عالمي

تركة اقتصادية “مثقلة” تنتظر رئيس مصر الجديد

على رغم ترقب المصريين نتائج الانتخابات الرئاسية المقرر انعقادها خلال ديسمبر (كانون الأول) المقبل وما يستتبعها من إجراءات طعون أو إعادة لجولات التصويت بين المرشحين يظل الترقب الأكبر للفترة التالية لـ16 يناير (كانون الثاني)، وهو الموعد الذي حددته الهيئة الوطنية للانتخابات المصرية للإعلان عن الفائز في انتخابات الرئاسة المصرية بشكل نهائي.

يتوقع متخصصون في الاقتصاد أن تكون الأشهر التالية لإعلان اسم الرئيس الجديد هي الأصعب اقتصادياً على المصريين مع وجود ملفات اقتصادية حرجة يجب على الرئيس اتخاذ قرارات في شأنها، وفي مقدمها أزمة الديون الخارجية والداخلية، ثم الاتجاه نحو تحريك جديد في سعر صرف الجنيه المصري أمام باقي العملات الأجنبية تنفيذاً للاتفاق المبرم مع صندوق النقد الدولي، يليه تطبيق الزيادات المؤجلة من عام 2023 في أسعار الوقود والكهرباء وما تمثله من ضغط إضافي على المواطنين، إلى جانب تسريع وتيرة بيع الشركات المملوكة للدولة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

“اندبندنت عربية” رصدت في حديثها مع متخصصين في الاقتصاد السياسي وأسواق المال أبرز الملفات على مائدة الرئيس المصري الجديد خلال 2024 وتأثيراتها المباشرة في الحال الاقتصادي للمواطنين في ظل وضع اقتصادي متدهور، في حين يرى البعض أن تبكير موعد الانتخابات الرئاسية كان هدفه تفادي اتخاذ قرارات اقتصادية صعبة في ظل حدث سياسي كبير كالانتخابات الرئاسية.

قبل أيام قليلة، خفضت وكالة “موديز” للتصنيفات الائتمانية، التصنيف الائتماني لمصر من B3 إلى Caa1 مع نظرة مستقبلية مستقرة (تصنيف Caa1 يشير لضعف القدرة على سداد الديون ووجود أخطار ائتمانية عالية)، وأرجعت الوكالة قرار خفض التصنيف إلى تدهور قدرة البلاد على تحمل الديون، مع استمرار نقص النقد الأجنبي في مواجهة زيادة مدفوعات خدمة الدين العام الخارجي خلال العامين المقبلين 2024 – 2025، مشيرة إلى أن عملية تغطية خدمة الدين من خلال الاحتياطات الحالية البالغة نحو 27 مليار دولار قد تضعف بشكل كبيرة خلال العامين المقبلين، بخاصة مع غياب اتخاذ تدابير لتعزيز احتياط النقد الأجنبي.

وتواجه مصر أزمة اقتصادية حادة تتعلق بنقص النقد الأجنبي عقب تداعيات جائحة كورونا واندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية في فبراير (شباط) من العام الماضي، وخروج نحو 22 مليار دولار من الأموال الساخنة، وعلى رغم خفض قيمة الجنيه ثلاث مرات في الفترة منذ مارس (آذار) 2022 إلى مارس الماضي، لا تزال الأزمة قائمة.

تعويم جديد

يقول المتخصص في الاقتصاد السياسي والمقرر المساعد للمحور السياسي في “الحوار الوطني”، مصطفى كامل السيد، إن التحدي الأهم الذي سيواجه الرئيس الجديد هو ملف الديون الخارجية التي تتجاوز 165 مليار دولار، تليها الديون الداخلية التي بلغت 6.86 تريليون جنيه في الربع الأخير من عام 2022. وأضاف لـ”اندبندنت عربية” أن مصر مطالبة بسداد 29.3 مليار دولار مصروفات خدمة للدين الخارجي خلال 2024، وفقاً للرقم المعلن من قبل البنك المركزي المصري، وهو أمر يتجاوز قدرة الاقتصاد المصري على توفير النقد الأجنبي اللازم لسداد هذه الأقساط، في ظل تراجع تحويلات المصريين في الخارج، وضعف أو ثبات مصادر النقد الأجنبي، وفي مقدمها قطاع السياحة وقناة السويس.

