خليجي

أسعار النفط بعد اقترابها من مستوى الـ100 دولار.. إلى أين؟

غيّرت أسعار النفط اتجاهها مرة أخرى بعدما اقتربت من مستوى الـ100 دولار، وهو أعلى مستوياتها منذ عام 2020، إذ أدى التصعيد الأخير في التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى افتتاح أسعار النفط على ارتفاع كبير خلال هذا الأسبوع.

لكن بدأت الأسعار الآن في التراجع قليلاً، بينما لا تزال التوترات في منطقة الشرق الأوسط راسخة بشكل كبير، وتُبقي المتداولين على حافة الهاوية.

والسؤال الذي يواجه المتداولين والمستثمرين هو لماذا أصبحت أسعار النفط متقلبة للغاية؟ وأين تقع مستويات الأسعار المهمة ضمن الحركة السعرية والاتجاه الحالي؟

ما الذي مرت به أسعار النفط خلال الفترة الماضية؟

ارتفعت أسعار خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط بشكل كبير وملحوظ خلال الأسابيع القليلة الماضية، إذ شوهدت عناوين ارتفاع أسعار النفط في العناوين الرئيسية بشكل يومي.

كما ارتفعت أسعار النفط على أساس ثابت خلال الأشهر الثلاثة الماضية، فقد ارتفع خام برنت من أدنى مستوى له خلال ثلاثة أشهر عند 71 دولاراً للبرميل إلى ما يقرب من 97 دولاراً للبرميل.

أما بالنسبة لخام غرب تكساس الوسيط، فقد بلغ أدنى مستوى خلال الأشهر الثلاثة الماضية 63.65 دولار للبرميل، ومن ثم فقد سجل أعلى مستوى له خلال الأشهر الثلاثة الماضية أو منذ أغسطس 2022 عند 95.52 دولار للبرميل.

ولكن قد بدأ شهر أكتوبر تشرين الأول بتراجع أسعار النفط، وانخفض كل من خام غرب تكساس الوسيط وخام برنت منذ بداية الشهر الجاري، لكن مرة أخرى، نحن في الأسبوع الأول فقط من الشهر، ومن الطبيعي جداً أن يجني المتداولون بعض الأرباح التي تم تسجيلها خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

ما هي الأسباب التي أسهمت في ارتفاع أسعار النفط؟

إن الارتفاع الأخير في أسعار النفط الذي حدث في بداية هذا الأسبوع، والذي أدى إلى فجوة كبيرة في الأسعار، يرجع بشكل رئيسي إلى تجدد الحرب بين إسرائيل وحماس.

و تحدث الفجوات السعرية لأسباب عديدة، لكنها تحدث عادة عندما يتحرك السعر بسرعة في اتجاه واحد، وعادة يتعين على المتداولين اتباع نهج منضبط للغاية فيما يتعلق بتداولهم.

وتتأثر أسعار النفط بشكل كبير بعدد من العوامل، لكن التوترات الجيوسياسية هي العائق الأكبر، وكلما كان هناك تصاعد في هذه التوترات التي تهدد الطلب أو العرض من النفط، فإننا عادة نرى تحركاً حيوياً في أسعار النفط.

وأدى إعلان الحرب من قبل الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى وضع التجار على حافة الهاوية، إذ أصبحوا قلقين للغاية بشأن العرض، حيث يمكن أن يتصاعد الصراع بسهولة إلى ما هو أبعد من إسرائيل وفلسطين، إذ تشكل المملكة العربية السعودية والصين وروسيا جزءاً رئيسياً من معادلة العرض والطلب، لكن، اعتباراً من اليوم، يبدو أن الأمور قد لا تصل إلى هذا الحد الذي كان يُخشى منه سابقاً، على الرغم من أن الصين وروسيا اتخذتا موقفاً معاكساً واضحاً لما قالته الولايات المتحدة بشأن الحرب الإسرائيلية.

ويرجع السبب الرئيسي وراء ارتفاع أسعار النفط خلال الأشهر الثلاثة الماضية بشكل أساسي إلى الامتثال الهائل من قبل أعضاء منظمة (أوبك+) بتخفيض الإنتاج النفطي، فقد حذرت منظمة (أوبك+) المتداولين على نحو متكرر من أنه لا ينبغي لهم توقّع أي نوع من السيناريوهات التي قد تؤدي إلى تخمة في المعروض.

