لماذا انتقد ترمب مفاوضات التجارة مع أوروبا؟

جاء تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترمب المفاجئ بفرض تعرفة جمركية على الاتحاد الأوروبي وسط تصاعد الإحباط داخل فريقه الاقتصادي من نهج الاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة في ما يتعلق بالضرائب والتنظيمات والصين.
وأعرب مستشارو ترمب بصورة خاصة عن استيائهم للدبلوماسيين الأوروبيين بسبب اختلاف أولويات التجارة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى إبطاء سير المحادثات، وفقاً لأشخاص مطلعين على المناقشات. وشكا المستشارون مما يرونه نهجاً متحفظاً من أوروبا في المفاوضات، وامتناع الاتحاد الأوروبي عن تقديم عروض ملموسة تعالج المخاوف الأميركية. وتشمل هذه المخاوف الرسوم على خدمات البث، وضريبة القيمة المضافة، والتنظيمات المتعلقة بالسيارات، والغرامات المفروضة على الشركات الأميركية في قضايا مكافحة الاحتكار، بحسب المصادر نفسها.
وحتى الآن، لم تتمكن الولايات المتحدة من الحصول على التزام من قادة الاتحاد الأوروبي بفرض تعرفة جديدة على الصناعات الصينية، وهو ما يعد أولوية لمسؤولي إدارة ترمب الذين يسعون إلى تكثيف الضغط التجاري على بكين، وفقاً للمصادر.
كجزء من مفاوضات تجارية منفصلة مع الولايات المتحدة، وافقت بريطانيا على المضي قدماً في فرض رسوم على الصلب الصيني، مما ساعد في إبرام اتفاق التجارة بين الولايات المتحدة وبريطانيا التي أعلن عنها ترمب هذا الشهر.
وأشار مسؤولو الاتحاد الأوروبي إلى استعدادهم لمناقشة الاقتصادات غير السوقية مثل اقتصاد الصين، وفقاً لأشخاص مطلعين على نهج الاتحاد الأوروبي.
تصاعد التوترات بين أميركا والاتحاد الأوروبي
وتصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي صباح الجمعة الماضي، عندما هدد ترمب بفرض تعرفة جمركية بنسبة 50 في المئة على الواردات الأوروبية بدءاً من الأول من يونيو (حزيران) المقبل.
وفي المكتب البيضاوي بعد ظهر الجمعة الماضي، أشار ترمب إلى أنه يعتزم المضي قدماً في تهديده – في الأقل في الوقت الراهن – قائلاً إنه “لا يبحث عن صفقة” مع الاتحاد الأوروبي.
كثيراً ما عبر ترمب عن غضبه من أوروبا سواء علناً أو في السر، وغالباً ما كان يوجه انتقادات لاذعة لقادة القارة أكثر مما يفعل مع بعض خصومه الأميركيين.
وبدأ ترمب منذ ولايته الأولى انتقاد دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) بسبب إنفاقها المنخفض على الدفاع، وهي اتهامات كررها أعواماً عدة. وهذا الشهر وصف الاتحاد الأوروبي بأنه “أكثر خبثاً من الصين”، وأشار إلى غرامات مكافحة الاحتكار التي يفرضها الاتحاد على الشركات الأميركية بوصفها ضرائب على هذه الشركات، وفي فبراير (شباط) الماضي، قال إن الاتحاد الأوروبي “أُسس ليغدر بالولايات المتحدة”.
وتختلف أساليب ترمب التفاوضية الصريحة والحادة بصورة واضحة عن النهج الرسمي والمنهجي لقادة الاتحاد الأوروبي، الذين يعتمدون على التشاور المتكرر مع الدول الأعضاء.
وجاء تهديد ترمب صباح الجمعة الماضي عبر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي كمفاجأة لمسؤولي ودبلوماسيي الاتحاد الأوروبي، الذين كانوا قد أبدوا تفاؤلاً في الأيام الأخيرة بعدما بدأت المحادثات التجارية تستعيد زخمها بعد بداية بطيئة.
وتبادلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أخيراً مستندات تتناول نقاط نقاش محتملة في المفاوضات التجارية، وهي خطوة عدها بعض الدبلوماسيين الأوروبيين تطوراً إيجابياً، وأشار الاتحاد بصورة خاصة إلى استعداده للتعاون مع واشنطن في شأن دعم الصين الصناعي الذي تستهدف به قطاعات رئيسة، بحسب ما أفاد مصدر مطلع على المفاوضات.
أوروبا ترفض تهديدات ترمب
وتحدث رئيس الشؤون التجارية في الاتحاد الأوروبي، ماروش شيفكوفيتش، في مكالمة مع ممثل التجارة الأميركي جاميسون غرير ووزير التجارة هوارد لوتنيك بعد ساعات من منشور ترمب على منصة “تروث سوشيال”.
وبعد المكالمة، قال شيفكوفيتش إن الاتحاد الأوروبي يشارك بصورة كاملة في المحادثات التجارية مع الولايات المتحدة، لكنه مستعد للدفاع عن مصالحه. وكتب شيفكوفيتش في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي أن التجارة بين الجانبين “لا تضاهى” لكنها “يجب أن تدار على أساس الاحترام المتبادل، وليس التهديدات”.
وأشار مسؤول أوروبي، الجمعة الماضي، إلى أن الصين لم تكن نقطة خلاف رئيسة في المحادثات بين الجانبين.
وسعى مسؤولو الاتحاد الأوروبي إلى إيجاد موقف وسط في ردهم على الولايات المتحدة يكون أقل عدوانية من رد الصين على التجارة، لكنه أكثر حزماً من موقف بريطانيا، إذ توصلت بريطانيا إلى اتفاق مع الولايات المتحدة هذا الشهر أبقى على تعريفات ترمب بنسبة 10 في المئة على جميع السلع البريطانية، وقال وزراء أوروبيين أخيراً إنهم لن يكونوا راضين باتفاق تجاري يحافظ على هذه التعريفات بنسبة 10 في المئة.
وتأتي المناقشات المتعلقة بالصين ضمن استراتيجية أميركية لدفع شركاء التجارة إلى معاقبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم من خلال مفاوضات حول ما يعرف بتعريفات ترمب المتبادلة، والتي فرضت في أوائل أبريل (نيسان) الماضي، قبل أن تعلق 90 يوماً للسماح بإجراء محادثات. وتهدف الاستراتيجية الأميركية إلى الحد من تدخل الصين في اقتصادات أخرى — خصوصاً في الصناعات الاستراتيجية مثل الصلب — إضافة إلى دفع الدول الأخرى إلى تطبيق تعريفات جمركية على سلع الصين لمواجهة الدعم الحكومي الذي تقدمه بكين والذي يجعل منتجاتها أكثر تنافسية عالمياً.
اليابان وكوريا الجنوبية
وقدمت الولايات المتحدة طلبات مماثلة تتعلق بـ”الأمن الاقتصادي” بخصوص الصين إلى شركاء تجاريين رئيسين آخرين مثل اليابان وكوريا الجنوبية، بحسب ما أفاد أشخاص مطلعون على المناقشات، على رغم أنه لم تعلن حتى الآن أي تعهدات رسمية بهذا الخصوص.
وتظل الصين سوقاً مهمة لصادرات الاتحاد الأوروبي، ويحرص القادة الأوروبيون على تجنب خوض حرب تجارية بارزة مع بكين.
ويمتلك الاتحاد الأوروبي والإدارة الأميركية بقيادة ترمب نهجين أساسيين مختلفين تجاه المفاوضات التجارية، فترمب حريص على الإعلان عن اتفاقات بسرعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، تتولى المفوضية الأوروبية، الجهاز التنفيذي للاتحاد، مسؤولية سياسة التجارة، لكنها تتواصل بانتظام مع الدول الأعضاء الـ27 لضمان توافقهم مع النهج المتبع. وهذه العملية تجعل الاتحاد الأوروبي يتحرك ببطء نسبياً، وهو أمر يشكل مصدر إحباط رئيس لإدارة ترمب، إذ عبر وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت عن قلقه من وتيرة المفاوضات التجارية أمام مسؤولي الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع لوزراء المالية في كندا الأسبوع الماضي، وفقاً لمسؤول أميركي.
وحتى الآن، ظل الاتحاد الأوروبي متمسكاً بمواقفه ضد بعض مطالب ترمب، إذ صرح المسؤولون أنهم لا يخططون لتغيير ضريبة القيمة المضافة في الاتحاد، التي انتقدتها إدارة ترمب، والتي ينظر إليها في الاتحاد الأوروبي وكثير من الاقتصادات على أنها ضريبة غير تمييزية، كذلك فإنهم لن يغيروا اللوائح الصحية والرقمية.
وقال دبلوماسي أوروبي لصحيفة “وول ستريت جورنال”، إنه من الصعب معرفة ما إذا كان ترمب يعتزم فعلاً تنفيذ تهديداته في شأن التعريفات الجمركية استناداً إلى منشوره في منصة “تروث سوشيال”، وأضاف الدبلوماسي “لا يمكنك بناء السياسة على منشور في تروث سوشيال”.
وفي مقابلة على قناة “فوكس نيوز” الجمعة الماضي، أعرب بيسنت عن أمله في أن تهديد التعريفات بنسبة 50 في المئة سيشعل “حماسة الاتحاد الأوروبي”.
وتوجه مسؤول التجارة في الاتحاد الأوروبي إلى واشنطن في أبريل الماضي، مزوداً بمقترحات لتقليص الرسوم الجمركية الصناعية على كلا الجانبين، ولزيادة مشتريات الاتحاد من الطاقة وفول الصويا الأميركيين، لكنه غادر الاجتماع من دون تحقيق نتائج ملموسة. وقال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي بعد ذلك اللقاء، “الاتحاد الأوروبي يقوم بدوره والآن بات من الضروري على الولايات المتحدة تحديد موقفها”.
وثيقة أميركية تطلب تنازلات أوروبية
وفي الآونة الأخيرة، أرسلت الولايات المتحدة وثيقة إلى الاتحاد الأوروبي تحدد مجالات عدة تطلب فيها تنازلات، تشمل الحواجز غير التعريفية وكذلك الأمن الاقتصادي، وهو مصطلح غالباً ما يستخدم للإشارة إلى القلق من هيمنة الصين الاقتصادية. ورد الاتحاد الأوروبي، الذي شمل قضايا تجارية عدة، بإشارة إلى استعداده للتعاون في شأن الصين، وفقاً لما أفاد به المطلعون على الأمر.
وكان الاتحاد الأوروبي أقر سابقاً رسوماً جمركية على واردات أميركية بقيمة 21 مليار يورو (23.8 مليار دولار)، لكنه أوقف تطبيق تلك الرسوم بعد إعلان إدارة ترمب تعليقها 90 يوماً على بعض التعريفات الأميركية، واقترح الاتحاد استهداف مجموعة ثانية من السلع، بقيمة تصل إلى 95 مليار يورو (108 مليارات دولار)، إذا فشلت المفاوضات مع الولايات المتحدة.