عالمي

4 أخطار تعصف بحركة التجارة العالمية في 2024 وثلاثة إجراءات لوقف النزف

مع استمرار حدة التوترات الجيوسياسية حذر تقرير حديث من استمرار تراجع حركة التجارة الدولية خلال العام الحالي. وفي تقرير حديث حدد البنك الدولي أربعة أخطار تهدد التجارة خلال العام الحالي تتمثل في خفض معدلات التجارة والاستثمار وارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع مستويات الديون وتضخم مدفوعات خدمة تلك الديون، متوقعاً أن تشهد الاقتصادات النامية تباطؤاً في النمو للعام الثالث على التوالي في عام 2024. وذكر أنه بعد عقود من تسارع العولمة تساوت تقريباً معدلات نمو التجارة الدولية منذ عام 2008 في الاقتصادات النامية مع وتيرة نمو نشاطها الاقتصادي. وعلى رغم أن تباطؤ التجارة الدولية لا يعني بالضرورة تراجعاً عن العولمة يرى البنك الدولي ضرورة مراقبة مثل هذه التطورات بشيء من الخوف والحذر، فعلى مدى عقود من تسارع الجهود لتحقيق التكامل العالمي، أثبتت التجارة الدولية أنها أحد المحركات القوية لتحقيق الرخاء والازدهار، وأدت العولمة إلى نمو نصيب الفرد من الدخل وتقليص رقعة الفقر في البلدان النامية التي انضمت إليها.

وقبل أيام كشفت منظمة التجارة الدولية عن أن التجارة العالمية أصبحت ضعيفة الأداء في ظل الظروف الاقتصادية غير المواتية، وتصاعد الميول السياسية نحو الإجراءات الحمائية، بعد أن أثبتت مرونتها خلال فترة الوباء. وقالت مديرة المنظمة نجوزي أوكونغو إيويالا إن النظام التجاري العالمي عديد الأطراف في حاجة للإصلاح، وإنه لا يزال متوتراً للغاية. وأوضحت أن نمو حجم تجارة البضائع في عام 2023 من المحتمل أن يكون دون توقعات المنظمة عند 0.8 في المئة، وأن معدل النمو المتوقع سابقاً عند 3.3 في المئة خلال عام 2024 قد يكون متفائلاً للغاية، وتعمل المنظمة في الوقت الراهن على تحديث تقديراتها. وأشارت إلى أن الطلب الكلي يتباطأ في معظم الاقتصادات الكبرى باستثناء الهند والولايات المتحدة، تزامناً مع الحروب والمشكلات المتعلقة بالمناخ مثل الجفاف الذي يبطئ حركة الشحن في قناة بنما، والتي تؤثر في جانب العرض.

3 إجراءات مهمة لتعزيز حركة التجارة

وفي إطار تعزيز حركة التجارة الدولية طرح البنك الدولي ثلاثة إجراءات مهمة أولها يتمثل في ضرورة استعادة الوظائف والمهام الأساس لنظام التجارة القائم على القواعد على الصعيد العالمي. ويعد ضمان تكافؤ الفرص وتوفير آليات موثوقة لتسوية المنازعات في إطار هذا الإجراء من المنافع العامة العالمية.

ويتمثل الإجراء الثاني في أنه بإمكان اتفاقيات التجارة الثنائية أو متعددة الأطراف أن تساعد في ضمان الوصول إلى الأسواق، وخفض كلفة المعاملات التجارية، والارتقاء بمستوى الشفافية، وذلك على المستوى المحلي. ويحظى الجيل الجديد من هذه الاتفاقيات بأهمية خاصة لأنها تركز أيضاً على القضايا الرئيسة فيما وراء الحدود، والتي تمثل أهمية خاصة بالنسبة للتجارة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وركزت هذه الاتفاقيات الشاملة على المنافسة العادلة في الأسواق المحلية، وعلى تكافؤ الفرص للشركات المملوكة للدولة، بل حتى على معايير العمل والبيئة، غير أنه ينبغي بذل جهد مدروس لضمان أن تكون هذه الاتفاقيات التجارية الإقليمية – لا سيما الاتفاقيات الشاملة – “قابلة للتشغيل البيني”، بمعنى أن تنفيذها يعتمد على مبادئ ومعايير تشغيلية متشابهة إلى حد كبير.

ودعا البنك الدولي البلدان النامية إلى أن تسعى جاهدة لتحقيق مزيد من الاندماج في الاقتصاد العالمي على رغم التوترات الجيوسياسية الحالية والضغوط الحمائية. ومن بين المجالات التي لم تشهد تباطؤاً في السنوات الأخيرة كانت الخدمات الرقمية، ففي حين تراجعت معدلات النمو في تجارة السلع العالمية في الاقتصادات النامية، إلا أن مبيعاتها من الخدمات عبر الإنترنت حققت نمواً بنسبة 250 في المئة فيما بين عامي 2005 و2022.

وتنطوي هذه الخدمات على إمكانات كبيرة لتوظيف النساء والشباب والفئات المحرومة الأخرى، لكن التحول إلى بلد مصدر للخدمات الرقمية سيكون صعباً عندما لا تتمكن نسبة كبيرة من السكان من الوصول إلى الإنترنت، ناهيك بالحصول على الكهرباء، بالتالي، ينبغي أن يكون تعزيز التحول الرقمي وتسهيل الاتصال الإلكتروني جزءاً من أجندة التكامل العالمي.

الاقتصادات النامية أمام تباطؤ للعام الثالث

يقول نائب رئيس النمو المنصف والتمويل والمؤسسات في مجموعة البنك الدولي بابلو سافيدرا إن ارتفاع مستوى التوترات الجيوسياسية والشواغل في شأن الأمن الاقتصادي ومدى مرونة سلاسل الإمداد تسبب في دفع بعض البلدان نحو التخفيف من الأخطار بتغيير سلسلة الإمداد الخاصة بها، وعلاوة على ذلك شهدنا توسعاً كبيراً في فرض الحواجز التجارية وتقديم الدعم بهدف معالجة الآثار التوزيعية للتجارة على المستوى المحلي، ودعم التحول الأخضر على مستوى العالم، وعلى رغم مشروعية هذه الشواغل، يجب أن نتجنب العواقب غير المقصودة لتطبيق مثل هذه السياسات، لا سيما في الاقتصادات النامية. وتابع “نشهد حالياً أضعف توسع في تجارة السلع والخدمات مقارنة بأي انتعاش عالمي في العقود الخمسة الماضية. وعلى رغم أن أحجام التجارة العالمية أعلى من مستوياتها عام 2019، فإن التجارة العالمية في السلع في عام 2023 انخفضت عند مقارنتها بعام 2022”. وأشار إلى أن التجارة في ما بين البلدان النامية تخلفت عن التجارة فيما بين الاقتصادات المتقدمة، وتخلفت أيضاً عن مستوى أنشطتها الاقتصادية، وهذه اتجاهات تبعث على القلق.

وتشير البيانات المتاحة للبنك الدولي إلى أن الصادرات أسهمت في خلق فرص العمل ونمو الدخل في البلدان النامية، وذلك حتى وقت بداية الأزمة المالية العالمية، وأدت مشاركة تلك البلدان في الأسواق الدولية إلى زيادة نسبة الوظائف بأجر مقارنة بالأعمال الحرة، مما شجع على توفيق الأوضاع والانضواء تحت مظلة الاقتصاد الرسمي.

وبعيداً من الاقتصاد الكلي فإن تباطؤ التجارة الدولية وإعادة تشكيل أنماط التجارة يرجع إلى خيارات السياسات إلى حد كبير، إذ تضاعف عدد حالات حظر التصدير وغيرها من التدابير المقيدة للتجارة أربع مرات منذ عام 2020، ويؤدي اللجوء لمثل هذه التدابير إلى النزول بمستوى كفاءة الاقتصاد العالمي، إذ إن تزايد الاعتماد على القيود التجارية في بداية الحرب في أوكرانيا، ومنها فرض حظر على صادرات السلع الأساس والمستلزمات الزراعية، إلى جانب ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتقلبها، أدى إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي.

آثار تقديم الدعم تتجاوز تداعيات فرض تعريفات جمركية

في السياق قالت المديرة العالمية لشؤون التجارة والاستثمار والقدرة التنافسية منى حداد إنه يمكن أن يؤدي التوسع في تقديم الدعم إلى تشويه التجارة بدرجة أكبر من فرض التعريفات الجمركية، إذ يغطي الدعم حالياً ما يقارب نصف السلع القابلة للتداول التجاري بعد أن كان يغطي 20 في المئة منها فقط في عام 2012، ويتضح ذلك بوضوح من التعريفة الجمركية التقديرية المكافئة لهذا الدعم المتزايد، والتي تصل إلى 15 في المئة في المتوسط للمنتجات الزراعية وإلى ثمانية في المئة لمنتجات الصناعات التحويلية.

وفي ما يتعلق بتغير المناخ وفي ظل ما يجري من سياسات التخفيف غير المتكافئة والفوارق الواسعة في التزام التعهدات المناخية بين البلدان، هناك شواغل مبررة من أن التجارة يمكن أن تحول الإنتاج العالمي إلى أنشطة وأماكن غير مراعية للبيئة. وقد توسعت البلدان في تطبيق معايير الاستدامة للواردات من أجل التصدي لهذه الأخطار، فضلاً عن تطبيق آليات تعديل حدود الكربون لمنع المنتجين المحليين من المنافسة غير العادلة من جانب البلدان التي تطبق معايير بيئية أقل، بحسب مذكرة البنك الدولي.

قد يكون للسياسات حسنة النية عواقب وخيمة غير مقصودة على البلدان النامية، فقد يؤدي تكبد الكلفة عند تطبيق معايير الاستدامة إلى إلحاق الضرر بالبلدان التي تعاني ضعفاً في قدرات مؤسساتها بصورة أكبر من غيرها، وينطبق الشيء نفسه على تعديلات ضريبة الكربون عند الحدود، والتي يمكن أن تؤثر بصورة غير عادلة على منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وأيضاً على المنتجين الزراعيين من البلدان النامية.

ومن الممكن أن يؤدي الجمع بين كل هذه التدابير والتوسع في تطبيقها إلى إحداث تأثير كبير في التجارة الدولية، بل وعلى النشاط الاقتصادي أيضاً. وتشير تقديرات البنك الدولي، إلى أن الخسائر طويلة الأجل الناشئة عن تلك الإجراءات قد تراوح ما بين واحد وسبعة في المئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، ولهذا هناك حاجة ماسة لتحقيق توازن أفضل بين الأهداف الجديرة بالثناء والنتائج التي تحدث على أرض الواقع. ومن أجل تنفيذ ذلك، يجب أن يكون هناك مجموعة منسقة من الإجراءات الاستراتيجية لمساندة البلدان النامية وإيجاد مسار متوازن لعملية تحولها.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى