عالمي

أيهما أفضل لإدارة ترمب… حرب تجارية متصاعدة أم هدنة حذرة مع الصين؟

أخيراً، توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق تجاري مع الصين، بعد حرب كلامية حادة تطورت إلى قيود متبادلة على الصادرات الرئيسة، اجتمع مسؤولون أميركيون وصينيون هذا الأسبوع في المملكة المتحدة بهدف واحد: إيجاد طريقة للاتفاق على ما اتفقوا عليه قبل شهر في جنيف.

يبدو أن كبار المفاوضين التجاريين من البلدين قد حققوا ذلك، وأعلن كل من المسؤولين الصينيين وممثلي الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أنهم اتفقوا على إطار عمل لتنفيذ التوافق الذي توصلوا إليه في مايو (أيار) الماضي، وسيتم إرسال الهدنة التجارية إلى قادتهم للموافقة عليها.

لا شك أن الشركات والمستهلكين ومستثمري وول ستريت سيتنفسون الصعداء، فقد أثارت الرسوم الجمركية المرهقة قلقاً كبيراً، ومن المتوقع أن يؤدي تخفيف الحواجز التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم إلى خفض التكاليف والمساعدة في ضخ بعض اليقين الذي تشتد الحاجة إليه في اقتصاد يظهر بعض علامات التوتر.

لكن في الواقع، فإن الهدنة التجارية (إن كانت بالفعل ما تم إنجازه هذه المرة) ليست سوى عودة إلى الوضع المتوتر أصلاً الذي كان سائداً قبل الثاني من أبريل (نيسان) الماضي، فلا تزال معدلات الرسوم الجمركية من كلا البلدين مرتفعة تاريخياً، ولا تزال قيود التصدير الكبيرة قائمة، ولم تفتح الولايات المتحدة أبوابها أمام السيارات الصينية، ولن تبيع رقائق الذكاء الاصطناعي المتطورة قريباً.

وبحسب تعبير الرئيس دونالد ترمب، فإن الصين لا تعامل أميركا بإنصاف أكبر بكثير بعد هذه الاتفاقية مما كانت عليه قبلها.

المعادن النادرة أصبحت الحصان الرابح

لا شك أنه اتفاق تجاري كان ضرورياً للغاية، فبعد إعلان ترمب عن “يوم التحرير” في الثاني من أبريل الماضي، تصاعدت التوترات لدرجة أوقفت التجارة بين الولايات المتحدة والصين تماماً.

وقد صعبت رسوم جمركية بنسبة 145 في المئة على معظم الواردات الصينية على الشركات الأميركية شراء أي شيء تقريباً من الصين، ثاني أكبر شريك تجاري لأميركا.

وصرح وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، كبير المفاوضين الأميركيين في المحادثات التجارية مع الصين، بأن مستويات الرسوم الجمركية السابقة “غير مستدامة”.

في 12 مايو الماضي، أعلن مندوبو الصين والولايات المتحدة أنهما سيخفضان بصورة كبيرة رسومهما الجمركية المرتفعة تاريخياً على بعضهما البعض. وخفض الاقتصاديون توقعاتهم للركود، وانتعشت ثقة المستهلك المتراجعة، لكن ترمب وإدارته ازدادا عدائية تجاه الصين في الأسابيع الأخيرة، متهمين إياها بالنكوص عن الوعود التي قطعتها في منتصف مايو الماضي، وبالمثل، قالت الصين إن الولايات المتحدة لم تف بالتزاماتها بموجب اتفاق جنيف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتوقعت إدارة ترمب أن ترفع الصين القيود المفروضة على المعادن الأرضية النادرة، وهي مكونات أساسية لمجموعة واسعة من الأجهزة الإلكترونية، لكن الصين لم تسمح لها بالعودة إلى السوق المفتوحة إلا ببطء شديد، مما أثار استياءً شديداً داخل إدارة ترمب، ودفع إلى فرض سلسلة من القيود على تصدير السلع الأميركية إلى الصين.

تتمتع الصين باحتكار شبه كامل للمعادن الأرضية النادرة، والتي من دونها لا يمكن تصنيع السيارات، ومحركات الطائرات، وصبغة التباين المستخدمة في أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي، وبعض أدوية أمراض السرطان.

وقبل أيام، قال ترمب للصحافيين، إن الرئيس الصيني شي جينبينغ وافق على السماح ببدء تصدير منتجات المعادن الأرضية النادرة، لكن محللي الصناعة قالوا إن هذه المواد الأساسية لم تعد تتدفق إلى الولايات المتحدة كما كانت في السابق.

إذا التزمت الدولتان بشروط الاتفاق هذه المرة، فإن تهدئة التصعيد من شأنها أن تمنع أشد التحذيرات في شأن الحرب التجارية، بما في ذلك النقص المحتمل في الإمدادات على مستوى الجائحة.

الهدنة أفضل من تصاعد الحرب التجارية

بالعودة إلى الواقع، وعلى رغم الأجواء الإيجابية، لا تزال الولايات المتحدة والصين في مواجهة اقتصادية، وقد أكدت إدارة ترمب، (ومن قبلها إدارة بايدن)، أن الشركات الصينية سعيدة للغاية ببيع منتجات رخيصة الثمن إلى السوق الأميركية، لكن الصين تفرض قيوداً كبيرة على الشركات الأميركية العاملة في البلاد، وتشجع الشركات الصينية على سرقة الملكية الفكرية الأميركية، ولطالما عارضت الصين هذه الادعاءات.

في ولايته الأولى، رفع ترمب الرسوم الجمركية على الصين بناءً على مخاوف تتعلق بالأمن القومي، أبقى بايدن على العديد من هذه الرسوم وضاعف بعضها.

لكن إدارة ترمب الثانية رفعت الحواجز التجارية إلى مستوى غير مسبوق، فقد فرضت رسوماً جمركية شاملة بنسبة 10 في المئة على جميع السلع الواردة إلى الولايات المتحدة تقريباً، وفرضت رسوماً جمركية إضافية بنسبة 20 في المئة على السلع الصينية في محاولة لدفع الصين إلى اتخاذ إجراءات للحد من تدفق الفنتانيل عبر الحدود الأميركية، ولا تزال هاتان الرسمان الاستثنائيان ساريين على معظم السلع الصينية، باستثناء بعض المنتجات مثل الإلكترونيات.

إضافة إلى ذلك، أنهى البيت الأبيض ما يسمى بالإعفاءات الجمركية البسيطة التي كانت تسمح بدخول الطرود التي تقل قيمتها عن 800 دولار إلى الولايات المتحدة معفاة من الرسوم الجمركية.

تظل الرسوم الجمركية الجديدة الضخمة سارية على الطرود الصغيرة، مما يقوض نماذج الأعمال الخاصة بشركتي التجارة الإلكترونية الصينيتين العملاقتين “شي إن” و”تيمو”.

تنشئ الرسوم الجمركية المركبة حواجز تجارية كبيرة مع ثاني أكبر شريك تجاري لأميركا، مما يرفع الأسعار على الشركات والمستهلكين الأميركيين من دون حلول سهلة أو بدائل سوقية واضحة. بعض الشركات العملاقة، مثل “أبل”، لديها سلاسل توريد معقدة يمكنها تحمل بعض ضغوط الأسعار، لكن حتى “أبل”، التي صرحت بأنها ستشحن معظم أجهزة “آيفون” الأميركية من الهند مع ارتفاع الرسوم الجمركية الصينية، صرحت بأنها ستواجه زيادة ربع سنوية في التكاليف بقيمة 900 مليون دولار بسبب الرسوم الجمركية بمستوياتها الحالية، وليس عند معدل 145 في المئة المرتفع للغاية.

وقد أقصيت شركات أخرى، مثل “بوينغ”، تماماً من السوق الصينية، حتى من دون أي رسوم جمركية أو حواجز رسمية أخرى من قبل الصين على مشتريات الطائرات الأميركية، ولم تحقق “بوينغ” أي مبيعات تذكر في الصين، وهي أكبر سوق في العالم لمشتريات الطائرات، منذ عام 2019، لذا، قد تكون الهدنة التجارية أفضل من البديل أو تصاعد حدة الحرب، إذا استمرت هذه المرة.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى