أزمة الدولار تدفع مصر إلى فتح مفاوضات جديدة مع صندوق النقد
تجري مصر محادثات مع صندوق النقد الدولي في شأن زيادة برنامج الإنقاذ الخاص بها إلى أكثر من خمسة مليارات دولار من ثلاثة مليارات دولار الآن، في ظل الثقة من قدرة البلاد على التغلب على العقبات التي تواجه حزمتها الحالية من خلال معالجة المخاوف بما في ذلك سعر الصرف.
وقالت مصادر مطلعة، إن أي إعلان عن زيادة محتملة عن مبلغ الثلاثة مليارات دولار الذي تم الاتفاق عليه العام الماضي لن يأتي إلا بعد أن تكمل مصر مراجعاتها المتأخرة للبرنامج.
وكان من المفترض أن يجري صندوق النقد الدولي مراجعة برنامج التمويل في مارس (آذار) الماضي لصرف الشريحة الثانية من التمويل، ولكن تم تأجيله لشهر سبتمبر (أيلول) الماضي أيضاً بدعوى عدم التزام مصر بتنفيذ إجراءات الإصلاح المطلوبة.
ومن المرجح أن تقوم بعثة من الصندوق بزيارة مصر لبدء المراجعتين في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وقالت المصادر، إن من المقرر مناقشة عديد الخيارات خلال الزيارة، بما في ذلك طريق التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء في شأن المراجعة.
وأوضحت أن إصلاح سياسة العملة سيتم بعد الانتخابات الرئاسية في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، مما يمهد الطريق لموافقة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي على المراجعة، ومن ثم صرف شرائح القروض المتأخرة، وفي الوقت نفسه تتوقع وزارة المالية المصرية، أن تبدأ المراجعتان المؤجلتان لبرنامجها مع صندوق النقد الدولي بحلول نهاية عام 2023.
تحركات مكثفة لزيادة الحصيلة الدولارية
وقبل أيام، قالت المدير العام لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، في تصريحات على هامش الاجتماعات السنوية للصندوق والبنك الدوليين في المغرب، إن “الصندوق يجري تعاوناً وثيقاً مع مصر لتحديد مواعيد مناقشة المراجعة التي تأخرت كثيراً لبرنامج الإنقاذ”، مشيرة إلى أن مصر حققت تقدماً جيداً على عدة جبهات، منها السياسة المالية، وتنفيذ استراتيجية الخصخصة، والمشاركة مع فريق الصندوق حول كيفية إدارة السياسة النقدية بشكل أفضل في هذه الأوقات الصعبة للغاية.
في الوقت نفسه تسعى مصر لاقتراض نصف مليار دولار من بنوك قبل نهاية العام الحالي، وسيدعمها في هذه الصفقة المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات “ضمان” التي تتخذ من الكويت مقراً لها.
وكان وزير المالية المصري محمد معيط، قال إن بلاده تسعى لاقتراض ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار جديدة قبل نهاية هذا العام، وذلك باللجوء لأسواق رأس المال الآسيوية إلى حد كبير، كجزء من جهود الدولة لإصدار الديون التي تضمنها مؤسسات التنمية.
وأوضح أن الخطط تشمل 500 مليون دولار في أول سندات “باندا” لمصر وسندات “الساموراي” بقيمة نفس المبلغ. وأشار إلى أن بلاده حصلت على ضمانات من البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وبنك التنمية الأفريقي بقيمة تصل إلى 545 مليون دولار عبر طرح لسندات “الباندا” الصينية.
وتستعد الحكومة المصرية لإصدار سندات “ساموراي” بالين الياباني بقيمة 500 مليون دولار، من خلال طرح خاص، وفقاً لما قاله معيط. وهناك صفقة أخرى في طور الإعداد تتمثل في الحصول على قرض بقيمة 500 مليون دولار من اثنين من البنوك، إذ تلعب المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات “ضمان” دوراً رائداً في ضمان التسهيلات. وقال معيط، “نعمل على تنويع مصادر تمويلنا من خلال أسواق رأس المال المختلفة إضافة إلى الحصول على ضمانات من عديد المؤسسات لخفض كلفة الدين خلال هذه البيئة الصعبة لأسعار الفائدة المرتفعة”.
وتشير بيانات البنك المركزي المصري إلى أن مصر اقترضت من صندوق النقد الدولي نحو 22 مليار دولار حتى الآن، وكانت بداية اللجوء إلى الصندوق في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2016، حينما أطلقت الحكومة أول برنامج لإصلاح اقتصادي شامل، تضمن إعادة هيكلة الدعم وتحرير سوق الصرف بشكل كامل.
أزمة التحول إلى سعر صرف مرن تتفاقم
في كلمته خلال الاجتماع السنوي للصندوق والبنك الدوليين في مراكش بالمغرب، قال مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور، إن الصندوق لا يضع توقعات لسعر صرف الجنيه المصري، والعرض والطلب هو ما يحدد سعر الصرف الحقيقي لأي عملة. وأوضح، أن وجود سياسة سعر صرف مرن في مصر جزء أساس لحماية الاقتصاد في مواجهة الصدمات العالمية.
وتواجه مصر أزمة خانقة منذ الربع الأول من العام الماضي، حينما أُعلن عن خروج أكثر من 20 مليار دولار من الأموال الساخنة بشكل مفاجئ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان البنك المركزي المصري يحافظ على سعر صرف للدولار عند مستوى 15.64 جنيه، وذلك منذ عام 2019، وهو ما انتقده صندوق النقد الدولي الذي يصر على ضرورة التحول إلى سعر صرف مرن للدولار حتى تتمكن البلاد من توفير الحصيلة الدولارية اللازمة لتغطية فاتورة الواردات الضخمة.
وخفضت مصر قيمة الجنيه ثلاث مرات منذ مارس 2022 ليتراجع أكثر من 50 في المئة أمام الدولار، وفرضت الحكومة قيوداً على الواردات، بينما علقت بنوك محلية هذا الأسبوع استخدام بطاقات الخصم المباشر المصدرة بالجنيه خارج البلاد في محاولة لوقف نزيف العملات الأجنبية.
وقال أزعور، إنه يجب إفساح المجال أمام القطاع الخاص في مصر ليؤدي دوراً أكبر في الاقتصاد. وأشار إلى أن المشاريع الضخمة لها تأثير في المالية العامة والطلب على العملات الأجنبية. وتابع “مصر تتمتع باقتصاد واعد كبير الحجم ولديه إمكانات كبيرة… ومن المهم جداً إفساح المجال أمام للقطاع الخاص ليكون في القيادة، ولهذا السبب فإن إعادة تصميم دور الدولة لتكون أكثر تمكيناً من كونها منافساً هو أمر مهم للغاية”.
وتابع “ثانياً، هذه المشاريع الضخمة لها تأثير في المالية العامة على رغم أنها ربما لا تشكل جزءاً من ميزانية الحكومة ولكن لها تأثير في المالية العامة، ولها أيضاً تأثير في الطلب على العملات الأجنبية، ولذلك، فإننا نوصي السلطات المصرية أيضاً بإعادة تحديد المراحل وتوسيع الفترة الزمنية وإعادة توجيه الاستثمار العام”.