مشكلات الاقتصاد الصيني تقوض فرص النمو العالمي
أظهرت أرقام رسمية صادرة عن بكين الجمعة أن التباطؤ في نمو الاقتصاد الصيني ما زال مستمراً بما يزيد من قلق الأسواق حول العالم في شأن فرص نمو الاقتصاد العالمي هذا العام.
كان المستثمرون والاقتصاديون الذين توقعوا انتعاشاً قوياً في ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد إلغاء الصين كل قيود فترة وباء كورونا مطلع العام أصيبوا بخيبة أمل من النمو الصيني غير القوي في الربعين الأولين من العام.
لم تشهد أسعار المستهلكين في الصين تغيراً بمعدل سنوي في الشهر الماضي بينما تراجعت أسعار المصانع وإن بوتيرة أقل عن الشهر السابق.
وأعلن مكتب الإحصاء الوطني الصيني الجمعة، أن مؤشر أسعار المستهلكين لم يتغير في سبتمبر (أيلول) عن الشهر المقابل من العام الماضي، وكان مسح لوكالة “رويترز” توقع ارتفاع أسعار المستهلكين بنسبة 0.2 في المئة الشهر الماضي.
كان مؤشر أسعار المستهلكين في الصين ارتفع بنسبة 0.1 في المئة فقط في شهر أغسطس (آب) السابق، أما مؤشر أسعار المنتجين فشهد تراجعاً بمعدل سنوي بنسبة 2.5 في المئة الشهر الماضي.
وكانت توقعات الاقتصاديين والمحللين تشير إلى انكماش بنسبة 2.4 في المئة لمؤشر أسعار المنتجين، وعلى رغم أن الانفاق الاستهلاكي في الصين لا يمثل نسبة كبيرة جداً من الناتج المحلي الإجمالي، كما هي الحال في الاقتصادات الرأسمالية المتقدمة، إلا أنه يظل عاملاً مهماً في تقديرات نمو الاقتصاد الصيني، وتتوقع بكين نمو اقتصادها بنسبة خمسة في المئة هذا العام 2023.
مخاوف النمو
على رغم أن نسبة النمو المتوقعة للاقتصاد الصيني تقترب من ضعف توقعات النمو للاقتصاد العالمي، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلا أنها تكاد تكون نصف معدلات النمو الصيني قبل أزمة وباء كورونا، فعلى مدى سنوات ظل الاقتصاد الصيني يقود النمو الاقتصادي العالمي، لكن القلق يزداد بين المحللين والاقتصاديين في شأن احتمال عودة هذا النهج.
يضاف انكماش الأسعار إلى المشكلات التي يواجهها القطاع العقاري في الصين، الذي يمثل أكثر من ربع الناتج المحلي الإجمالي لثاني أكبر اقتصاد في العالم، ومشكلات القطاع المالي والتكنولوجي أيضاً، ويدل التراجع في أسعار المستهلكين والمنتجين على استمرار ضعف الطلب في الاقتصاد الصيني لأسباب كثيرة، منها قلق الأسر الصينية على مستقبل الوضع الاقتصادي في البلاد ما يجعلهم يترددون في الانفاق.
ومنذ بداية العام، ومع عدم تحقق الانتعاش القوي في الاقتصاد، تتزايد مخزونات السلع لدى المنتجين ما يضغط أكثر على الأسعار نتيجة زيادة العرض عن الطلب.
وإذا كانت معدلات التضخم المرتفعة، أي زيادة الأسعار، تضغط سلباً على النمو الاقتصادي فإن الانكماش التضخمي أيضاً يهدد فرص النمو، إذ إنه يعيق التوسع في النشاط الاقتصادي بشكل عام، ويبدو ذلك واضحاً في قطاع العقارات الذي يعاني من مديونية هائلة على شركات التطوير العقاري، لكن ما يضاعف الأزمة هو الهبوط في نسبة المبيعات، إذ يتردد الصينيون في شراء البيوت ما ضغط على إيرادات الشركات والمطورين العقاريين فزاد من أزمة السيولة لديهم.
تشديد القواعد
وعلى رغم فتح الصين أوجه النشاط الاقتصادي كافة والتخلي عن سياسة “صفر كوفيد” بشكل كامل، فإن الاجراءات التي بدأت الحكومة اتخاذها منذ العام الماضي بهدف ضبط الغليان في بعض قطاعات الاقتصاد مثل القطاع العقاري وقطاع التكنولوجيا المالية أثرت سلباً في الاقتصاد.
تزامن ذلك مع ضغوط خارجية تتعرض لها بكين، منها العقوبات الأميركية وتوالي قرارات واشنطن بالتضييق على قطاع التكنولوجيا الصيني وحظر الاستثمار الأميركي في قطاعات داخل الصين.
أما رد الفعل من بكين على تلك الإجراءات الأميركية والغربية فأضاف إلى تشديد القيود على الاستثمار وبعض أوجه النشاط الاقتصادي الذي يغذي الناتج المحلي الإجمالي مثل القطاع المالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأصدرت الحكومة قرارات متتالية تشدد القيود على طرح الشركات الصينية في البورصات الأميركية والأجنبية عموماً، وذلك بعدما بدأت أميركا تحظر شركات صينية من التسجيل في بورصة “وول ستريت” بنيويورك.
وفي أحدث تلك الإجراءات، أصدرت الحكومة الصينية مذكرة تحظر على شركات السمسرة والوساطة المالية في البلاد ووحداتها الخارجية فتح حسابات جديدة لعملاء من داخل الصين للتداول خارج البلاد، كما ذكرت وكالة “رويترز”، وتلك هي المرة الأولى التي تصدر فيها بكين مثل هذا القرار.
وتضمنت المذكرة الحكومية الإشارة أيضاً إلى مراقبة نشاط حسابات العملاء الحاليين لشركات التداول “لمنع المستثمرين من تجاوز ضوابط أسعار الصرف الأجنبية” التي تفرضها الحكومة، ويستهدف القرار الحد من تدفق رؤوس الأموال إلى خارج الصين، في الوقت الذي تتوقف فيه أيضاً استثمارات أجنبية متوقعة نتيجة الحظر الأميركي أو مخاوف الأجانب من تشديد القيود الصينية.
ومن بين الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الصينية في الأشهر الأخيرة قرارات تستهدف وقف نزيف قيمة العملة الوطنية اليوان. ومع ارتفاع سعر صرف الدولار عالمياً نتيجة رفع الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي أسعار الفائدة، يشهد اليوان الصيني تراجعاً في قيمته منذ مطلع العام الحالي 2023. ويعد اليوان من بين أسوأ العملات الآسيوية أداءً هذا العام، إذ فقد حتى الآن نسبة 5.5 في المئة من قيمته مقابل الدولار.