هل تشارف أسواق الأسهم على الانهيار؟

كانت قدرة مؤشر “أف تي أس إي 100” للأسهم البريطانية على الصمود مذهلة على رغم سلسلة من الاستفزازات، بدءاً [سياسات] بدونالد ترمب، واقتصاد عالمي مختل التوازن، واقتصاد بريطاني أكثر اختلالاً، وزيادات ضريبية، واضطراب سياسي داخلي، واضطراب عالمي، وديون، وحروب تجارية، وولاية ثانية لدونالد ترمب – وهي كلها وازنة.
على رغم كون السوق البريطانية سوقاً راكدة إلى حد ما، ومع انجذاب بعض أفضل شركاتها إلى بريق وول ستريت، حظي المستثمرون البريطانيون بظروف مريحة. ارتفع المؤشر القياسي للشركات الكبرى بنحو 13 في المئة منذ بداية العام، من دون احتساب الأرباح السهمية الموزعة على المساهمين. إذا كان المرء مستثمراً في السوق، لا مفر من شعوره بأنه راضٍ تماماً.
لكن الأسبوع هذا انتهى بخيبة أمل واضحة. تكاثرت في الآونة الأخيرة التوقعات المتشائمة، غير أن تركيز مطلقيها انصبّ في الغالب على قطاع شركات التكنولوجيا العملاقة في الولايات المتحدة والمبالغ الضخمة التي تضخها هذه الشركات في [قطاع] الذكاء الاصطناعي، من دون عوائد ملموسة تذكر.
يشبه المتشائمون الوضع الحالي في فقاعة التجارة الإلكترونية التي تضخمت في أواخر تسعينيات القرن الماضي، حين كانت الشركات تعلن عدد الزيارات التي تحققها صفحاتها بدلاً من الإيرادات [العوائد]، وتجمع أموالاً طائلة من المستثمرين، وتنفقها على مكاتب فخمة ورواتب باهظة وأشياء فخمة أخرى، قبل أن تهوي رأساً على عقب في حفرة سحيقة مظلمة [تبدد أموالها].
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن نوعاً مختلفاً تماماً من الشركات يقف الآن في مركز [نواة] الأزمة الأخيرة. يحذر المستثمرون من أن الانهيار المفاجئ لشركة “فيرست براندز غروب” يشكل مؤشراً مبكراً إلى متاعب مقبلة في سوق أصبحت فيه الصفقات المستعجلة والتدقيق المتسرع في البيانات ممارسة شائعة. تنتج “فيرست براندز” قطع غيار للسيارات، شمعات إشعال [شمع احتراق]، وماسحات للزجاج الأمامي، وغيرها من مستلزمات المركبات. وقد تقدمت بطلب لإشهار إفلاسها بموجب الفصل الحادي عشر من قانون الإفلاس الأميركي، مع التزامات [خسائر] مذهلة تتجاوز 7.5 مليار جنيه استرليني (10 مليارات دولار تقريباً)، أي أكثر بكثير من قيمة أصولها.
كيف يمكن لشركة تبدو عقلانية وبسيطة كهذه أن تبلغ هذا الحد؟ حسناً، عندما تكون الضوابط متراخية، والديون مسجلة في حسابات غير مدرجة في الموازنة العمومية، والمقرضون متساهلين، قد يحدث ما حدث لأي شركة كان. لقد شهدنا ذلك من ذي قبل.
كذلك دق فشل “تريكولور”، وهي شركة لبيع السيارات، بدوره أجراس الإنذار التي تقرع الآن بصوت عال في قلب المركز المالي الأميركي.
عندما تنهار شركات من هذا النوع بالطريقة التي انهارت بها الشركتان، وتفوح رائحة الفضائح، تتحول الأنظار سريعاً إلى المصارف، ولا سيما الصغيرة منها التي لا تستطيع تحمل خسائر كبيرة تتكبدها في القروض. ومع بدء بعضها في الاهتزاز، انطلقت في الأسواق موجة بيع للأصول المالية.
الرئيس التنفيذي لمصرف “جي بي مورغان” جيمي ديمون قال محذراً في تواصل مع محللين الثلثاء: “عندما يرى المرء صرصاراً واحداً، ستلي الصرصار في الغالب مجموعة من الصراصير، لذلك يجب على الجميع أن يأخذوا هذا الصرصار [انهيار الشركتين] على محمل الجد”.
كثيراً ما كانت تصريحات ديمون الأكثر اقتباساً [انتشاراً وتداولاً] من بين تصريحات الرؤساء التنفيذيين في وول ستريت، لأنه ببساطة يقول ما يفكر فيه، ويملك القدرة على التعبير المباشر حين يشاء.
يعد “جيه بي مورغان” مصرفاً كبيراً وقوياً بما يكفي لتحمل أي عاصفة. هو أكبر من أن يترك لينهار، وأكبر بكثير أيضاً من أن يزعجه “صرصار” يخص شركة لإنتاج قطع غيار السيارات.
لكن ما تقدم لا ينطبق على المصارف الأميركية كلها. فالمخاوف الأوسع في شأن جودة الائتمان في الولايات المتحدة، واحتمال أن تؤدي مطالبات مبكرة بتسديد القروض إلى مزيد من حالات الإفلاس وإلى إلحاق ضرر بالغ بالاقتصاد الأميركي، يمكن أن تفضي بسهولة إلى ما يشبه النسخة المالية من جائحة “كوفيد” [فيروس كورونا]. لن تتعلم المصارف أبداً [تستخلص الدروس مما جرى]، أليس كذلك؟
نعم، إذاً، قد تنفلت الأسواق المالية من كل عقال [وتصبح نهباً للفوضى]، وبسرعة كبيرة. وبالمناسبة، هل تذكرون عندما حذرت من النار التي كانت راشيل ريفز [وزيرة الخزانة البريطانية] تعبث بها عندما اقترحت تخفيف القيود التنظيمية المطبقة على قلب لندن التجاري؟ هذه هي الأسباب الكامنة من وراء تحذيري. لا يقتصر الأمر على ريفز وحدها. فالتخفف من القواعد [التراجع عنها] التي فرضت بعد الأزمة المالية (2007-2008) يحدث في كل مكان.
هل يعني ذلك أن الوقت قد حان لسحب المستثمرين أموالهم من الأسواق ومن المصارف، وإخفائها تحت الأسرة؟
ليس بعد. حتى الآن، ما يحدث هو اهتزاز لا أكثر. زوبعة قصيرة، لا انهيار شامل. قد تكون السوق البريطانية في الواقع في مثابة ملجأ أخير يعتد به إذا انساقت وول ستريت وراء أزمة أكثر خطورة، لأن السوق البريطانية تضم عدداً كبيراً من الشركات الكبيرة التقليدية المستقرة القادرة تماماً على الصمود.
لذلك، عليكم أن تتفاءلوا وتراقبوا الموقف من كثب في الوقت الحالي. ومع ذلك تشكل هذه التطورات تحذيراً في محله تمس الحاجة إليه، سواء للمصارف أو للجهات المنظمة لها. وحري بها القيام بما يقتضيه عملها.