عالمي

ما دلالات الشراكة الصينية – الإيرانية وسط التوتر ؟

تصاعدت الشراكة الاستراتيجية بين الصين وإيران إلى مستوى غير مسبوق في سياق التوتر المتزايد بين بكين وواشنطن، وتنامي الصراع الجيوسياسي على النفوذ في الشرق الأوسط.

كشف تقرير جديد صادر عن المركز العالمي للدراسات التنموية، ومقره العاصمة البريطانية لندن، أن هذه العلاقة تتجاوز مجرد التعاون العسكري، لتشكل محوراً اقتصادياً وجيوسياسياً يهدد بإعادة تشكيل التوازنات العالمية.

وأوضح التقرير أن الصين تدير “معادلة دقيقة” تجمع بين مصالحها الاقتصادية الضخمة مع الاتحاد الأوروبي، ودورها المتنامي في دعم إيران، الدولة الخاضعة لعقوبات غربية، وباتت بكين الشريك الاقتصادي الأول لطهران، مستفيدة من العقوبات الأميركية المفروضة عليها للحصول على النفط بأسعار مخفضة تصل في بعض الحالات إلى 15 في المئة دون السعر العالمي.

واردات النفط

ووفقاً للتقرير، بلغت واردات الصين من النفط الإيراني في عام 2023 نحو 800 ألف برميل يومياً، وهو ما يعادل 70 إلى 80 في المئة من صادرات إيران النفطية، ويوفر لطهران عائدات مالية تتجاوز 25 مليار دولار سنوياً، تُستخدم في دعم الاقتصاد الإيراني ومواجهة العزلة الدولية، وبالمقابل، تضمن الصين أمناً طاقوياً مستقراً خارج نطاق سيطرة الأسواق الغربية أو الهيمنة الأميركية على طرق الإمداد.

ويؤكد التقرير أن إيران لا تمثل مجرد مورد للطاقة، بل هي ركيزة استراتيجية ضمن مشروع “الحزام والطريق” الصيني، إذ توفر موقعاً جغرافياً حيوياً يربط بين شرق آسيا، وآسيا الوسطى، ومنطقة الخليج، مما يسهم في تسهيل نقل السلع وتوسيع النفوذ الصيني في خطوط التجارة البحرية والبرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار المركز إلى أن الاتفاقية الاستراتيجية الشاملة التي وقعها البلدان عام 2021، والتي تمتد 25 عاماً، تنطوي على استثمارات صينية محتملة بقيمة تصل إلى 400 مليار دولار، تشمل مشروعات في البنية التحتية، والنقل والطاقة والاتصالات، مما يمنح الصين حضوراً اقتصادياً طويل الأمد في أحد أكثر الأقاليم حساسية من الناحية الجيوسياسية.

التبادل التجاري بين الصين والاتحاد الأوروبي 

وفي الوقت نفسه، حذر التقرير من أن هذا التوجه الصيني قد يصطدم بمصالح الاتحاد الأوروبي، الذي يُعد أحد أبرز الشركاء التجاريين لبكين، ففي عام 2023، بلغت قيمة التبادل التجاري بين الصين والاتحاد الأوروبي نحو 780 مليار دولار، أي ما يقرب من 50 ضعف قيمة التبادل مع إيران، مما يجعل أي تصعيد في الشراكة الصينية-الإيرانية التي تنتهك العقوبات الدولية، عرضة لتبعات اقتصادية وسياسية أوروبية واسعة، قد تشمل فرض قيود تجارية، أو إعادة تقييم الاستثمارات الأوروبية في السوق الصينية.

وعلى رغم هذا يرى المركز أن بكين تعتمد سياسة “الغموض البنّاء” لتفادي التصعيد، إذ تحرص على عدم الاعتراف رسمياً بدعم عسكري مباشر لطهران، وتُفضل العمل ضمن “الهوامش الرمادية” للنظام الدولي، بخاصة في ما يتعلق بتصدير النفط الإيراني وتبادل التكنولوجيا الحساسة.

وخلص التقرير إلى أن الصين لن تتخلى عن أولوياتها الاقتصادية، وخصوصاً في علاقاتها مع أوروبا، لكنها في الوقت ذاته تعد إيران أداة استراتيجية لتقويض الهيمنة الغربية في الشرق الأوسط، وتوسيع دائرة نفوذها بعيداً من الضغوط الأميركية، وبذلك، فإن بكين تسعى لإعادة تشكيل النظام العالمي تدريجياً من خلال تحالفات ذكية تُراعي مصالحها الاقتصادية، وتُعزز نفوذها الجيوسياسي من دون الدخول في مواجهات مباشرة.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى