أوروبا تعقد حل أزمة ديون أفريقيا
لم تفلح مبادرات متعددة لحل أزمة الديون الأفريقية حتى الآن في تخفيف الوضع كي لا يتحول إلى قنبلة موقوتة يؤدي انفجارها إلى تبعات سلبية على الاقتصاد العالمي، بدءاً من برنامج صندوق النقد الدولي بأكثر من نصف تريليون دولار خلال أزمة وباء كورونا إلى مبادرة “الإطار العام” التي طرحتها مجموعة “الـ20” لحل أزمة الدول النامية الأكثر مديونية، ومن بين الدول الأفريقية الـ22 الأكثر مديونية، لم تستفد من تلك المبادرة سوى إثيوبيا وتشاد وزامبيا وجنوب السودان.
كانت زامبيا أول الدول الأفريقية التي أعلنت الإفلاس قبل ثلاثة أعوام، بعدما تخلفت عن سداد حزمة ديون مستحقة مقيمة بالدولار الأميركي بمقدار ثلاثة مليارات دولار، وكان إعلان الإفلاس مقدمة لاتفاق مع صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 1.4 مليار دولار كي تتمكن الدولة الأفريقية المثقلة بالديون من إعادة هيكلة اقتصادها وحل مشكلة مديونية الدولة الخارجية البالغة 17 مليار دولار.
ومن بين الدول الأفريقية التي تدفع النسبة الأكبر من ميزانياتها لتلبية خدمة الدين، من فوائد وأقساط مستحقة، وهي أكثر من 20 دولة دول مثل أنغولا والكاميرون وجمهورية الكونغو وجيبوتي وإثيوبيا وزامبيا وتشاد ومصر والغابون مالاوي والمغرب ورواندا وتونس والسنغال، وتدفع تلك الدول فوائد على قروضها تتراوح بين ثلاثة وستة في المئة.
مشكلة المقرضين الخواص
تراكم القدر الأكبر من تلك القروض للدول الأفريقية في العقد الثاني من القرن الحالي، في فترة وصفت بـ”الاقتراض الشره“، وسبب ذلك هو تدني أسعار الفائدة عالمياً بعد الأزمة المالية العالمية في 2008، وكثيراً من تلك القروض لم تكن ميسرة تماماً، إلا تلك التي جاءت من مؤسسات دولية أو حكومات.
وشهد طرح سندات الدين في الأسواق العالمية، سواء المقيمة بالدولار أو اليورو، اكتتابات من مقرضين خواص مثل البنوك والمؤسسات المالية الغربية ومن المستثمرين في أسواق الدين من صناديق وأفراد.
ويتغير العائد على سندات الدين تلك وتتذبذب قسمة السند مع التغيرات في السوق، التي شهدت في السنوات الثلاث الماضية تذبذباً هائلاً، ولأن معظم المبادرات الدولية والغربية لمعالجة أزمة ديون أفريقيا تتعلق بتسهيل إعادة هيكلة الديون وليس بإلغائها، وتقتصر على الحكومات، فإن الجزء الأهم من تلك المديونية يظل باقياً لأنه لدى مقرضين خواص، وهناك مطالبات بأن تشرك البنوك والصناديق والمقرضون غير الحكوميين في مبادرات إعادة الهيكلة لتتمكن دول أفريقيا من مواجهة أزمة قد تجر معها بقية النظام المالي العالمي إلى مشكلة أكبر.
بنهاية العقد الماضي، ومع بداية أزمة وباء كورونا كانت الديون الخارجية للدول الأفريقية تقترب من تريليون دولار (تحديداً 800 مليار دولار)، وتدفع الدول الأفريقية للمقرضين الخواص الغربيين ما نسبته 30 في المئة من إجمالي مدفوعات خدمة الدين من فوائد وأقساط، ولأن كل المبادرات التي تطرح من صندوق النقد الدولي أو التجمعات الاقتصادية للدول الكبرى استهدفت محاولة إعادة جدولة الديون من قبل دول “نادي باريس” فلم تحرز أي تقدم في تخفيف عبء الدين الأفريقي، فدول “نادي باريس” دول غربية، في أغلبها دول أوروبية وليست كلها على توافق في سياستها تجاه أفريقيا.
شهدنا في الآونة الأخيرة مشكلة فرنسا مع دول الساحل وغرب أفريقيا التي تشهد انقلابات عسكرية مناوئة للوجود والنفوذ الفرنسي هناك، وإذا كانت معظم الديون الأفريقية مقيمة بالدولار، فإن نسبة معقولة منها كانت إصدارات بالعملة الأوروبية الموحدة، اليورو.
مع ذلك، تتبع أوروبا نهج الولايات المتحدة، بل وتزايد عليها أحياناً في إلقاء تبعة أزمة ديون أفريقيا على الصين التي توسعت في الإقراض للدول الأفريقية في القرن الحالي.
أوروبا والصين وديون أفريقيا
في دراسة أعدتها المؤسسة الخيرية البريطانية “عدالة الديون” العام الماضي ونشرتها قبل اجتماع وزراء مالية دول مجموعة “الـ20” العام الماضي في إندونيسيا، واستناداً إلى الأرقام الرسمية وأرقام وبيانات البنك الدولي، نجد أن نصيب الصين من الديون الأفريقية لا يتجاوز نسبة 12 في المئة مقابل نسبة 35 في المئة لدول أوروبا بما فيها المقرضون الخواص الأوروبيون من بنوك وصناديق وغيرها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويأتي كل الإقراض الصيني للدول الأفريقية إما من الحكومة في بكين أو من بنوك رسمية مملوكة للدولة، وفي الحد الأعلى تبلغ نسبة الفائدة على القروض الصينية للدول الأفريقية نسبة 2.7 في المئة، بينما تصل الفائدة على القروض من أوروبا والغرب لدول أفريقيا إلى نسبة خمسة في المئة في كثير من الحالات.
وأقدمت الصين، ضمن مبادرات مجموعة “الـ20” وغيرها، على شطب مليارات من الديون أغلبها لدول أفريقيا وعملت على إعادة هيكلة قدر كبير من ديونها المستحقة على تلك الدول، في الوقت الذي لم تصل فيه نسبة الديون على الدول الأفريقية التي أعيدت هيكلتها نتيجة تلك المبادرات، بما فيها مبادرات صندوق النقد الدولي مع “نادي باريس”، سوى 23 في المئة من إجمالي الديون في القارة.
تتراوح نسبة خدمة الدين من إجمالي ميزانيات الدول الأفريقية الأكثر مديونية ما بين 30 في المئة و60 في المئة في المتوسط، وعلى رغم برامج التجميد الموقت لمدفوعات خدمة الدين خلال أزمة وباء كورونا التي انتهت الآن، فإن ذلك يضغط بشدة على ميزانيات معظم الدول الأفريقية على حساب استثماراتها التي يفترض أن تخصصها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
يرجع كثير من المحللين والمعلقين بعض أسباب الانقلابات العسكرية وفوضى الصراعات الداخلية في دول أفريقيا جنوب الصحراء إلى مشكلة الفقر الشديد الناجم عن مديونية تلك البلاد وما تستقطعه من دخلها القومي في مدفوعات خدمته، وفي ظل مشكلات تباين الاقتصادات الأوروبية والانقسامات بين دولها حتى في سياستها النقدية والمالية في إطار الاتحاد الأوروبي، لا يتوقع أن تكون لدى أوروبا سياسة موحدة تجاه حل أزمة الديون لدى دول القارة السمراء.