لأول مرة .. طرح شريحتين مزدوجتين من إصدارات الصكوك السعودية بعائد يتجاوز 5 %
سجلت الصكوك السعودية العشرية مستويات جديدة، بعد أن حصل المستثمرون السعوديون على أعلى عائد يتم تسجيله في تاريخ فئة الصكوك العشرية.
يأتي ذلك بعد أن منحت جهة الإصدار السيادية عائدا يصل إلى 5.3 في المائة، لأول مرة منذ إنشاء برنامج طروحات الصكوك المحلية السيادية في 2017.
وبحسب رصد وحدة التقارير في “الاقتصادية”، بدأ العصر الذهبي لمن يرغب في الحصول على عوائد استثمارية مرتفعة عبر الأوراق المالية الحكومية قبل انخفاض أسعار الفائدة خلال أوائل الربع الرابع من 2023.
ووفقا للرصد، فإن الشريحتين اللتين تمت إعادة فتحهما مع مزاد الصكوك الحكومية ارتفع عائدهما بما يقارب 11 في المائة على أساس شهري.
وأعادت السعودية فتح أحد إصدارات عام 2019 “تم إصداره للمرة الأولى كأجل عشرة أعوام وخمسة أشهر”، لكن بعد إعادة فتح الإصدار في أكتوبر بعائد 5.19 في المائة، فإن المستثمرين الجدد سيتمسكون به لستة أعوام وخمسة أشهر، قبل أن يحين أجل استحقاقه في 2030.
ولأول مرة مع الإصدارات السيادية للسعودية، تم طرح شريحتين مزدوجتين أمام مستثمري الدخل الثابت بعائد تجاوز 5 في المائة، وسط تجاوز فائدة الإقراض بين المصارف السعودية مستويات الـ6 في المائة.
والأغلبية العظمى من الصكوك التي تت إعادة فتحها مع المزادات الشهرية يتم تداولها دون قيمتها الاسمية ويمكن للأفراد شراؤها من السوق الثانوية عبر منصات التداول الإلكترونية. وتأتي تلك العوائد وسط تقلبات حركة آجال الاستحقاق الخاصة بمراجع التسعير الدولارية.
ويتأثر أداء الأوراق المالية المدرجة في سوق الدين المحلية بحركة الفائدة لعوائد سندات الخزانة الأمريكية التي يسترشد بها المستثمرون بحكم ربط العملة بالدولار.
وباعت الرياض في الساعات الماضية، صكوكا بـ3.983 مليار ريال، في مزاد ناجح، بفضل قوة الطلب المحلي المدعوم بفائض سيولة في النظام المالي.
وعلمت “الاقتصادية” أن المستثمرين اشتروا خلال المزاد جميع وحدات الصكوك المطروحة، وهي إعادة فتح لإصدارات سابقة، في علامة على حرص مستثمري أدوات الدخل الثابت على الحصول على جزء من تلك الأوراق المالية ذات الجدارة الائتمانية العالية.
وسجلت عوائد إصدارات صكوك الحكومة السعودية تصاعدا قياسيا ملحوظا، تزامنا مع تحركات الفائدة الخاصة بمراجع التسعير الدولارية.
وتصادف الإصدار السعودي مع تسجيل عوائد سندات الخزانة الأمريكية “لأجل عشرة أعوام” ارتفاعات بمقدار 11.21 في المائة على أساس شهري “تلامس ما يقارب 50 نقطة أساس”.
وجاء الارتفاع لعوائد الإصدار الشهري بسبب الانعكاس النسبي لأثر حركة عوائد سندات الخزانة الأمريكية على الإصدارات الحكومية السعودية، وهذا الأمر طبيعي في ظل ربط العملة.
وتحرص السعودية على توزيع استحقاقات أدوات الدين خلال الأعوام المقبلة بطريقة متزنة، الأمر الذي يعني اختيار عدد معين من الإصدارات التي سبق إصدارها من أجل إعادة فتحها، إذ توجد إصدارات تتداول فوق قيمتها الاسمية إلا أنها قد لا تتوافق مع منهجية توزيع مدفوعات أجل الاستحقاقات.
تلاشي العلاوة
يأتي الإصدار السعودي وعوائده المرتفعة النادرة في الوقت الذي انخفضت فيه العائدات على سندات الأسواق الناشئة بالعملات المحلية إلى ما دون سندات الخزانة الأمريكية.
ومع تواصل الضغوط البيعية على السندات الحكومية الأمريكية خلال الأشهر الماضية، ارتفعت تكاليف الاقتراض في الولايات المتحدة إلى متوسط عائد يبلغ 5 في المائة، بحسب “بلومبيرج”.
لكن في المقابل، لم تكن حركة تكاليف الاقتراض في الأسواق الناشئة مماثلة، ويجري تداولها “ابتداء من شهر اكتوبر” حول المستوى نفسه 5 في المائة، ما يعني تلاشي “علاوة المخاطر” التي جرت العادة أن تكون موجودة لتحفيز المستثمرين على اقتناء هذا النوع من الديون.
ولفترة وجيزة خلال أكتوبر، تم تداول عوائد سندات الخزانة الأمريكية فوق مستويات عوائد الأسواق الناشئة.
وهذا يعني أن المستثمرين لم يعد بمقدورهم الحصول على أي عائد إضافي مقابل الاستثمار في الدول الأكثر خطورة، بل أصبح بمقدورهم -عند مرحلة ما- تحصيل مكافأة صغيرة مقابل إبقاء استثماراتهم في ديون الولايات المتحدة.
منهجية المزاد
منذ يوليو 2018 تم استخدام منهجية المزاد، التي يرى صندوق النقد أنها ستضفي درجة من المرونة على آليات تسعير الإصدارات المحلية الجديدة.
وشهد إصدار يوليو 2018 “الإصدار السابع” تطبيق تلك المنهجية لأول مرة مع أدوات الدين في المملكة، حيث تستخدم السعودية “المزاد الهولندي” وهو المزاد نفسه الذي تستعمله الخزانة الأمريكية عندما تبيع سنداتها.
وبالاستعانة بأحد منتجات “بلومبيرج” الخاصة بالمزاد، تم منح المتعاملين الأوليين “سعر سقف محدد” لا يستطيعون التسعير فوقه، بحيث يكون “التسعير النهائي” على “المستوى نفسه” سقف التسعير أو “دونه”، وتم الطلب من المتعاملين الأوليين أن يقدموا طلبات الاكتتاب الخاصة بهم، وكذلك الخاصة بعملائهم.
وآلية المزاد هذه تختلف عن المنهجية التسعيرية، التي كانت تستخدم في السابق وتدور حول تحديد نطاق تسعيري معين “أي حد أعلى وحد متوسط وآخر أدنى”، والطلب منها التسعير بين هذا النطاق ثم يتم تحديد السعر النهائي من قبل جهة الإصدار.
أثر سندات الخزانة
تزامن الإصدار السعودي مع الفترة نفسها التي تجاوز فيها عائد السندات الأمريكية لأجل عشرة أعوام مستوى 5 في المائة للمرة الأولى في 16 عاما، في ظل زيادة توقعات الأسواق بشأن إبقاء الاحتياطي الفيدرالي على ارتفاع سعر الفائدة لفترة مطولة.
غير أن العائد على الديون “الأمريكية” مستحقة السداد بعد عشرة أعوام ما لبث أن أغلق في يوم الإثنين عند 4.86 في المائة، بعد أن لامس 5.001 في المائة، ليتجاوز نسبة 5 في المائة للمرة الأولى منذ 20 يوليو 2007.
ويعني تجاوز عائد السندات الأمريكية حاجز الـ5 في المائة أنه من الصعب تسعير الصكوك الحكومية دون تلك المستويات بحكم ربط العملة بالدولار.
وأوضح جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في كلمته أمام النادي الاقتصادي في نيويورك الأسبوع الماضي، أن المصرف المركزي سيظل حازما بشأن التزامه بخفض التضخم إلى معدل 2 في المائة بشكل مستدام، وربما توجد حاجة لتباطؤ النمو الاقتصادي لتحقيق ذلك.
ومنذ العام الماضي، تسرب أثر تصاعد عوائد سندات الخزانة الأمريكية إلى تكلفة التمويل للجهات التي تربط عملتها المحلية بالعملة الدولارية، حتى لو كان ذلك التمويل يأتي من السوق المحلية.
وأظهر رصد “الاقتصادية” أنه عند مقارنة شرائح آجال الاستحقاق التي أصدرتها السعودية هذا الشهر بأقرب نظيرتها من سندات الخزانة الأمريكية فإنه يتضح أن الأخيرة قد حققت ارتفاعا قياسيا في عوائدها منذ 2022 مقارنة بنظيرتها للسعودية “التي صعدت هي الأخرى لكن بوتيرة متوسطة”، الأمر الذي يمنح السوق المحلية ميزة تمويلية مقارنة بسوق الدين الدولارية.
الطرح المحلي
ذكرت وزارة المالية في بيان أن المركز الوطني لإدارة الدين قد انتهى من استقبال طلبات المستثمرين على إصداره المحلي لشهر أكتوبر 2023 ضمن برنامج صكوك حكومة السعودية بالريال، حيث تم تحديد إجمالي حجم التخصيص بمبلغ قدره 3.983 مليار ريال.
وبحسب البيان الصادر من المركز، قسمت الإصدارات إلى شريحتين، بلغ حجم الأولى 2.213 مليار ريال لصكوك تستحق في عام 2030، وبلغت الشريحة الثانية 1.771 مليار ريال لصكوك تستحق في عام 2033.
استحقاقات 2023
يحل في عام 2023 استحقاق لديون تقارب 108 مليارات ريال من الديون المحلية والدولية، حيث نجحت السعودية من إتمام عمليتي شراء مبكرتين محلية ودولية في عام 2022 لسداد جزء من مستحقات أصل الدين في عام 2023، بقيمة تجاوزت 15 مليار ريال وإصدار صكوك محلية وسندات دولية مقابلها، ما أدى إلى انخفاض إجمالي مستحقات أصل الدين لعام 2023 إلى ما يقارب 93 مليار ريال.
وقامت السعودية خلال عام 2022 بعمليات تمويلية استباقية بما يقارب 48 مليار ريال، لتأمين وخفض جزء من الاحتياجات التمويلية لعام 2023، واغتنام الفرص لإدارة مخاطر ارتفاع أسعار الفائدة ومخاطر إعادة التمويل.
واستندت تحليلات “الاقتصادية” الخاصة بمواعيد آجال الاستحقاق إلى البيانات التي حصلت عليها من منصة “فاكتست” للخدمات المالية.
ولدى “فاكتست” واحدة من أشهر منصات التحليلات المالية التي يستعين بها المجتمع الاستثماري العالمي من أجل تقييم الأوراق المالية وبناء القرار الاستثماري.
مشاركة الأفراد
من المنتظر أن يدعم إصدار الشهر الحالي مخزون الصكوك المتوافرة لاستثمارات الأفراد في السوق الثانوية.
وجاء قرار تفعيل تخفيض القيمة الاسمية للصكوك الحكومية المدرجة لتكون في متناول الأفراد، ابتداء من يونيو 2019 ليعني أن السعودية قد فتحت المجال أمام مواطنيها للمشاركة في دعم المشاريع التنموية في البلاد، في خطوة تقدمية تتماشى مع كثير من الدول حول العالم، التي تتبع هذا النهج.
وأسهمت الإصلاحات الاقتصادية، التي عمت أسواق الدخل الثابت في المملكة في جعل مسألة استثمار الأفراد في الصكوك أمرا ممكنا بعد أن تم تخفيض القيمة الاسمية للصك إلى ألف ريال مقارنة بمليون ريال سابقا.
الاقتراض المحلي والدولي
في أوائل العام الحالي، اعتمدت السعودية خطة الاقتراض السنوية لـ2023، بعد أن صادق عليها مجلس إدارة المركز الوطني لإدارة الدين.
وتضمنت الخطة أبرز تطورات الدين العام ومبادرات أسواق الدين 2022، وخطة التمويل في 2023 ومبادئها التوجيهية، إضافة إلى تقويم 2023 لإصدارات الصكوك ضمن برنامج صكوك المملكة المحلية بالريال السعودي.
كما تضمنت الخطة توقعات بأن تشكل الاحتياجات التمويلية لـ2023 ما يقارب 45 مليار ريال، نظرا لخفض جزء من إجمالي الاحتياجات التمويلية لـ2023، عبر عمليات تمويلية استباقية تمت خلال 2022 بما يقارب 48 مليار ريال.
وعلى الرغم من توقعات تحقيق فوائض في الميزانية خلال 2023، إلا أن المملكة تهدف إلى الاستمرار في عمليات التمويل المحلية والدولية بهدف سداد أصل الدين المستحق خلال العام 2023 على المدى المتوسط، واغتنام الفرص المتاحة حسب أوضاع السوق لتنفيذ عمليات تمويلية إضافية بشكل استباقي لسداد مستحقات أصل الدين للأعوام المقبلة.
ذلك علاوة على تمويل بعض المشاريع الاستراتيجية، إضافة إلى استغلال فرص الأسواق لتنفيذ عمليات التمويل الحكومي البديل التي من شأنها تعزيز النمو الاقتصادي مثل تمويل المشاريع الرأسمالية والبنية التحتية.
كما سيواصل المركز الوطني لإدارة الدين مراقبته الأسواق المحلية والدولية، لاغتنام فرصة إمكانية الدخول في عمليات تمويلية إضافية استباقية حسب أوضاع السوق، وبهدف تعزيز وجود المملكة في أسواق الدين وتعزيز خصائص محفظة الدين، مع الأخذ في الحسبان حركة الأسواق وإدارة المخاطر في محفظة الدين الحكومي.
وحدة التقارير الاقتصادية
Source link