خليجي

الصداقة ليست ضمانا لنجاح الاستثمارات .. غياب التخطيط ينذر بفشل وخروج عن المسار

يمكن أن يكون بدء عمل تجاري أو مشروع استثماري مع أصدقائك تجربة شيقة ومثيرة ومجزية في الوقت ذاته، لكن يمكن أن يؤدي أيضا إلى كثير من الصداع والاستياء، وفي بعض الحالات المتطرفة إلى تفتت علاقة الصداقة ذاتها وتلاشيها، بل خسارة الأصدقاء بعضهم بعضا في نهاية المطاف.

أخيرا، عرض موقع “نت فيليكس” فيلم “البصلة الزجاجية”، الفيلم يتضمن -وفقا لوجهة نظر بعض النقاد- إدانة للنخبة الجديدة من المؤثرين وعباقرة التكنولوجيا، باعتبارهم نخبة بلا أخلاق، لكن أيضا الفيلم يتضمن تحذيرات من المخاطر المحتملة لبدء عمل تجاري مع أصدقائك، وكيف يمكن أن ينتهي المطاف بعلاقة مختلة وغير متوازنة بينهم.

من المؤكد أن المشاريع المشتركة مع الأصدقاء وأفراد العائلة تلعب دورا كبيرا في أي اقتصاد، وتشير بعض الدراسات إلى أنه على الصعيد العالمي ما بين 70 إلى 80 في المائة من الشركات مملوكة بشكل مشترك أو يديرها أفراد العائلة أو أصدقاء، وبالطبع فإن العلاقات الوثيقة تعد في كثير من الأحيان مصدرا كبيرا للدعم والتأثير الإيجابي، سواء في إيجاد أفكار جديدة أو عمل تجاري مميز.

إطلاق مشروع تجاري جديد غالبا ما يواجه بتحديات، وبعض من تلك الصعوبات يمكن تذليلها إذا كنت تعمل مع أشخاص قريبين منك أو يدخلون ضمن دائرة الأصدقاء، فأحد الشروط الضرورية لنجاح أي مشروع ذي صبغة مشتركة أن يتمتع الشركاء بالثقة ببعضهم بعضا، ويفهموا ما يحب ويكره الطرف الآخر، وطموحاته المستقبلية.

لكن الواقع في كثير من الأحيان يكون له قول آخر، ولا تسير الأمور دائما وفقا للتمنيات والنوايا الحسنة أو الطيبة، فما قد يبدأ كمشاحنات عرضية أو مؤقتة، أو خلاف حول قضايا ثانوية، يتسع أحيانا ليصبح خلافا حول الرؤية والتوجهات، بما يثير استياء بين الشركاء أو الأصدقاء، وأحيانا تتسع الهوة بشكل أكبر، فتتراجع العلاقة ويتراجع معها العمل، ليصل إلى ما هو أسوأ، ويتحول إلى نزاع قانوني بين من كانوا أصدقاء يوما ما.

من جانبها، قالت لـ”الاقتصادية” الدكتورة لورين روبرت أستاذة علم النفس في جامعة لندن، “إن كثيرا من الأعمال التجارية يتضمن طابعا عائليا أو شراكة بين أصدقاء، إلا أن هذا ينجم عنه أحيانا خلل في التوازن بين العمل والحياة، هذا التوازن أمر ضروري وبالغ الأهمية لنجاح الأعمال، ولعلاقة اجتماعية سواء عائلية أو صداقة سليمة، وليس من الأمور الصحية الحديث عن العمل طوال الوقت”.

وأضافت “من المشكلات الشائعة في الشركات العائلية وشركات الأصدقاء المعارك الشخصية، والرغبة في تعظيم السلطة، ما يصرف الأنظار عن الإنتاجية، ويهدد بإخراج المشروع عن مساره”.

وفي الواقع فإن مشاريع الشراكة بين الأصدقاء لا تنفي أن كل شريك لديه فكرته الخاصة حول كيفية تقدم المشروع، ومع ذلك ولأسباب متعددة، ربما لا تريد أن تخبر شريكك أو صديقك بما تعتقده حقا، لأنك لا ترغب في إيذاء مشاعره، لذلك تبقي أفكارك طي الكتمان لتتركم ويتراكم معها الاستياء، الذي عاجلا أم آجلا سينفجر في وجه تلك الشراكة.

مع هذا يرى الدكتور ال. سيمون أستاذ الاقتصاد الاجتماعي في جامعة أكسفورد، أنه ليس بالضرورة أن يقع كل مشروع بين الأصدقاء أو العائلة في خلافات، فأحيانا يسهل التقارب والتعامل مع أي رؤية متباينة أو متناقضة.

وذكر لـ”الاقتصادية”، أنه “غالبا ما يكون بدء عمل تجاري أو مشروع استثماري مرهقا للغاية، خاصة عندما تكون بمفردك، وعندما يكون شريكك هو صديقك فإن الأوضاع تكون أسهل، نظرا للدعم النفسي الذي يقدمه الطرفان لبعضهما بعضا، خاصة إذا كانت قيم الأصدقاء متشابهة، ما يدعم القرارات المتخذة في العمل، فتقارب الأفكار يوفر الوقت المستنزف في الشرح، بسبب تشارك الرؤية”.

مع هذا لا ينفي الدكتور ال. سيمون، فشل كثير من المشاريع التجارية بين الأصدقاء، وحتى ذات الطابع العائلي، ويرجع ذلك إلى غياب التخطيط المسبق.

ويستدرك قائلا “المشروع الناجح تنطبق عليه قواعد محددة، أيا كانت طبيعة الشركاء، أبرزها التخطيط المسبق، ويجب أن يشمل المشروع استراتيجية لشركاء الأعمال، للخروج وديا من الشركة عند الضرورة، كما يجب أن يتضمن النظر في التبعات القانونية للخلافات، وخطة محددة وواضحة لحماية الأفكار والمساهمات التجارية والملكية الفكرية”.

هذا المنطق يجعل العمل الاستثماري المشترك بين الأصدقاء مثل أي علاقة، نجاحها يتوقف على التوقعات المتوافقة والتواصل الصحي، وبالطبع تحديد واضح لدور كل شخص ومسؤوليته، في ضوء عناصر القوة التي يتمتع بها، وبالطبع نقاط الضعف أيضا.

مع هذا يحذر بعض الخبراء من تصور البعض أن كل الصداقات يمكن أن تتطور لتسفر عن شركات تجارية ناجحة، فمن الضروري اختيار الشخص الذي تعمل معه بعناية، وأهم جزء عند بدء العمل التجاري مع شريك هو التأكد من أن كل شخص لديه التوقعات والقيم نفسها، فالتواصل الصادق وانفتاح الطرفين على بعضهما بعضا شروط أساسية لضمان توافق الجميع.

الا أن شيلي جوزيف الباحثة في مجال تنمية المشاريع، ترى أن الشراكة السليمة بين الأصدقاء لا تعني دائما الاتفاق مع بعضنا بعضا، لكن الأهم لضمان نجاح المشروع أن يتعلم الشركاء فكرة تقديم التنازلات لبعضهما بعضا، وذلك لضمان إطار من الموضوعية التي تضمن تحقيق أفضل أداء للشركة أو المشروع.

وذكرت لـ”الاقتصادية” أن “إيجاد التوازن بين شراكة العمل والصداقة أمر ضروري لضمان نجاح أي مشروع، فلا يجب أن ينسيك عبء العمل علاقة الصداقة التي تربط الشركاء، بحيث يجب أن تكون هناك أحاديث عن جوانب أخرى من الحياة، تتجاوز شراكة العمل، إذ يعني ذلك دعما متبادلا لفهم الخلافات التي قد تحدث بينهم أثناء العمل”.

وتقاسم العمل بشكل مرض للطرفين أحد أحجار الأساس في نجاح المشروع، فشعور أحد الطرفين بالغبن من أن كمية العمل الملقاة على عاتقه أكبر، لا تشعره فقط بالمظلومية، الأكثر خطورة أنها قد تشعره بأنه هو والمشروع باتا كائنا واحدا، وأن نجاح المشروع مرتبط به هو فقط، بمرور الوقت يتنامى هذا الشعور وينعكس على منطق التفكير والسلوك، وتغيب فكرة الشراكة، لتفسح المجال لفكرة صاحب العمل والموظف عند تعامله مع أصدقائه في المشروع أو العمل الاستثماري.

عشرات من الشركات العالمية التي تقدر ميزانيتها بمئات الملايين من الدولارات وربما المليارات كانت نتاج تعاون مخلص بين الأصدقاء، لكن هذا لا يمثل قاعدة عامة، فمئات المشاريع وربما الآلاف منها فشلت، رغم أنها كانت أيضا بين أصدقاء. فالصداقة ليست ضمانا لنجاح المشروع، لكن إذ نجح طرفا الشراكة في وضع قواعد وأسس عملية ومنطقية تتسم بالجدية والتفهم والصراحة والشفافية، فإنها ستكون ضامنا لتقليل التوترات والصراعات في إدارة الأعمال اليومية للمشروع وإنجاحه، وربما أحيانا، وهذا أكثر أهمية للبعض، على الأقل الحفاظ على علاقة الصداقة ذاتها.


Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى