زمنية طويلة لإقناع المساهمين.
وعلى الرغم من أن صناعة الطيران منخفضة التكلفة في القارة الأوروبية شهدت كثيرا من عمليات الاندماج الضخمة على مر الأعوام لتعزيز مركزها في السوق وتحقيق وفرات الحجم، إلا أن السوق تتميز بقدرة تنافسية عالية، ما يوجد حروب أسعار في أحيان كثيرة، وعلى الرغم من أن ذلك قد يعود بالفائدة على المستهلك، فإنه قد يؤدي إلى تضعضع المركز المالي للشركات، وانخفاض في قيمتها السوقية.
من جانبه، يقول لـ”الاقتصادية” الطيار اليسون سايدر عضو اتحاد الطيارين البريطانيين، “إن شركات الطيران منخفضة التكلفة وجدت لتبقى، فالاندماج لا شك يمنحها مزيدا من القوة والقدرة المالية لضمان الاستمرار، لكن حتى في حال الفشل وعدم إتمام صفقات الاندماج، فإن خروج شركة أو مجموعة من شركات الطيران منخفض التكلفة من الأسواق لا يعني أن هذا النموذج سينهار، فهذا مستبعد لأنها أثبتت نجاحها في الأعوام الماضية”.
ويضيف “سيكون هناك عديد من شركات الطيران منخفضة التكلفة المتعثرة في أوروبا، وستعلن إفلاسها، مع هذا فإن هذا النموذج سيبقى لأن هناك عديدا من الأشخاص يهمهم السفر في حد ذاته ويسعون إلى البحث عن أرخص تذكرة سفر أكثر من اهتمامهم بنوعية الطيران مثل المقعد الوثير أو وجود وجبة طعام مجانية”.
ويشير البعض إلى أن الحكومات الأوروبية لن تسمح باختفاء نموذج الطيران منخفض التكلفة، وستعمل أيضا على مساندته للحفاظ على مستوى مقبول لأسعار تذاكر الطيران لتكون في متناول يد الأغلبية العظمى من الراغبين في السفر، الذين لا تسمح لهم قدرتهم المالية على السفر عبر شركات الطيران الرئيسة، وتعود الثقة في دعم الحكومات لتلك الشركات إلى أن شركات الطيران منخفض التكلفة تعمل على إنعاش عديد من المطارات التي تستخدمها بشكل حصري تقريبا.
كما أن انخفاض أسعار تذاكر الطيران لديها مقارنة بشركات الطيران الرئيسة يسمح لعديد من الفئات الاجتماعية غير الميسورة ماديا بمواصلة السفر والسياحة، وهذا الأمر يحمل أهمية اقتصادية كبيرة لإنعاشه القطاع السياحي على امتداد القارة الأوروبية، كما أنه يمثل وسيلة لرفع مستوى معيشة المواطن الأوروبي.
ورغم ذلك، تستبعد كلوديا جورج الخبيرة في المجال السياحي في المملكة المتحدة، انخفاض أسعار تذاكر شركات الطيران منخفضة التكلفة في الأجل القصير أو المتوسط أو أن تعود الأسعار إلى ما كانت عليه قبل جائحة كورونا.
وتشير كلوديا لـ”الاقتصادية” إلى أن شركات الطيران منخفضة التكلفة لم تعوض بعد الخسائر المالية التي تعرضت لها نتيجة وباء كورونا، ومن ثم لا يوجد لديها أي نية في زيادة قدرتها الاستيعابية في الأجل المنظور، ومع زيادة الطلب فإن المتوقع أن تشهد الأسعار مزيدا من الارتفاع.
وتتوقع ارتفاع أسعار تذاكر السفر لدى شركات الطيران منخفضة التكلفة في الأعوام القليلة المقبلة بنحو أربع إلى خمس مرات أسعار ما قبل الجائحة.
وتضيف “الضغوط التي تمارسها المجموعات والمنظمات البيئية تدفع شركات الطيران إلى تحميل التكاليف البيئية للطيران للمستهلك، وبصفة عامة الأجواء التي انتعشت فيها شركات الطيران منخفضة التكلفة تتلاشى، وتلك الشركات بصفة عامة لا تحقق أرباحا ضخمة كالشركات الرئيسة، ولذلك في أوقات الضغوط لا يكون أمامها سوى رفع أسعار تذاكر الطيران، لأن مستويات الربحية الطبيعية لديها تكون معرضة للخطر”.
ورغم الضغوط الاقتصادية التي تواجهها أوروبا، إلا أنها لا تزال ثاني أقوى سوق من حيث الإيرادات بعد أمريكا الشمالية فيما يتعلق بشركات الطيران منخفضة التكلفة، فالولايات المتحدة لديها 59 شركة طيران منخفضة التكلفة، تسيطر أكبر خمس شركات فيها على 70 في المائة من حصة شركات الطيران منخفضة التكلفة.
لكن الأمر أكثر تنافسية في أوروبا التي لديها 135 شركة طيران منخفضة التكلفة، وتسيطر أكبر خمس شركات على ما يقرب من نصف السوق، ما يجعل المنافسة في السوق الأوروبية أكثر ضراوة مقارنة بالأسواق العالمية الأخرى.


Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى