عالمي

لماذا لن تحقق التعريفة الجمركية أهداف ترمب؟

تنتهي مهلة تأجيل تنفيذ فرض التعريفة الجمركية الأميركية واسعة النطاق “التعريفة المتبادلة” على كل شركاء واشنطن التجاريين خلال شهر يوليو (تموز) المقبل.

ومنذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب مطلع أبريل (نيسان) الماضي تلك التعريفة الجمركية، بعد فرضه تعريفة جمركية إضافية على واردات الصلب والألمنيوم والسيارات وغيرها من الرسوم على دول وكيانات عدة، أصيبت الأسواق بالاضطراب وظهر التأثير السلبي لتلك القرارات في سلاسل التوريد والإمداد حول العالم.

ومع اقتراب موعد تطبيق التعريفة الجمركية تتباين الآراء بين الشركات والصناعات الأميركية في شأن جدوى تلك العقوبات، وترى الغالبية أنها لن تحقق ما يستهدفه الرئيس الأميركي من “إعادة الأعمال إلى الولايات المتحدة” من الخارج.

ونشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تحقيقاً مطولاً، عن الأسباب العملية التي تجعل عودة المصانع من دول مثل الصين وفيتنام والمكسيك وغيرها أمراً في غاية الصعوبة.

ويركز التحقيق على مثال من القلة التي ترى أن فرض التعريفة الجمركية، يمكن أن يساعد الصناعات الأميركية، ليكشف عن أنه حتى ذلك النموذج لن يستطيع توسيع أعماله في أميركا مع فرض التعريفة واضطراب سلاسل الإمداد وتشديد إجراءات منع هجرة العمالة إلى أميركا.

فمن بين كثير من رؤساء الشركات وإدارات المصانع الأميركية، الذين يتشككون في جدوى فرض التعريفة الجمركية ويرون تأثيرها سلبياً في أعمالهم، يرى صاحب شركة “سايتكس” لإنتاج بنطلونات الجينز “سانغيف بال” أن قرارات إدارة ترمب جيدة.

هل لدى أميركا ما يلزم لعودة الصناعات؟

وطرح تحقيق الصحيفة الأميركية سؤالاً أساساً استناداً إلى ما استخلصه من آراء أصحاب الأعمال، وهو هل لدى أميركا ما يلزم لعودة الصناعات؟ والإجابة من معظمهم كانت تدور حول أن الولايات المتحدة تفتقر إلى ذلك، بالتالي لن يحقق فرض التعريفة الجمركية ما تدعيه الإدارة من أنه سيعيد المصانع إلى أميركا مجدداً.

حتى مصنع “سايتكس” في لوس أنجليس الذي ينتج نحو 70 ألف قطعة من الجينز شهرياً لا يكفي لاستمرار شركة “سانغيف بال” في العمل وتحقيق الأرباح.

فالذي يجعل الشركة قادرة على مواصلة العمل هو مصنعها الكبير جنوب فيتنام، الذي ينتج 500 ألف قطعة جينز شهرياً وبكلفة أقل من مصنع لوس أنجليس.

ومع قرارات التعريفة الجمركية يقول بال إنه “ربما لن يكون أمامه سوى بيع إنتاج مصنع الشركة في فيتنام إلى السوق الأوروبية بسبب السياسة الأميركية الجديدة”.

أما بالنسبة إلى بقية الأعمال والصناعات التي استعرضها تحقيق الصحيفة، فإن الهم الأساس لهم هو أن إنشاء مصانع جديدة أو توسيع مصانع قائمة قد يأخذ أعواماً إن لم يكن عقوداً، وبغض النظر عن استثمارات رأس المال المطلوبة لذلك، فإن الولايات المتحدة تفتقر إلى كل مكونات الصناعة تقريباً، من الأيدي العاملة إلى التدريب المهني والتكنولوجيا والدعم الحكومي كما يقول أرباب الصناعة في القطاعات المختلفة.

ويقول الرئيس التنفيذي للرابطة التجارية “موزعي وتجار تجزئة الأحذية في أميركا” مات بريست “هناك حقائق مؤلمة على الأرض”.

المشكلة الأعمق أن استراتيجية إدارة الرئيس ترمب تحيطها الشكوك وعدم اليقين المستمر، فقد قال ترمب الشهر الماضي “لا نتطلع لصناعة الأحذية الرياضية والقمصان داخل الولايات المتحدة”، لكن أكبر تعريفة جمركية أعلنها موجهة ضد الدول التي تصنع الملابس والأحذية التي يشتريها الأميركيون، فعلى سبيل المثال، تصل نسبة التعريفة الجمركية المفروضة على فيتنام إلى 46 في المئة.

فجوة واسعة

هذا التناقض كشف عن التضارب في استراتيجية إدارة ترمب، كما خلص تقرير الصحيفة الأميركية، بل وربما يعمق الفجوة الواسعة من الناحية الجغرافية واللوجستية بين أماكن تصنيع المنتجات وأماكن استهلاكها، وكانت أزمة وباء كورونا أظهرت تلك الفجوة بوضوح حين أدت الإغلاقات إلى توقف المصانع داخل دول آسيا، بالتالي نقص السلع والبضائع في أوروبا وشمال وأميركا وغيرها.

وبعد الأزمة حين عادت المصانع للعمل بعد الإغلاق لأسباب صحية انهالت الطلبات ونشطت خطوط الملاحة التجارية لنقل السلع والبضائع لآلاف الأميال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وخلال تلك الفترة، تعطل إنتاج مصنع شركة “سايتكس” الذي أقامته في فيتنام عام 2012، فما كان من صاحبه سانغيف بال إلا افتتاح مصنع في لوس أنجليس عام 2021، لينتج كمية قليلة من بنطلونات الجينز، على رغم أن ذلك كان على حساب الكلفة ومن ثمَّ العائد وهامش الربح، أيضاً معظم العاملين في مصنع “سايتكس” في لوس أنجليس هم من المكسيك وغواتيمالا والسلفادور، وفي ظل تشديد إدارة ترمب قيود الهجرة ووجود العاملين الأجانب في أميركا لا يعرف كيف يمكن أن يستمر المصنع إذا لم تتوافر تلك العمالة المغتربة.

أضف إلى ذلك، أن العامل على ماكينات الخياطة في لوس أنجليس راتبه الشهري نحو 4 آلاف دولار، بينما راتب نظيره في مصنع الشركة بفيتنام في حدود 500 دولار، هذا فضلاً عن أن أميركا تفتقر لغالب سلاسل الإمداد للصناعة، فليس بها مصانع أزرار ولا سحاب (سوستة)، لذا يصعب زيادة الإنتاج في الولايات المتحدة وحتى لو توسعت شركة “سايتكس”، فأقصى ما يمكن عمله هو نقل نسبة 20 في المئة فحسب من إنتاجها إلى أميركا.

الحاجة للاستيراد

من الصعب أن تؤسس الصناعات الأميركية سلاسل إمداد وتوريد لحاجاتها داخل الولايات المتحدة، فحتى لو توافر رأس المال الاستثماري، ستكون هناك مشكلة جدوى من إقامة مصانع لمكونات الجلود ومدخلات صناعة الملابس وهو ما ينطبق على غيرها من الصناعات، فحتى صناعة السيارات في الولايات المتحدة تعتمد على استيراد كثير من المكونات من المكسيك وكندا.

لذا، فنسبة 97 في المئة من الملابس والأحذية التي يشتريها الأميركيون مستوردة من الخارج، ويرى معظم أرباب الصناعات أن ذلك الوضع سيستمر، بالتالي لن تؤدي التعريفة الجمركية سوى إلى تعقيد الاستيراد وزيادة الكلفة على المستهلك، إذ لا يوجد في هذا القطاع ما يصنع في أميركا سوى منتجات “صناعات السجون الفيدرالية” (يونيكور)، التي تتخصص في تصنيع الزي العسكري وتوظف المساجين بأقل من الحد الأدنى للأجور، كما يقول الرئيس التنفيذي لاتحاد المنسوجات والأحذية الأميركي ستيف لامار.

ويضيف لامار أن “هناك فجوة واسعة بين الحديث العاطفي عن التصنيع في أميركا ووضع سوق العمالة وغيره، فالصناعات الأميركية تحاول ملء 500 ألف وظيفة شاغرة بشق الأنفس، بحسب تقديرات بنك (ويلز فارغو) الاستثماري، ويقدر البنك أن إعادة التصنيع إلى أميركا، كما كانت الحال خلال سبعينيات القرن الماضي التي يتحدث عنها ترمب مراراً وتكراراً، تحتاج إلى توظيف 22 مليون عامل في الصناعات الأميركية، هذا خلال وقت لا يوجد فيه بالولايات المتحدة سوى 7.2 مليون عامل من دون عمل”.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى