عالمي

لماذا تتعقد مفاوضات التجارة بين أميركا وأوروبا عكس بريطانيا؟

يسعى الاتحاد الأوروبي إلى التوصل لاتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، على غرار ذلك الذي أعلنه الرئيس دونالد ترمب مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر هذا الأسبوع، وهو اتفاق لا يرقى إلى اتفاق تجارة شاملة بين واشنطن وبروكسل، لكنه يمكن أن يكسر الجمود الحالي في المفاوضات التجارية بين الجانبين.

وكان ترمب غادر اجتماع “مجموعة الـسبع” مطلع الأسبوع على عجل، لكنه أعلن عن الاتفاق مع بريطانيا مع ستارمر وقتها.

ويواصل الرئيس الأميركي انتقاد الاتحاد الأوروبي ويهدد بأنه سيبعث برسائل لكل من لم يتوصل إلى اتفاق تجاري معه بعد، ينذر فيها بفرض التعريفة الجمركية التي أعلن عنها من قبل مع احتمال مضاعفتها.

وخلال ندوة نظمتها صحيفة “فايننشال تايمز” في برلين أمس الخميس، قال مايكل كلاوس، أحد مستشاري المستشار الألماني فريدريك ميرتس، إنه بدلاً من التوصل إلى اتفاق شامل بحلول التاسع من يوليو (تموز) المقبل، فإنه يتوقع “إعلاناً مفاده بأنه قياساً على نموذج الاتفاق الأميركي- البريطاني”.

وعن موقف المفوضية الأوروبية قال كلاوس “أولاً يريدون (المفوضية الأوروبية) أن يروا إذا كان هناك إمكان لخفض التعريفة المتبادلة عن نسبة 10 في المئة، حتى يمكن الانتقال إلى التعريفات الأخرى، التعريفة لكل قطاع”.

مفاوضات صعبة

ويرى محللون ومعلقون أن الحديث في بروكسل عن إجراءات انتقامية بفرض تعريفة جمركية إذا لم يلغِ ترمب الرسوم والتعريفة عن الدول الأوروبية تراجع تماماً، إذ تخشى المفوضية من انقسام بين دول الاتحاد الأوروبي الـ27، فمقابل دول مثل فرنسا ترى ضرورة اتخاذ إجراءات مضادة للتعريفة الجمركية إذا فرضت، تفضل دول مثل إيطاليا والمجر عدم الرد المماثل على واشنطن ومواصلة التفاوض.

واتهم ترمب بعض المفاوضين مع بلاده بأنهم “يصعبون الأمر”، مشيراً إلى اليابان وأوروبا، وهدد بأنه إذا لم يتنازل الأوروبيون للتوصل إلى اتفاق، فسيرفع التعريفة الجمركية على الاتحاد الأوروبي إلى 50 في المئة.

ويرى كلاوس أن القبول بنسبة تعريفة جمركية عند 10 في المئة كما فعلت بريطانيا مع خفض التعريفة الجمركية في قطاعات مثل الصلب والسيارات ممكن.

وترغب أوروبا في أن يمتد خفض التعريفة “القطاعية” إلى ما هو أبعد من الصلب والسيارات، تحديداً إلى قطاعات الأدوية والمستحضرات الطبية وأشباه الموصلات.

ويتولى المفوض التجاري الأوروبي ماروس سيفكوفيتش مسألة التعريفة الجمركية على القطاعات مع وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك، بينما يتفاوض مسؤولو التجارة في المفوضية مع مكتب الممثل التجاري الأميركي حول التعريفات الجمركية الأخرى.

وخففت الولايات المتحدة موقفها في المفاوضات، فلم تعُد تطالب دول الاتحاد الأوروبي بإلغاء ضريبة القيمة المضافة، لكن واشنطن تريد من بروكسل التخلي عن الضريبة الوطنية على الخدمات الرقمية، كما تريد من أوروبا إلغاء “الرسوم غير التعريفة الجمركية” مثل فرض سقف للبرامج التلفزيونية المنتجة محلياً والحظر الأوروبي على بعض الأغذية الأميركية مثل الدجاج المغسول بالكلورين.

وللتوصل إلى الاتفاق الأخير مع الولايات المتحدة، وافقت بريطانيا على إلغاء التعريفة الجمركية على الإيثانول ولحوم البقر الأميركية، أما المفوضية الأوروبية فتعرض على الأميركيين زيادة الواردات الأوروبية من الغاز الطبيعي المسال ومن الأسلحة الأميركية.

لماذا التعقيد مع أوروبا

هناك أسباب عدة تجعل المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة صعبة جداً، ليس فقط لأن ترمب ينتقد أوروبا بشدة معتبراً أن الاتحاد الأوروبي “تكوّن للنيل من أميركا”، أو أنه مثلاً كما يقول يخفف التعريفة الجمركية على بريطانيا “فأنا أحب بريطانيا”، إذ يتجاوز الأمر مسألة الحب والبغض ومزاج الرئيس.

حتى قياساً بحجم العجز التجاري الأميركي مع شركائها، لا يبدو الفائض للاتحاد الأوروبي كبيراً قياساً إلى حجم التجارة، لكنه يظل أكثر ازعاجاً لواشنطن، فمقابل فائض تجاري لبريطانيا في تجارتها مع أميركا بحدود 77 مليار جنيه استرليني (103 مليارات دولار)، يبلغ الفائض التجاري لأوروبا في تجارتها مع الولايات المتحدة 198 مليار يورو (227 مليار دولار).

ووصل حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة العام الماضي 2024 إلى نحو 1.68 تريليون يورو (1.93 تريليون دولار)، ومع ذلك يظل الفائض التجاري الأوروبي أقل بكثير من الفائض التجاري للصين في تجارتها مع أميركا الذي يقدر بنحو 300 مليار دولار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما حكومة “العمال” البريطانية بقيادة كير ستارمر، فكانت مرنة تماماً خلال مفاوضاتها مع واشنطن للتوصل إلى أي اتفاق ولو كان جزئياً لا يصل إلى اتفاق تجارة شامل. ففضلاً عن أن ذلك يعطي دفعة داخلية للحكومة في مواجهة صعوبات كثيرة، فإنه يمثل أيضاً ثمرة مهمة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) عام 2020، إذ أصبحت المملكة متحررة من كثير من القيود الأوروبية المشددة المتعلقة بسلامة الغذاء والدواء وغيرها من شروط الاستيراد.

أما الصين مثلاً، فإنها لا تستطيع المجازفة بخسارة السوق الأميركية الهائلة لصادراتها، بالتالي يمكن أن تقدم تنازلات في أية مفاوضات، واختارت بكين التوصل إلى تفاهمات مرحلية للحد من الحرب التجارية بينها وواشنطن حتى يصبح من الممكن أن تسفر المفاوضات عن اتفاق تجاري موسع.

القواعد والضرائب

بدا واضحاً منذ علق ترمب التعريفة الجمركية المتبادلة التي أعلنها مطلع أبريل (نيسان) الماضي لمدة ثلاثة أشهر بعد أسبوع من الكشف عن أن الاتحاد الأوروبي يأتي في ذيل قائمة من يتفاوضون مع واشنطن للتوصل إلى اتفاق يجنبهم مزيداً من التعريفة الجمركية.

ويرجع ذلك أساساً ليس إلى أن الاتحاد الأوروبي يضم عدداً كبيراً من الدول التي تتباين في موقفها من التجارة مع أميركا، وإنما لأن القوانين والقواعد التي تعتمدها المفوضية الأوروبية في ما يتعلق بالتصدير والاستيراد مشددة ولا تسمح بالمرونة.

وخلال مقابلة مع شبكة “سي أن بي سي” الأميركية، قال ألبرتو ريزي من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن “إدارة ترمب تسعى إلى استغلال المفاوضات التجارية كي تجعل الاتحاد الأوروبي يخضع ويقلل من لوائحه وقواعده المنظمة للتجارة”، مستدركاً “لكن بالنسبة إلى الأوروبيين، فإن التدخل في القواعد والتنظيمات المحلية، بخاصة للقطاع الرقمي غير مقبول لأنه يتعارض مع التزام مكافحة التضليل المعلوماتي وخطاب الكراهية”.

ولا يقتصر الأمر على القوانين المتعلقة بالقطاع الرقمي والتكنولوجيا عموماً، إنما ينسحب أيضاً على تجارة الأدوية والمستحضرات الطبية والأغذية والمنتجات الزراعية وغيرها، فشروط السلامة والضمانات الصحية الأوروبية عالية جداً ومشددة بما لا يسمح بالمرونة في تسهيل استيراد أية منتجات لا تطابق تلك المعايير والمواصفات التي تضعها المفوضية الأوروبية.

والأمر الثاني الذي يمثل معضلة في أية مفاوضات تجارية بين واشنطن وبروكسل هو الضرائب، وكما يقول ريزي فإن “ضريبة القيمة المضافة في الاتحاد الأوروبي تحصل على البضائع المحلية والأجنبية بالقدر ذاته”. ويعتبر الأوروبيون مسألة الضرائب قضية داخلية تماماً لا يجوز أن تكون مطروحة ضمن أية مفاوضات تجارية”، لذا تخلت واشنطن عن المطالبة بإلغاء ضريبة القيمة المضافة الأوروبية لأن “الضرائب خط أحمر بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي في أية محادثات تجارة”، بحسب ريزي.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى