هل أثرت الحرب على تسعير الذهب في مصر؟
تلقت أسعار الذهب في مصر صعوداً مفاجئاً، بدعم من إجراءات البنوك بوقف بطاقات الخصم المباشر للعملاء خارج البلاد، وهو ما عزز الاعتقاد بتعمق أزمة البلاد من النقد الأجنبي، وانعكست على السوق السوداء الموازية بارتفاع سعر الدولار لمستوى يتجاوز 43 جنيهاً للدولار الواحد، مقابل 30.85 جنيه للعملة الأميركية رسمياً في القطاع المصرفي خلال أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، وغيرت من معادلة تسعير المعدن محلياً بالجنيه، في وقت شكلت التوترات الجيوسياسية بعد اندلاع الحرب في غزة، سبباً آخر لارتفاع سعره عالمياً.
صعد غرام الذهب في مصر بنسبة ثمانية في المئة في ختام تعاملات الأسبوع المنتهي أول من أمس السبت، بإجمال 175 جنيهاً (5.67 دولار)، إذ افتتحت التعاملات في سبت الأسبوع الماضي بسعر 2185 جنيهاً (70.76 دولار) للغرام عيار 21، تزامناً مع هجوم شنته حركة “حماس” على قواعد عسكرية ومستوطنات في غلاف غزة، وارتفع المعدن إلى مستوى 2420 جنيهاً (78.37 دولار) الجمعة، قبل أن يتراجع قليلاً أول من أمس السبت إلى مستوى 2360 جنيهاً (76.42 دولار)، على وقع قرارات البنوك منتصف الأسبوع الماضي، وارتفاع سعر الأوقية (الأونصة) عالمياً بـ101 دولار إلى مستوى 1933 دولاراً.
عاملان وراء الارتفاع
وتحدث تجار ومتخصصون لـ”اندبندنت عربية”، عن أسباب ارتفاع سعر الذهب في مصر، وقالوا إن الأسعار مرشحة للبقاء مرتفعة الفترة المقبلة، ووجدوا ما يحفز هذا الصعود في عوامل محلية داخلية تتعلق بسعر الصرف ونشاط السوق السوداء للدولار، إضافة إلى التوترات الجيوسياسية التي أوجدتها الحرب في غزة منذ بداية الأسبوع الماضي.
ويرى المدير في إحدى منصات تداول الذهب والمجوهرات عبر الإنترنت، سعيد إمبابي، أن الحرب في غزة تعزز حالة الضبابية وانعدام اليقين الاقتصادي في الأسواق، ويلفت إلى أن الصراع ألقى بظلاله بمزيد من الشكوك حيال الاقتصاد، وسط توقعات بمواصلة ارتفاع أسعار الذهب.
وارتفعت أسعار الذهب في الصاغة المصرية، أول من أمس السبت، بقيمة 25 جنيهاً (0.81 دولار) في الغرام، إذ سجل سعر الغرام عيار 21 في بداية التعاملات مستوى 2335 جنيهاً (75.61 دولار) واختتم العيار الأكثر شعبية في البلاد عند مستوى 2360 جنيهاً (76.42 دولار) على رغم العطلة الأسبوعية للبورصة العالمية، ما يؤشر إلى عوامل محلية وراء ارتفاع سعر المعدن النفيس.
الذهب ملاذ آمن
لا يبدو أن سعيد إمبابي، مندهشاً من ارتفاع سعر المعدن الأصفر في السوق المصرية، إذ يرى أن استجابة الغرام في البلاد للحرب الدائرة في المنطقة أمر طبيعي، الأمر الذي يدفع بدوره المستثمرين نحو التحوط بالمعدن المعروف تاريخياً ملاذاً آمناً في فترات الضبابية الاقتصادية، متوقعاً مواصلة ارتفاع أسعار الذهب في البورصة العالمية، طالما استمرت التوترات الجيوسياسية تلقي بظلالها على الأسواق.
ولفت المدير في منصة بيع الذهب عبر الإنترنت في مصر، إلى عامل محلي حفز صعود المعدن، وقال إن ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء للنقد الأجنبي، على خلفية قرارات البنوك القاضية بوقف التعامل ببطاقات الخصم المباشر في الخارج، أسهمت في ارتفاع أسعار الغرام، مشيراً إلى ارتفاع سعر المعدن التحوطي في السوق إلى 43.32 جنيه (1.40 دولار رسمياً) من مستوى 40 جنيهاً في المتوسط سابقاً.
وجاءت قرارات البنوك بوقف التعاملات ببطاقات الخصم المباشر على خلفية الاعتقاد بأن متعاملين أساءوا استغلال تلك البطاقات باستنزاف النقد الأجنبي عبر عمليات السحب من خارج البلاد، في وقت عانت البلاد من ضعف في إيرادات النقد الأجنبي منذ خروج 20 مليار دولار من الأموال الساخنة نتيجة التشديد النقدي الذي مارسته البنوك المركزية وفي مقدمتها بنك الاحتياط الفيدرالي بنهاية عام 2021.
الطلب محرك رئيس للأسعار
ومن المرجح أن تستقبل سوق الصاغة في مصر مزيداً من الارتفاعات، فارتفاع سعر الغرام عادة ما يصاحبه إقبال على الشراء، وفق ما يقول تاجر المشغولات الذهبية، محمود الشرقاوي، لـ”اندبندنت عربية”، وهو ما من شأنه أن يعزز الطلب وخلق حالة من الزخم النفسي لمواصلة الشراء تحوطاً لحفظ القيمة.
ويلفت الشرقاوي، إلى الطلب كمحرك رئيس للأسعار في البلاد، ويقول إن أية اختلالات على جانبي العرض أو الطلب تؤثر بقوة في سعر الغرام محلياً، ويشير في ذلك إلى فورة الارتفاعات التي شهدتها السوق المصرية في الربع الأول من العام الجاري، وأيضاً تلك التي سجلتها في الربع الثاني من العام الماضي، بعد اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، ويرى أن بقاء الأسعار مرتفعة في البلاد رهن استقرار سعر الصرف في المقام الأول، إذ لا تعول السوق المحلية على نظيرتها العالمية كمحرك أساس للأسعار في البلاد.
وفي مذكرة بحثية، رأى كبير المحللين في مجلس الذهب العالمي يوهان بالمبرغ أن التوترات الجيوسياسية المرتبطة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني دعمت صعود المعدن النفيس، مدفوعاً بافتقاره إلى أخطار الائتمان والارتباط السلبي بالأصول الخطرة، وباعتباره وسيلة للتحوط من الأزمات، حتى أن اتساع رقعة الأخطار الجيوسياسية تعزز من احتمالات مزيد من صعود الذهب الفترة المقبلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحدث بالمبرغ عن أن أداء الذهب هذا الأسبوع ليس محض صدفة ويمكن أن يعزى بشكل كبير إلى الصراع الدائر، وستعتمد المدة التي سيستمر فيها هذا التأثير في التداعيات الأوسع التي قد يخلفها هذا الصراع على الاقتصاد العالمي، وقال إنه نظراً لتزايد وتيرة الأخطار الجيوسياسية وعدم القدرة على التنبؤ بها، فإن التوقعات تؤشر إلى ارتفاع أسعار الذهب.
وارتفعت مبيعات الذهب في مصر، على وقع التضخم الذي يستنزف القدرات الشرائية للجنيه المصري، وحالة انعدام اليقين الاقتصادي ونشاط السوق السوداء، على خلفية تعويم الجنيه المصري أمام العملة الأميركية منذ مارس (آذار) من العام الماضي، وتراجع السعر من 15.75 جنيه للدولار في نهاية الربع الأول من العام الماضي، إلى متوسط 30.85 جنيه للعملة الأميركية في أكتوبر الجاري، وسجلت مشتريات المصريين من المعدن خلال الربع الثاني من 2023 إلى 17.3 طن مقابل 16.2 طن في الربع السابق و10.7 طن في الربع نفسه من العام الماضي، وفق بيانات مجلس الذهب العالمي مطلع الشهر الماضي.
ويترقب المصريون، قراراً في شأن تعويم الجنيه أمام الدولار للمرة الرابعة، وسط مساع للقاهرة للوفاء باشتراطات صندوق النقد الدولي المتعلقة بمرونة سعر الصرف، في وقت
وفي مقابلة مع “بلومبيرغ” مطلع الشهر الجاري، قالت مديرة “الصندوق” كريستالينا غورغييفا على هامش اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في مراكش، إن مصر مضطرة لتحرير سعر الصرف، لتجنب استنزاف الاحتياطات الأجنبية، وأن “مصر تؤخر أمراً لا مفر منه عبر الامتناع عن القيام (خفض قيمة العملة) بذلك مرة أخرى، وكلما طال الانتظار، أصبح الأمر أسوأ”.
وكان صندوق النقد الدولي وافق، في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار، ضمن برنامج لـ46 شهراً يشمل ثمان مراجعات، في إطار تسهيل الصندوق الممد لمصر، بعد تعرضها لضغوط قوية بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا، وبينما كان من المفترض إجراء المراجعة الأولى في مارس الماضي، إلا أن وزارة المالية المصرية أعلنت اتفاقها مع “الصندوق” على دمج المراجعتين الأولى والثانية في توقيت واحد، يتوقع قبل نهاية العام الحالي.