السياحة في العالم .. الإيرادات وأكبر الدول والسعودية تطور 10 وجهات
ظهر المفهوم الحديث للسياحة في القرن الـ17 حين أخذت طبقة النبلاء في المجتمع الأوروبي التجول في أنحاء أوروبا، بغرض اكتشاف الفنون والثقافة والتاريخ، ومع دخول القرن الـ18 بدأت طبقة الأثرياء في اعتياد هذه العادة، وتوجهت الرحلات بشكل مكثف إلى القارات الجديدة من بينها الأمريكتين، وحينها انطلقت أول وكالة للسفر باسم “كوكس آند كينجس” عام 1758.
كان للثورة الصناعية التكنولوجية، المتمثلة في إنشاء السكك الحديدية وصناعة الطائرات والسيارات والحافلات وتشييد الطرق، دور كبير في دعم السياحة، فبدأت وكالات السفر في الانتشار وتقديم باقات السفر التي تشمل النقل والإقامة والطعام للأفراد والمجموعات.
السياحة تأتي في عدة أشكال
هناك السياحة التقليدية التي ترتبط بفكرة ما أو ثقافة معينة، وتكون رحلة استكشاف أو مغامرة أو لرؤية فعالية فنية أو للترفيه، فأغلب السياح لا يقومون بالسياحة بشكل عشوائي بل دوما يبحثون عن باقات من الأنشطة المتميزة والفريدة التي تقوم على أساسها الرحلة. وهناك سياحة الاستشفاء التي تتمثل في ممارسة الأنشطة البدنية أو الروحية أو النفسية، وتختلف عن السياحة العلاجية التي تكون بغرض البحث عن العلاج في إحدى الدول المتقدمة طبيا وذات التكاليف المتدنية نسبيا. يقدر نصيب السياحة العلاجية من عدد السياح حول العالم بنحو 14 مليون سائح، بقيمة بلغت 54 مليار دولار في 2020.
أما سياحة الولادة أو سياحة الأمومة فهي نوع شاذ من السياحة، يمارس بشكل خاص في السياحة لأمريكا وكندا وبعض الدول الأوروبية، بهدف حصول المولود على جنسية الدولة المطلوبة، ليتمكن من الحصول على فوائد المواطنة وحق التعليم والرعاية الصحية، حيث يقدر أن الولايات المتحدة الأمريكية تسجل ما بين 20 إلى 26 ألف سائح سنويا لهذا الغرض!
السياحة الرياضية تعد من أسرع أنواع السياحة نموا، ويقدر حجمها بين 12 إلى 15 مليون سائح سنويا، بقيمة 588 مليار دولار بمعدل نمو سنوي مركب 17.5 في المائة، وتسيطر سياحة قطاع كرة القدم على نحو 37 في المائة من إجمالي هذه السوق، لذا تستحوذ أوروبا على أكبر حصة من إيرادات السياحة الرياضية بإجمالي 38 في المائة، كون لديها أفضل البطولات العالمية لكرة القدم.
أكبر الدول السياحية في العالم
تشكل السياحة نحو 5.8 تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي نحو 6.1 في المائة من حجم الاقتصاد العالمي، وتمثل السياحة الترفيهية من ذلك نحو 2.9 تريليون دولار، وقد تسببت كارثة كورونا في خسارة 4.9 تريليون دولار نتيجة الإغلاقات التي تضرر منها قطاع السياحة بشدة وتم على إثرها خسارة 62 مليون وظيفة في العام ذاته، ليصبح إجمالي الوظائف المتعلقة بهذا النشاط 271 مليون وظيفة قبل أن تعود إلى 289 مليون وظيفة في 2021، ويشكل ذلك 8.4 في المائة من إجمالي الوظائف العالمية.
بلغت إيرادات السياح المباشرة 637 مليار دولار في 2021، منها 51 في المائة من نصيب أوروبا، وكانت إيرادات النقل من قبل السياح 122 مليار دولار في 2021 مقابل 267 مليارا في 2019. وقد سافر 917 مليون سائح دوليا في 2022 ويعادل ذلك ضعف العدد في 2020 بنحو 409 ملايين سائح، الذي كان أدنى مستوى لعدد السياح منذ 1989.
ومن المتوقع أن يزداد عدد السياح عالميا في 2024 إلى نحو 80 إلى 95 في المائة من مستوياته في 2019 التي بلغت 1.47 مليار سائح، أي أننا نحتاج إلى عدة أعوام للتعافي من الآثار السلبية لأزمة كورونا. أما على مستوى النمو فيأتي أداء القارة الآسيوية والمحيط الهادي الأفضل بنسبة نمو 240 في المائة، ولا تزال القارة الأوروبية تحافظ على نصيب الأسد من حصة السياحة العالمية بنسبة 64 في المائة.
حظيت فرنسا في 2021 بأكبر عدد من السياح على مستوى العالم بإجمالي 48.4 مليون سائح، إلا أن ذلك يشكل فقط 53 في المائة من مستويات 2019 بالنسبة إلى فرنسا، وكان عدد السياح الدوليين في 2021 نحو 20 مليون زائر دولي.
هناك جاذبية تاريخية لفرنسا التي عرفت بقوة قطاع السياحة لديها، إلا أنه بقسمة إجمالي إيرادات فرنسا من السياحة في 2021 على إجمالي عدد السياح نجد أن متوسط الإيرادات من الفرد الواحد فقط 843 دولارا، وذلك أقل من المتوسط العالمي البالغ 1401 دولار خلال العام ذاته.
تنشط السياحة في شهري يوليو وأغسطس من العام حيث يزداد عدد السياح على المستوى العالمي، ففي عام 2019 استحوذ هذان الشهران على 22.2 في المائة من إجمالي عدد السياح، وارتفعت هذه النسبة إلى 25.5 في المائة خلال العام الماضي، في حين إن شهري يناير وفبراير هما أدنى شهرين في حركة السياح حيث بلغت النسبة 7.7 في المائة من إجمالي زوار عام 2022، مقارنة بنسبة 12.1 في المائة خلال 2019.
الدول العربية كوجهات سياحية عالمية
تتمتع الدول العربية بموقع استراتيجي وتنوعات تاريخية وثقافية وجغرافية فريدة، حيث تقع الدول العربية بين قارتي آسيا وإفريقيا، ولها إطلالات متنوعة على المحيطين الأطلسي والهندي والبحرين المتوسط والأحمر، وهي مهد الحضارات، من الفرعونية وسبأ وبلاد الرافدين، إلى الحضارات السومرية والبابلية والآشورية وغيرها. ويوجد في المناطق العربية نحو 90 معلما سياحيا فريدا مسجلة في قائمة التراث العالمي لليونيسكو.
كذلك تتميز المنطقة العربية بالمعالم الإسلامية، وفيها أفضل وأهم ثلاثة أماكن يشد المسلمون إليها رحالهم، بداية من الكعبة المشرفة في مكة المكرمة مرورا بالمسجد النبوي الشريف، ومن ثم المسجد الأقصى، وغيرها من المعالم للديانات الأخرى، كجبل موسى والكنيسة المعلقة وكنيسة القيامة.
السياحة في المملكة العربية السعودية
لدى المملكة منظومة متكاملة للسياحة تتمثل في عدة كيانات رئيسة تقوم بالأدوار التنظيمية والتسويقية والتمويلية، أولها وزارة السياحة المنوط بها سن القوانين والأنظمة وإصدار التراخيص وجذب الاستثمارات، والثانية هي الهيئة السعودية للسياحة المنوط بها الترويج للسياحة في المملكة محليا وعالميا وتهيئة الواقع السياحي من منتجات وخدمات ليتناسب مع رغبات السياح وتطلعاتهم. الكيان الثالث في منظومة السياحة في المملكة هو صندوق التنمية السياحي وهو المسؤول عن الدعم التمويلي والاستثماري سواء للمناطق أو المنشآت والأنشطة المتعلقة بالسياحة، في حين إن مجلس التنمية السياحي ومجالس التنمية السياحية في المناطق مسؤولة عن تحقيق المواءمة بين توجهات تطوير الوجهة في كل منطقة والاستراتيجية العامة لتنمية السياحة الوطنية والتنسيق بين الوزارات والهيئات في ذلك.
قدمت المملكة في الأعوام القليلة الماضية عددا من التسهيلات السياحية، فمع الربع الأخير من 2019 بدأت المملكة في استقبال الزوار والسياح بتأشيرة دخول صالحة لمدة عام كامل، ويعني ذلك قدرة السائح على البقاء داخل المملكة لفترة 90 يوما متواصلة، وأطلقت منذ أشهر قليلة تأشيرة مرور جديدة يمكن من خلالها التوقف في المملكة لمدة 96 ساعة بمجرد إضافة محطة توقف في أحد مطارات المملكة، قبل وصول السائح إلى محطته النهائية. هذه التأشيرة تصدر بشكل مجاني وبوقت يصل إلى 90 يوما قبل الرحلة من خلال المنصات الإلكترونية، ويؤدي ذلك إلى تسهيل زيارة المملكة وخفض كثير من التكاليف والإجراءات على السياح.