يرى مصطفى كامل السيد أن خفض التصنيف الائتماني لمصر من الوكالات الدولية يزيد من صعوبة الموقف ويرفع كلفة الاستدانة من الأسواق الدولية، وهو ما يؤثر سلباً في قدرة مصر على استيراد السلع الأساسية والأغذية والمواد الخام اللازمة للإنتاج في القطاع الصناعي.

ويشير المتخصص في الاقتصاد السياسي إلى أن مصر ملزمة تنفيذ اتفاقها مع صندوق النقد خلال 2024 بعد أن وافقت على شروط التعامل مع الصندوق ومنها دمج المراجعات التي كان مقرراً الانتهاء منها في 2023 وتأجيلها لعام 2024 لحين الانتهاء من الانتخابات الرئاسية حتى لا تكون هناك صعوبات إضافية في معيشة المواطنين تزامناً مع انتخابات بهذه الأهمية، مشيراً إلى أن تفهم الصندوق لهذه الظروف لا يعني التخلي عنها، ولكن إرجاء التطبيق للعام الجديد.

وأشار السيد إلى أن مصر ملتزمة شروط الصندوق ومنها تحرير سعر صرف الجنيه مرة أخرى إلى جانب التوسع في بيع الأصول، فقد ارتفع عدد الشركات المطروحة من 33 إلى 35 شركة، في مقابل منح مصر أقساطاً من القرض الإضافي المقدر بثلاثة مليارات دولار والمقسمة على يتة شرائح، لافتاً إلى أن تعويم الجنيه في 2024 أمر حتمي لاستئناف العلاقات والتعاون مع صندوق النقد الدولي.

التحدي الثاني في رأي المقرر المساعد للمحور السياسي في “الحوار الوطني” هو الديون الداخلية التي تعجز الحكومة عن توفير الإيرادات الكافية لسدادها، مما يتطلب مزيداً من تحقيق العوائد إلى جانب ترشيد الإنفاق الحكومي بشكل كبير في قطاعات حيوية منها الصحة والتعليم، والتي تعاني ضعف مخصصاتها.

وحول ضرورة وقف الإنفاق على المشروعات القومية أكد السيد أن كثيراً من تلك المشروعات لم يكن ضرورياً، ومنها قطار “مونوريل” الذي بدأ تنفيذه بالفعل بقرض خارجي وباتت الحكومة مضطرة إلى استكمال المشروع بتوجيه الموارد النادرة من النقد الأجنبي والعملة المحلية للانتهاء منه بهدف سداد القرض من عوائد هذا المشروع الذي لم تكن له الأولوية في التنفيذ، لافتاً إلى أن هذه المشروعات تؤدي إلى تعميق الأزمة الاقتصادية التي تواجهها مصر.

وفي الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) تراجعت تحويلات المصريين العاملين في الخارج خلال العام المالي 2022 – 2023، بنسبة 30.8 في المئة على أساس سنوي، بحسب بيانات البنك المركزي المصري، فيما تراجعت تحويلات المصريين خلال العام المالي الماضي، إلى 22.1 مليار دولار، مقابل 31.9 مليار دولار في العام المالي السابق.

تحسن مرتقب

على الجانب الآخر، توقع المتخصص في الشأن الاقتصادي أبو بكر الديب حدوث تحسن ملحوظ في سعر الجنيه المصري مقابل الدولار، وتراجع التضخم وخفض الأسعار عقب الانتخابات الرئاسية، مشيراً إلى أن الرئيس الجديد تنتظره ملفات اقتصادية عدة، أهمها تحسين وضع الجنيه، وسداد الديون الخارجية خلال السنوات المقبلة بانتظام، وإعادة التفاوض مع صندوق النقد الدولي لاستكمال برنامج الإصلاح، إلى جانب توطين الصناعة وزيادة الصادرات ودعم القطاعات الإنتاجية والسياحة وجذب الاستثمار وتحقيق الأمن الغذائي.

وأشار الديب في تصريحات خاصة إلى وجود حال من التفاؤل بين المستثمرين في شأن برنامج الإصلاحات الاقتصادية وطرح شركات القطاع العام في البورصة، متوقعاً أن يشهد النشاط الاقتصادي في مصر انتعاشة خلال السنوات الخمس المقبلة بسبب زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتعافي قطاع السياحة وارتفاع إنتاج الغاز والبترول، وتعديلات قوانين الاستثمار والتراخيص الصناعية.

وتستهدف الحكومة المصرية زيادة إيراداتها الدولارية إلى 190 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2026، مقابل 70 مليار دولار حالياً من خلال زيادة إيرادات السياحة بنحو 20 في المئة سنوياً، والصادرات السلعية 20 في المئة، وتحويلات المصريين من الخارج 10 في المئة، والاستثمارات الأجنبية المباشرة 10 في المئة، بخلاف زيادة إيرادات قناة السويس وخدمات التعهيد، وفقاً لتصريحات أبو بكر الديب.

وأوضح المتخصص في الشأن الاقتصادي أن المشروعات القومية التي تم أو جارٍ تنفيذها ستجني مصر ثمارها خلال الأعوام المقبلة، حيث توفر فرص عمل، من ثم خفض نسب البطالة ونمو الناتج المحلي، وقد انخفضت البطالة بشكل طفيف بواقع 7.0 في المئة خلال الربع الثاني من عام 2023، حيث سيتحسن النمو في السنة المالية 2024 – 2025 إلى 4.8 في المئة، من خلال نمو قطاعات السياحة والزراعة والتشييد والبناء والخدمات اللوجيستية، متوقعاً تراجع التضخم في المدن إلى 22 في المئة بحلول نهاية السنة المالية الحالية في يونيو (حزيران) 2024، ثم ينخفض إلى 13 في المئة العام التالي.

وأكد تلقى مصر تدفقات بقيمة إجمالية تصل إلى سبعة مليارات دولار وعائدات من مبيعات محتملة لسندات “الباندا” و”الساموراي” بقيمة مليار دولار والشريحتين الثانية والثالثة من قرض صندوق النقد الدولي إلى جانب 1.2 مليار دولار في إطار برنامج الصمود والاستدامة التابع للصندوق، وخمسة مليارات دولار من برنامج بيع الأصول.

وأعلنت وزارة التخطيط المصرية ارتفاع الدين المحلى الداخلي إلى 6.86 تريليون جنيه مقابل 6.35 تريليون في الربع الأخير من عام 2022 بنسبة 109 في المئة في الفترة من 2016 إلى 2022 فيما قفز الدين الخارجي إلى 165.3 مليار دولار بزيادة قدرها 5.1 في المئة.

وحذرت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا هذا الشهر من أن الحكومة المصرية ستستنزف احتياطاتها الثمينة من النقد الأجنبي ما لم تخفض قيمة الجنيه مرة أخرى.

وقالت غورغييفا إن “مصر تؤخر أمراً لا مفر منه عبر الامتناع عن القيام بخفض قيمة العملة مرة أخرى، وكلما طال الانتظار أصبح الأمر أسوأ”.

الأموال الساخنة

أما المتخصص في الشأن الاقتصادي وليد جاب الله فيؤكد أن مصر لديها اقتصاد متنوع وقادر على عبور الأزمة الحالية إذا ما تمت الموازنة بين المعايير الدولية والخصوصية المحلية، مشيراً إلى أزمة التضخم هي التحدي الأساس أمام الرئيس القادم، والالتزام المقرر على مصر بخاصة في جانب الديون الخارجية والمبالغ المقرر سدادها في العام الجديد معلومة سلفاً، وهناك إدارة لملف الدين في وزارة المالية بغض النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية أو الحكومة الموجود. وأضاف في حديث خاص أن عبور الأزمة يتطلب البحث عن حلول محلية بتقديم مبادرات تتناسب مع الظروف المحلية وتشجيع الاستثمار بالاعتماد على المواد الخام المحلية وتحويل الابتكارات المحلية إلى صناعات قائمة بالفعل تزيد من تنافسية المنتج المصري إلى جانب اكتشاف قدرات الاقتصاد المصري بشكل كامل والتي يمكنها صناعة معدلات نمو مرتفعة قادرة على الصمود خلال العامين المقبلين.

جاب الله أكد أن الدولة بالفعل بدأت ترشيد الإنفاق منذ عام 2021، وهو ما ظهر جلياً في موازنات الأعوام التالية، مشدداً على أن هناك بنوداً لا يمكن ترشيد الإنفاق منها، وتتمثل في الاستثمارات الحكومية التي تعد سبباً رئيساً في تحقيق معدلات النمو، إلى جانب برامج الحماية الاجتماعية التي تساعد المواطنين على مواجهة أزمات التضخم، مؤكداً أن تحفيز النشاط الاقتصادي هو البديل العملي لعبور الأزمة وليس ترشيد الإنفاق.

يرى وليد جاب الله أن الاقتصاد المصري سيشهد في النصف الثاني من 2024 استقراراً خلال الفترة المقبلة، بخاصة مع توقعات توجه الفيدرالي الأميركي إلى خفض الفائدة، وهو ما سيدفع بالمستثمرين (الأموال الساخنة) للتوجه إلى الأسواق العالمية ومنها مصر للاستثمار في أدوات الدين، مما سيعزز فرص مصر في الحصول على تمويلات منخفضة الكلفة ودفع عجلة النمو للأمام، مطالباً في الوقت ذاته بإعادة تقييم المبادرات المطروحة بهدف جذب العملات الأجنبية وتقديم مزيد من التيسيرات لإنجاحها.

أزمة الديون

رانيا يعقوب المتخصصة في أسواق المال وعضو مجلس إدارة البورصة المصرية أكدت أن أبرز التحديات التي يواجهها الرئيس المصري الجديد في 2024 هي أزمة الديون واجبة السداد في العام الجديد، والتي تتزامن مع ارتفاع نسب التضخم واضطراب سلاسل التوريد وارتفاع أسعار الوقود عالمياً، مما يشكل ضغطاً على الدول النامية والاقتصادات الناشئة.

وأشارت يعقوب لـ”اندبندنت عربية”، إلى أن الحلول المطروحة لعبور الأزمة حالياً هي الحلول المطروحة ذاتها خلال السنوات الماضية، ومنها برنامج بيع الأصول الحكومية الذي تعمل عليه الحكومة، وطرح الشركات في البورصة، وبرنامج الرخصة الذهبية للمستثمرين، إلى جانب الحوافز المشجعة للاستثمار على المستوى الضريبي والإجرائي. وأكدت أن التحدي الثاني يتمثل في حل مشكلات التدفقات النقدية الأجنبية التي تأثرت خلال العامين الأخيرين، والتي تتلخص في حلين: الأول بيع الأصول من خلال الطرح في البورصة، والثاني بيعها لمستثمر استراتيجي.

وأوضحت عضو مجلس إدارة البورصة المصرية أن زيادة أسعار الوقود عالمياً لمستويات لم يشهدها العالم خلال 2023 سيكون لها تأثير في مصر خلال العام المقبل، مما سيشكل تحدياً جديداً في هذا العام وسيزيد من كلفة المنتجات. وأكدت أن بيع الشركات هو حل ناجز على المدى القصير، لافتة إلى أن الحل على المدى الزمني المتوسط والبعيد سيكون لتشجيع الإنتاج وتحفيز الصناعة المحلية.

وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد وجه في منتصف 2022 بتأجيل خطة رفع الدعم عن الكهرباء وإرجاء تطبيق الزيادة السنوية في أسعار شرائح الكهرباء حتى يناير 2024 لرفع المعناة عن محدودي الدخل.

وتأتي تدفقات النقد الأجنبي الرسمية لمصر من خمسة مصادر أساسية، هي إيرادات السياحة، وتحويلات المصريين العاملين في الخارج، وعوائد الصادرات، وإيرادات قناة السويس، وصافي الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث بلغت حصيلة مصر من النقد الأجنبي نحو 94.1 مليار دولار خلال العام المالي الماضي.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى