لحرب القطاع مصائب أخرى “الفرانشايز نموذجا”
ألقت حرب غزة بظلالها على أنشطة المؤسسات المتبعة لنظام “الفرانشايز” في العالم العربي، فالمتاجر التي كانت قبل أسابيع تضيق بروادها من عشاق “الدجاح المقلي” و”القهوة المثلجة” والملابس العصرية، باتت شبه خاوية في أكثر من دولة تحت وقع دعوات المقاطعة.
لكن ما فكرة “الفرانشايز”؟ في نهاية القرن الـ19، أطلق مالك شركة “سينغر” لماكينات الخياطة نظام “الفرانشايز”، إذ أنشأ شبكة من الموزعين المستقلين في مناطق مختلفة من لولايات المتحدة، مزوداً إياهم بعض المزايا الخاصة به من المساعدة الفنية إلى نقل المعرفة والمهارات التقنية بهدف تطبيقها في تعاملاتهم مع المستهلكين والزبائن الخاصين بهم. وأسهم نجاح هذه الفكرة في انتشار هذا النظام بين شركات مختلفة في الولايات المتحدة، قبل الانتقال إلى أوروبا والعالم بدءاً من القرن الـ20.
من وجهة نظر علمية تقوم فكرة “الفرانشايز” أساساً على ترتيب نوع من التعاون بين أطراف مستقلة، فمن جهة هناك “الفرانشايز”، وهو شخص طور تجربة اقتصادية محددة وناجحة وقابلة للتكرار، ومن جهة أخرى ضم أطرافاً أخرى مستقلين هم “الفرانشايزي” أي المنضمون إلى شبكة “الفرانشايز” ليصبحوا أعضاء فيها.
مزايا عديدة وأخطار منخفضة
بموجب اتفاق “الفرانشايز” يحصل “الفرانشايزي” – مقابل بدل مادي مباشر أو غير مباشر – على حق استثمار مجموعة من حقوق الملكية الصناعية أو الأدبية، المتعلقة بالاسم التجاري والعلامات التجارية والماركات، أو حتى المعرفة العملية وغيرها من الأمور، بحيث تكون هذه الحقوق مخصصة للاستثمار من أجل إعادة بيع المنتجات أو الخدمات للمستهلكين النهائيين، على أن يلتزم المستثمر الجديد النظام الذي طوره “الفرانشايزر”، ويحظى بدعمه المستمر والمتمثل في المساعدة التقنية طوال فترة العقد.
يتضح هنا وجود عقد ذي مزايا متعددة أسهمت في انتشار التعامل به، إذ يرفع عن كاهل “الفرانشايزر” (المالك الأساسي) أعباء عدة في سبيل جني مزيد من الأرباح، وغزو أسواق استهلاكية جديدة، وكذلك اجتذاب مزيد من الزبائن دون أن يتكبد نفقات مالية إضافية.
أما من جهة “الفرانشايزي” (الطرف المنضم إلى الشبكة)، يسمح له هذا العقد من جهة الاحتفاظ باستقلاليته، ومن ناحية أخرى الاستفادة من مزايا كثيرة كالماركة المشهورة، أو الاسم التجاري، وغيرها من العناصر التي تجتذب الزبائن مقابل بدل مادي أو ما يعرف بـ”حق الدخول”، إضافة إلى بدلات مالية دورية مرتبطة بحجم الأعمال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يسهل عقد “الفرانشايزي” على الطرف المنضم حديثاً إلى الشبكة، البدء باستثمار آمن نسبياً، والوصول إلى الشريحة العريضة المرتبطة والملتصقة بعلامة ما أو اسم تجاري مشهور وذات تجربة ناجحة. فعلى سبيل المثال، نجده يستفيد من خبرة صاحب الشركة الأصلي الذي طور عبر عقود من الزمن تجربته في مجال إعداد وصفات أكل مميزة، أو قهوة بنكهات فريدة، أو مجموعة ملابس تحاكي ميول وهواجس الجيل الجديد، أو حتى مساحيق وأدوات التجميل، وهكذا دواليك من السلع الشهيرة التي ينظر إليها الزبائن بكثير من الإعجاب.
“الفرانشايز” وعولمة الأذواق
خلال العقدين الأخيرين، تمدد نظام “الفرانشايز” في جميع البلدان العربية، ولجأت بعض الشركات اللبنانية الناجحة إلى توسيع نطاق عملها واستثماراتها على مستوى العالم العربي، مستفيدة من زبائنها المفترضين في بلدان الانتشار.
وتشدد المتخصصة في القانون التجاري لبنى مسقاوي على الروابط الوثيقة بين ظاهرة العولمة وانتشارها من خلال توحيد الأذواق بين الشعوب، مشيرة إلى أثر كبير لتطور الاتصالات ووسائل الإعلام على سرعة انتشار “الفرانشايز” وتفعيله في الإطار العالمي. وتضيف “أثر هذا التطور جذرياً في ثقافة المستهلكين على مستوى العالم، وأدى إلى نوع من توحيد تصرفاتهم وأفكارهم وأذواقهم، مما سهل على المستثمرين إطلاق خدمات ومنتجات موحدة وضمان سرعة انتشارها في مختلف بقاع المعمورة، وضمان المستثمرين لرواج منتجاتهم في مختلف أنحاء العالم وصولاً إلى أبعد نقاط الأرض عن مكان استثمارهم الأصلي.
وترى مسقاوي أن “فكرة (الفرانشايز) تشكل طريقة لتحقيق الاستثمارات بصورة جماعية من طريق التعاون المتبادل بين مؤسسات مستقلة، من أجل إعادة إنتاج تجربة اقتصادية ناجحة، بهدف توصيل الخدمات، والمنتجات إلى أكبر عدد من المستهلكين، إذ يشكل نقل المعرفة العملية التي طورتها المؤسسة صاحبة التجربة الاقتصادية الناجحة عنصراً مركزياً، إضافة إلى السماح لـ(الفرانشايزي) – المستثمر الجديد باستعمال الماركة العائدة لـ(الفرانشايزي) – مالك الحجر الأساس في هذه التقنية، كما يتمثل في تقديم المساعدة، وغيرها من الموجبات ذات الطابع الفني والتدريب والإعداد”.
“الفرانشايز” في مواجهة دعوات المقاطعة
لا تنفي المزايا الناجمة عن “الفرانشايز” وجود بعض الأخطار في عالم مليء بالخضات والأزمات السياسية وتباطؤ العولمة. وفي هذا السياق تبرز “الدعوات إلى مقاطعة عدد كبير من الشركات التي تقدم الدعم لإسرائيل”، وهي مجموعة من الشركات العالمية ذائعة الصيت في مجال تقديم السلع والخدمات المختلفة.
وتنطلق لبنى مسقاوي في جوابها حول تأثير تلك الدعوات في أطراف “الفرانشايز” من خلال العودة إلى الأصول الأولى لهذا النظام التعاقدي، مشيرة إلى أنه “يتضمن تعاوناً بين طرفين مستقلين، فـ(الفرانشايزي) أي الطرف المحلي المنضم إلى الشبكة الكبرى، هو شخص يستثمر بأمواله الخاصة مشروعاً اقتصادياً، وموضوعه تكرار التجربة الاقتصادية لـ(الفرانشايزر) من طريق استعمال اسمه التجاري، وتطبيق المعرفة العملية التي ينقلها إليه هذا الأخير، وذلك مقابل ما يدفع له كحق الدخول والبدلات المالية النسبية”.
وتذكر المتخصصة في الشأن القانوني بمجموعة من القواعد القانونية الدولية التي تكرس استقلالية المستثمر المحلي عن مالك الشبكة الدولي، فالقانون الفرنسي الصادر في 21 فبراير (شباط) 1991، والمتعلق بإعلام المستهلكين في قطاع “الفرانشايز”، “يلزم (الفرانشايزي) إعلان استقلاليته للعموم، بحيث يعلم المستهلك بهذا الأمر بطريقة واضحة للعيان، سواء على الوثائق التي يصدرها، أو على الإعلانات، أو سواء داخل وخارج موقع العمل”. كما أن “عقد (الفرانشايز) النموذجي الصادر عن غرفة التجارة الدولية، يشير صراحة في مادته الرابعة إلى أن المستثمر (الفرانشايزي) يطور نشاطه، بصفته تاجراً مستقلاً، باسمه ولحسابه الخاص، فهو ليس موظفاً ولا وكيلاً ولا شريكاً لـ(الفرانشايزر)”، وفقاً لمسقاوي التي أضافت أن “الأمر كذلك بالنسبة إلى قانون الآداب المهنية الصادر عن الاتحاد الأوروبي، والذي يتضمن في تعريفه لعقد (الفرانشايز) أن هذا العقد قائم بين طرفين مستقلين من الناحية القانونية والمالية”. وتذهب إلى أن “المقاطعة تلحق الضرر جزئياً بالشركة العالمية من ناحية تراجع في قيمتها السوقية في حال كانت الدعوات الشعبية فعالة، وكذلك في تراجع حجم حصتها من الأرباح والبدلات الدورية المرتبطة بحجم الأعمال”، إلا أن “مقاطعة الشركات الكبرى التي تمتلك شبكات (الفرانشايز) العالمية، يؤثر بالدرجة الأولى على (الفرانشايزي) المحلي نفسه الذي يخسر أمواله المستثمرة، إضافة إلى الخسائر التي تلحق بالموظفين المحليين لديه نتيجة التعثر اللاحق بالأعمال في ظل المقاطعة”.
وتختم مسقاوي حديثها بالإشارة إلى أنه “إذا ما أخذنا في الاعتبار أن (الفرانشايزر) الذي يملك شبكة (فرانشايز) عالمية، مؤلفة من عشرات أو ربما مئات من (الفرانشايزي) المنتشرة في بلدان لا تشملها المقاطعة، فإن الخسارة الأكبر تلحق بالمستثمر المحلي الذي يتعرض للمقاطعة بصورة مباشرة”.