في الجانب التنظيمي تم كذلك إصدار عشر لوائح جديدة تتوافق مع السيناريو المستهدف للمرحلة المقبلة لتعظيم دور السياحة في الاقتصاد، تضمنت الأنشطة السياحية من خدمات السفر وإدارة المرافق والإرشاد السياحي، مرورا بالجودة والمراقبة، وأخيرا التمكين والتفعيل للقطاع السياحي وتطوير الوجهات السياحية، هذه اللوائح ستدفع سوق السياحة السعودية إلى تعزيز التعاون مع القطاع الخاص والتوظيف.
تستهدف أيضا استراتيجية المملكة تطوير عشر وجهات سياحية رئيسة في مختلف مجالات القطاع السياحي، تشمل منطقة الرياض والمنطقة الشرقية، ومناطق الجوف والعلا وحائل والمدينة المنورة والطائف والباحة وعسير.
صندوق التنمية السياحي
من الناحية الإجرائية والتنظيمية يقدم صندوق التنمية السياحي من خلال مركز نمو دورات تدريبية للمنشآت السياحية الصغيرة والمتوسطة تصل إلى 12 أسبوعا، تشمل رعاية المواهب والمبتكرين ومساعدة رواد الأعمال على إقامة شركات ناجحة، وذلك من خلال الربط المؤسسي مع الشركات والمؤسسات والكيانات المحلية والعالمية.
من الناحية الاستثمارية، قدم الصندوق السياحي حلولا لدعم القطاع الخاص، بينها قروض الاستثمار سواء بتملك حصص في المشاريع السياحية أو تقديم الضمانات للبعض الآخر، وتوفير الاحتياجات كالأراضي. كذلك سهلت المملكة عملية التمويل من خلال فتح حساب إلكتروني خلال عشر دقائق وإصدار موافقة مبدئية للتمويل خلال 48 ساعة بقيمة تمويلية تراوح ما بين 50 ألف ريال كحد أدنى وثلاثة ملايين ريال كحد أقصى، وفترة سداد تصل إلى خمسة أعوام وسماح ستة أشهر، هناك أيضا برنامج “عون” السياحة للضيافة، لدعم منشآت السياحة الصغيرة ومتناهية الصغر بمخصصات تصل إلى عشرة ملايين ريال وفترة سداد تمتد إلى عشرة أعوام.
وقع الصندوق أيضا عشرات الاتفاقيات المحلية والعالمية على مدار العامين الماضيين، من ضمنها على سبيل المثال الشراكة مع شركة الأمين المميزة في مشروع سياحي على مساحة 100 ألف متر مربع في الطائف باستثمارات تتجاوز 300 مليون ريال، واتفاقية تأسيس صندوق ملكية خاصة مع شركة دراية المالية للوساطة والاستثمار بقيمة 100 مليون ريال للاستثمار في شركات السياحة المتوسطة والصغيرة، إلى جانب مذكرة تفاهم مع “إنيسمور” التي تمتلك 87 منشأة عاملة و141 فندقا قيد التطوير عالميا، حيث نصت المذكرة على إطلاق صندوق استثماري بقيمة 1.5 مليار ريال لتطوير 12 فندقا في المملكة وتوفير ثلاثة آلاف وظيفة.
كما وقع الصندوق اتفاقية مع بنك الرياض لتمويل مشروع ملتقى مدينة المعرفة في المدينة المنورة بأكثر من 1.3 مليار ريال على مساحة 68 ألف متر مربع، ومذكرات تفاهم بشأن مشروع الطائف السياحي لضم منتجع وفندق عالمي بمساحة إجمالية 165 ألف متر مربع في منطقة الهدا، وتطوير جزيرة النورس في جدة، واتفاقية مع شركة عنوان الجنوب للخدمات العقارية لإنشاء مشروع منتجع الأرين أرجان على مساحة 12.3 ألف متر مربع، ومشروع آخر في أبها بتكلفة تزيد على 950 مليون ريال.
كذلك هناك مذكرة تفاهم لتطوير منتجع سياحي على شاطئ نصف القمر في المنطقة الشرقية على مساحة 262 ألف متر مربع يتضمن 440 وحدة فندقية و41 فيلا إضافة إلى الأماكن الخدمية، ومذكرة تفاهم لتطوير ثلاث وجهات سياحية مع مجموعة فنادق ومنتجعات “ميليا” العالمية، بأكثر من مليار ريال في الرياض وجدة والمنطقة الشرقية.
الجوانب التسويقية والترويجية
تقيم المملكة ملتقيات وفعاليات سياحية منها ملتقى السياحة السعودي الذي تم خلال مارس الماضي، وجمع أكثر من 350 جهة مختصة بالسياحة السعودية، كذلك كانت هناك القمة العالمية للمجلس العالمي للسفر والسياحة الذي عقد في الرياض خلال نوفمبر الماضي وشارك فيه ثمانية آلاف مشارك و250 رئيسا تنفيذيا لكبرى شركات السفر والسياحة العالمية. كما أطلق عدد من صناع المحتوى السعودي سلسلة من الفيديوهات للترويج للسياحة في المملكة بالتعاون مع شركة جوجل لاستعراض الجوانب الفنية والثقافية والتاريخية وغيرها داخل المملكة.
تقوم أيضا الهيئة السعودية للسياحة بدورها الترويجي من خلال زيارات الدول المختلفة، كاللقاء الذي تم في أكتوبر الماضي في مصر بمشاركة 35 هيئة وشركة ووكالة وفندقا، إضافة إلى جولاتها في دول الخليج التي من بينها دبي.
من جهة أخرى تروج المملكة لنفسها عن طريق الأحداث الرياضية العالمية المختلفة التي أقيمت على أرضها، مثل بطولة داكار الأضخم للمحركات، ومسابقة فورمولا 1، وسباق “إكستريم”، واستضافتها عددا من المناسبات الكبرى، منها كأسي السوبر الإسباني والإيطالي، وبطولات رفع الأثقال وكرة اليد الآسيوية، وطواف السعودية، وكأس العالم للأندية 2023.
نتائج تطور السياحة في المملكة
يوظف قطاع السياحة 763 ألف شخص، ما يعادل 5.2 في المائة من إجمالي عدد العاملين في المملكة، من بينهم 26 في المائة مواطنون سعوديون، في حين بلغ عدد رخص السجلات التجارية في قطاع السياحة 7148 خلال عام 2021، حيث شهدت المملكة ارتفاعا في الرخص بنسبة 260 في المائة خلال ستة أعوام بدءا من 2015. من جهة أخرى تستهدف المملكة 100 مليون سائح بحلول عام 2030، وتوفير مليون فرصة عمل أخرى، ورفع مساهمة قطاع السياحة إلى 10 في المائة من الناتج المحلي.
بلغ عدد السياح المحليين في المملكة خلال 2021 نحو 64 مليون سائح بنمو 34 في المائة مقارنة بعام 2019، أنفق هؤلاء السياح نحو 22 مليار دولار بنمو 32 في المائة مقارنة بعام 2019، وارتفع مستوى الإشغال بنسبة 53 في المائة، من هؤلاء يمثل السياح المحليون نحو 95 في المائة من إجمالي السياح.
لم تعد المملكة وجهة للرحلات الدينية فقط بل أصبحت كذلك وجهة قاصدي الترفيه، حيث ارتفعت نسبة السياحة الترفيهية إلى 49 في المائة مقابل 33 في المائة سياحة زيارات أقارب وأصدقاء ونحو 12 في المائة سياحة دينية.
فرص وتحديات السياحة في المملكة
على وجه الخصوص تتمتع المملكة بكونها القبلة الأولى للمسلمين حول العالم، ما يعني قدرتها على اقتطاع أكبر حصة من السياحة الدينية التي تقدر بنحو 300 مليون سائح في الشرق الأوسط، ويتمتع غرب المملكة بساحل البحر الأحمر الذي يستهدف نحو 2.5 مليون سائح سنويا من أصحاب الثروات العالية في العالم. كما أن المملكة تتمتع بتراث ثقافي كبير يمكن استغلاله، كمدينة العلا موطن أول موقع تراث عالمي لليونيسكو في المملكة، والمنطقة الشمالية الغربية التي لديها أصول تاريخية وثقافية مثل مدائن صالح.
لدى المملكة موارد كبيرة يمكن استغلالها من خلال الصناديق الاستثمارية في تنمية القطاع السياحي بمليارات الدولارات السنوية، وهي ميزة تنافسية لا توجد في عديد من الدول حول العالم رغم توافر عوامل جذب فيها. المساحة الكبيرة للمملكة أيضا وإمكانية التطوير للأراضي بجانب المواقع التراثية من أجل المرافق السياحية من نقاط القوة أيضا.
أما من بين نقاط الضعف التي حددتها الهيئة العامة للسياحة، التي تحاول المملكة تفاديها خلال الأعوام المقبلة، برزت محدودية المنتجات السياحية وموسمية الأنشطة السياحية، والتنافسية المرتفعة التي تقع فيها المملكة بين الإمارات ومصر، وهما من المراكز القوية في جذب السياحة، والافتقار إلى وجهات السياحة المتكاملة، ونقص الوعي الوطني تجاه السياحة، وأهمية التوظيف والمهن في هذا القطاع، وكذلك من بين التحديات الأخرى التي أظهرها مركز الاستطلاع الوطني غلاء أسعار بعض المناطق السياحية الداخلية.
Source link