هذا وقد حافظت كل من روسيا والمملكة العربية السعودية، اللاعبين الأكثر أهمية في منظمة (أوبك+)، على تخفيضات الإمدادات الطوعية للحفاظ على الأسعار عند المستوى الذي تعتبرانه أكثر استقراراً.

وحتى الاجتماع الوزاري لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، هذا الأسبوع، أرسل الرسالة نفسها التي كانوا يؤيدونها طوال الأشهر الماضية أو منذ بداية العام الجاري 2023، إذ قالت السعودية إنها ستواصل الإبقاء على الخفض الطوعي المعمول به بالفعل منذ فترة بنحو مليون برميل من النفط يومياً، وبالمثل قالت روسيا إنها ستواصل كبح صادراتها النفطية بمقدار 300 ألف برميل يومياً من النفط.

ومن المتوقع أن يظل خفض الإمدادات السعودي قائماً حتى نهاية الشهر الجاري، إذ قال وزير النفط السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان إنه من الضروري الإبقاء على تلك السياسة المتبعة لتحقيق الاستقرار في السوق، وبينما ستبقى تخفيضات الصادرات الروسية حتى نهاية أكتوبر، فقد أوضح نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك للعالم أن المملكة العربية السعودية وروسيا تعملان بشكل وثيق للحفاظ على التوازن في أسواق النفط العالمية مع التأكيد على أنهما توفيان بالتزاماتهما.

وقد أدت تخفيضات المعروض النفطي المذكورة إلى إبقاء المضاربين في حالة ترقب، فعلى الرغم من تخفيض الإمدادات، لا يمكن أن نغفل حقيقة أن هناك العديد من التهديدات الخطيرة التي لا تزال قائمة بشأن وضع النمو الاقتصادي برمته.

ما هي العوامل التي تسببت في هبوط أسعار النفط الأيام الأخيرة؟

يرجع السبب وراء بدء انخفاض أسعار النفط إلى عاملين رئيسيين، في حين لعبت عوامل أخرى أصغر دورها أيضاً.

أولاً:

كما ذكرت، كانت أسعار النفط مرتفعة جداً، وقد ارتفع كل من خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط خلال الأشهر الثلاثة الماضية دون توقف، لذا من الطبيعي أن يتطلع المتداولون إلى جني بعض الأرباح مع بدء الربع الجديد والأخير هذا العام؛ ما تسبب في تصحيح الأسعار هبوطاً، بالإضافة إلى ذلك، فإن منطقة المقاومة حول الـ100 دولار للبرميل، وهي المنطقة السعرية التي كانت أسعار برنت قريبة منها في الآونة الأخيرة، لها أهمية بالغة باعتبارها منطقة محورية ونفسية بالنسبة للأسعار.

ويعتبر هذا المستوى السعري بمثابة مقاومة كبيرة؛ نظراً لأنه مستوى نفسي مهم، وإذا لامست أسعار النفط هذه المنطقة السعرية، سيكون ذلك خبراً رئيسياً له تأثير قوي على الأسعار، وهو أمر لا يرغب أي شخص في رؤيته، وعند هذا المستوى، من شبه المؤكد أنه سيكون هناك ضغط عالمي على كل الدول الأعضاء في منظمة أوبك للقيام بكل ما يلزم لتهدئة الأسعار وخفضها قليلا، فمن البداية، تعد حجة الحفاظ على خفض العرض غير مستقرة للغاية، ويصعب الدفاع عنها.

ثانياً:

تعرض النمو الاقتصادي العالمي لضغوط هائلة من جميع الجوانب، ونسمع كل أسبوع تقريباً عن البيانات الاقتصادية التي من شأنها التأثير بشكل كبير على ثقة المستثمرين، ما يشير إلى أنه من المرجح أن يتراجع النشاط الاقتصادي.

ثم هناك أيضاً ما يُسمى بالتلاعب ببعض البيانات، مثل بيانات الوظائف الشاغرة الأميركية، ومقارنتها بأرقام بيانات التوظيف في القطاع الخاص الأميركي (إيه دي بي) المنتظر صدورها هذا الأسبوع.

وأعطت سوق العمل في الولايات المتحدة إشارة إيجابية واحدة إذا نظرنا من منظور أوسع، وهي أن سوق العمل ضيقة، وهذا يعطي بنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) كل الأسباب التي تجعله قادراً على زيادة أسعار الفائدة بشكل أكبر لتهدئة التضخم الذي لا يزال متفاقماً بسبب الاستمرار في مواجهة ارتفاع أسعار النفط.

وفي هذا الشهر على وجه خاص، أصبح المتداولون حساسين للغاية وحذرين بشأن ارتفاع عائدات سندات الخزانة الأميركية، ما يشير إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي من المرجح أن يرفع سعر الفائدة بشكل أكبر، ما يتسبب في تأخير خفض سعر الفائدة العام القادم.

وعندما بدأ المتداولون أخذ ذلك في الاعتبار، كان بإمكانهم بسهولة رؤية أنه من غير المرجح أن تظل أسعار النفط عند المستوى الذي شهدناه في الشهر الماضي، وسيؤدي تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي إلى تدهور كل شيء، وهذا ما يدفع أسعار النفط إلى الانخفاض.

ثالثاً:

فيما يتعلق بالمضاربة، يمكن للمرء أن يجادل الآن بأن التهديد الذي أطلقته المملكة العربية السعودية ضد بائعي النفط الذين اعتقدوا أن أسعار النفط ستنخفض بسبب تباطؤ النشاط الاقتصادي، بدأ يفقد بعض الزخم.

وإذا نظرت إلى عقود خام غرب تكساس الوسيط أو برنت على المدى القصير إلى الطويل، فقد يرى المرء أن المتداولين الذين كانوا إيجابيين على أسعار النفط يواجهون بعض القلق الآن، لكن مرة أخرى، أعتقد أنه سيكون من الخطأ تقويض قوة دول منظمة (أوبك+) التي تتولى قيادة السيارة إلى حد كبير، والتي تتمثل أجندتها الرئيسية في الحفاظ على أسعار النفط عند مستوى أكثر استدامة.

بالإضافة إلى ذلك، لدى كل من روسيا والمملكة العربية السعودية نفقات هائلة من ناحية؛ بسبب الحرب وأخرى بسبب أهدافهما الطموحة التي يصفها الكثيرون ببساطة بأنها غير قابلة للتحقيق، لكن السعوديين مصممون على إثبات خطأ الجميع، وقد حققوا أهدافاً مهمة في فترة قصيرة جداً من الزمن.

مستويات الأسعار

فيما يتعلق بمستويات الأسعار، أود أن أقول إن المتداولين يجب عليهم النظر إلى مستويين للأسعار في غاية الأهمية، فعلى جانب مستويات الدعم، إذا انخفض السعر إلى ما دون مستوى الـ70 دولاراً للبرميل، فسيكون هناك إجراء من جانب (أوبك+) لرفع الأسعار مرة أخرى، أما بالنسبة لمستويات المقاومة، فيجب الانتباه إلى سعر الـ100 دولار للبرميل، فهذا هو المستوى الذي يمثل مستوى نفسياً، وعادة ما تتراجع منه الأسعار.

في الختام، فإن الوضع الجيوسياسي سيدفع المتداولين إلى حافة الهاوية، فلدى إسرائيل العديد من الحلفاء الأقوياء مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية، لكن من المؤكد أن الصين وروسيا ليستا جزءاً من تلك القائمة، وهنا يصبح الوضع حساساً، ويجب على التجار مراقبته.

أما من الناحية الفنية للسعر، ففي ظل الظروف الطبيعية وبدون توترات جيوسياسية، تستمر المقاومة في الوقت الحالي عند مستوى سعر الـ100 دولار بينما يقع الدعم عند الـ70 دولاراً، ومع ذلك، إذا وصلت التوترات الجيوسياسية إلى ذروتها، فلن يكون مستوى السعر البالغ 100 دولار أكثر من مجرد خط على الرمال، وستتجاوزه الأسعار بسهولة شديدة.

* نعيم إسلام متداول سابق في صناديق التحوط ولديه أكثر من 15 عاماً من الخبرة في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية، عمل إسلام مع بنك أوف أميركا في مجال تداول الأسهم، ومع بنك نيويورك في تداولات صناديق التحوط، وهو خبير متخصص في تقنيات البلوكتشين والأصول التقليدية، ومؤسس ورئيس قسم المعلومات في (Zaye Capital Markets) المتخصصة في تقديم الأبحاث حول الأصول التقليدية والرقمية، كما شارك في تأسيس (Compare Broker).

**الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية».


Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى