هل أخلت البنوك التونسية بالتزاماتها تجاه الاقتصاد المحلي؟
تواجه المؤسسات الصغرى والمتوسطة في تونس صعوبات للحصول على التمويلات اللازمة لمواصلة نشاطها، إذ يعجز غالبيتها عن الظفر بالتمويل بسبب كلفة الاقتراض المرتفعة، ولم تنجح تدخلات الحكومة والمنظمات المانحة في إيجاد الحلول بتوفير السيولة.
يشار إلى أن البنك الدولي منح تونس قرضاً بقيمة 120 مليون دولار لمساندة الشركات الصغرى والمتوسطة لتحقيق الانتعاش الاقتصادي بمعالجة ما اعتبره القيود على السيولة طويلة الأجل التي تواجهها الشركات التونسية، إذ إن نحو 44 في المئة من المؤسسات تعتبر الحصول على التمويل عقبة رئيسة في طريق مواصلة النشاط.
في غضون ذلك أشار ممثلون عن منظمات تونسية تدافع عن المؤسسات بأصابع الاتهام إلى المؤسسات المالية، إذ يرون أنها أخلت بالتزاماتها التعاقدية مع الدولة التونسية بتمويل الاقتصاد من طريق معاضدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة، إذ تمثل تلك المؤسسات ما يقارب 67 في المئة من النسيج الاقتصادي التونسي.
وكانت الحكومة التونسية قد أقرت حزمة من الإجراءات لتحسين وضعية بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة (حكومي) على المدى القصير في ظل الطلب المتنامي على القروض، لكنها لم تفصح عنها، إذ يواجه البنك صعوبات كبرى ويحتاج إلى إعادة هيكلة في ظل نقص الاعتمادات العمومية وعدم تجديد خطوط تمويل موازنة البنك وفق ما صرح به المدير العام للبنك.
وشكا المدير العام للبنك نبيل زعفران من تعطل برامجه الاستثمارية وضآلة الأرباح المحققة بعد أن استنفد رأس ماله بالكامل. وأضاف زعفران أن “البنك مول منذ تأسيسه سنة 2005 حتى سنة 2022 نحو ألفي مؤسسة باعتمادات إجمالية تقدر بنحو 440 مليون دينار (137.9 مليون دولار)، مستدركاً “لكنه الآن في حاجة إلى توفير الموارد المالية اللازمة حتى يسهم في دفع التنمية عبر زيادة عدد المشاريع التي يمولها ويستجيب لطلبات أصحاب المشاريع الصغرى والمتوسطة، مطالباً بزيادة رأس مال البنك بنحو 100 مليون دينار (31.34 مليون دولار).
2.6 مليار دولار حجم القروض
في تلك الأثناء كشف المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية (حكومي) معاناة الشركات الصغرى والمتوسطة بشكل خاص من نسب الفائدة البنكية المرتفعة وصعوبة النفاذ للتمويل وارتفاع حجم الضمانات المطلوبة من قبل البنوك والتي قدرها بنسبة 251.5 في المئة سنة 2021.
إلى ذلك يحدد القانون البنكي التونسي نسب لضمان القروض، مما يجعل النفاذ إلى التمويل البنكي أحد أبرز العوائق لتطور مناخ الأعمال في البلاد بسبب حجم الضمانات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال المعهد إن نسبة الضمانات المقبولة مقارنة بالقروض الممنوحة لهذه المؤسسات ارتفع من 196.2 في المئة سنة 2013 إلى 252 في المئة سنة 2020 استناداً إلى كشوفات البنوك المحلية، وتناهز القروض الممنوحة لمختلف القطاعات الاقتصادية 8.5 مليار دينار (2.66 مليار دولار).
سياسة إقراض ظالمة
من جهته اتهم رئيس الاتحاد التونسي للمؤسسات الصغرى والمتوسطة خميس عفية، البنوك التونسية بسوء توزيع القروض، إذ تنتهج سياسة إقراض إقصائية وانتقائية مع المؤسسات الصغرى والمتوسطة، مشيراً إلى أن ذلك تسبب في تراجع إسهامها بنحو 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وأضاف أن “تونس تحولت إلى بلد طارد لكفاءاته ومؤسساته الناشئة بسبب القوانين البالية والشروط والضمانات المجحفة من قبل البنوك”، مشيراً إلى أنهم اضطروا إلى مغادرة البلاد على خلفية غياب الحوافز وصعوبة تدشين المشاريع وغياب التمويلات.
ولفت عفية إلى أن “الاقتصاد التونسي يحتاج إلى الاستثمار الخاص والذي بدوره يحتاج إلى قطاع مصرفي عادل يستجيب لحاجات المؤسسات الصغرى والمتوسطة ويرافقها في تطوير وتوسيع نشاطها، مضيفاً أن “القوانين الخاصة بالقطاع البنكي والاستثمار تحتاج إلى التجديد”، واصفاً إياها بـ”البدائية”.
وتابع رئيس الاتحاد التونسي للمؤسسات الصغرى والمتوسطة (هيئة نقابية) أن “الشركات تحتاج أيضاً إلى توفير الحوافز لإنقاذ القطاع من الركود في ارتفاع كلفة الإنتاج وضعف القدرة التنافسية، وهو مما فاقم خسائر الشركات التي يهدد شبح الإفلاس أكثر من 450 ألف منها، معتبراً أنها ضحية الشروط التعجيزية للبنوك التي ترفض إقراضها وتضع نسب ضمانات للقروض غير ملائمة لحجم رؤوس أموال هذه الشركات. ودعا عيفة إلى مراجعة قانون البنوك والمؤسسات المالية بهدف ضمان تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة.
من جانبه قال عضو الهيئة المديرة للمنتدى الاقتصادي والاجتماعي (منظمة مستقلة) منير حسين، إن “القطاع البنكي يمر بفترة صعبة ويرزح تحت وطأة نقص السيولة، وكانت المؤسسات الصغرى ضحية هذا الشح”، مضيفاً أن “عجز موازنة الدولة زاد من حجم هذه الصعوبات بحكم إقدام البنوك على إقراض الخزانة العامة للدولة، بعدما دفعت نسبة الفائدة المغرية المقدمة من قبل الدولة عند طرحها لسندات للاقتراض من المؤسسات المالية المحلية إلى تحويل وظيفة البنوك من ممول للاقتصاد إلى ممول للخزانة”، مشيراً إلى أن الدولة أصبحت منافساً للقطاع الخاص في السوق المالية.
في غضون ذلك ارتفعت فوائد الإقراض إلى ما بين 11 و12 في المئة مدفوعاً بالزيادة في الفائدة الرئيسة من قبل البنك المركزي التونسي في ظل شح السيولة.
واعتبر حسين أن “الفوائد والضمانات المجحفة التي تضعها البنوك لإقراض المؤسسات الصغرى والمتوسطة تعد تخلياً عنها وإخلالاً بالعلاقة التعاقدية مع الدولة التي تفرض عليها تمويل الاقتصاد من طريق معاضدة المؤسسات التونسية وتمنحها امتيازات مقابل ذلك.
وأشار عضو الهيئة المديرة للمنتدى الاقتصادي والاجتماعي إلى أن صغر حجم سوق الاستثمار في تونس مقابل ارتفاع عدد البنوك إلى 23 بنكاً أسهم بدوره في عدم التوازن، إذ تحتاج المؤسسات في حالياً إلى امتيازات سواء فيما يتعلق بمدة سداد القروض أو نسب الفوائض حتى تتمكن من رفع قدراتها التنافسية وضمان استمرارها في السوق والإسهام في التنمية، مطالباً بتدشين بنوك حكومية متخصصة في هذا القطاع لمنافسة للقطاع الخاص.