عالمي

“التمويل الموازي” يهدد استقرار النظام المالي العالمي

في وقت تبدو الأسواق المالية العالمية في حال ازدهار ظاهري، يطلق صندوق النقد الدولي تحذيراً غير مسبوق من الأخطار الكامنة في “التمويل الموازي” أو ما يعرف بـ “Shadow Banking”، إذ تمتد جذور الأزمة المحتملة إلى خارج النظام المصرفي التقليدي، وبحسب الصندوق فإن تعرض البنوك الكبرى لما يناهز 4.5 تريليون دولار من التزامات صناديق التحوط والائتمان الخاص قد يشكل شرارة أزمة مالية عالمية جديدة، ما لم تتخذ تدابير عاجلة لتعزيز الشفافية والرقابة.

ودعا الصندوق صانعي السياسات إلى ضرورة تعزيز الرقابة على صناديق التحوط وصناديق الأسهم الخاصة وصناديق الائتمان، مشيراً إلى أن هذه الصناديق قد تفاقم أي تراجع في الأسواق المالية وتنقل التوتر إلى النظام المصرفي، ووفقاً لصحيفة “فايننشال تايمز” قال الصندوق إن نمو الأنشطة التمويلية خارج القطاع المصرفي التقليدي يضيف مصدر خطر إضافي للنظام المالي، بعد أن وجد أن كثيراً من المقرضين الكبار بات لديهم تعرض متزايد لصناديق التحوط والمؤسسات غير المصرفية الأخرى التي تخضع لرقابة أقل.

من جانبها أشارت صحيفة “تليغراف” إلى أن المشهد المالي العالمي يبدو في ظاهره مزدهراً، لكن خلف هذا البريق تختبئ أزمة تلوح في الأفق، فثمة نظام مواز للقطاع المصرفي الرسمي يعمل في الظلال بعيداً من الرقابة، ويمنح قروضاً بمليارات الدولارات لشركات ذات مراكز مالية هشة، ومع تصاعد القلق تتزايد المؤشرات على أن ما يعرف بـ “التمويل الموازي”، مشيرة

إلى أن هذا القطاع الذي يضم شركات الاستثمار الخاصة ومديري الأصول العملاقة، يتميز بخصائص مقلقة وهي تنظيم ضعيف وشفافية محدودة، ومحافظُ قروض يغلب عليها الطابع عالي الأخطار، وبينما لا يزال السؤال مطروحاً حول ما إذا كنا نعيش بالفعل داخل فقاعة مالية ضخمة، لكن المؤشرات تزداد وضوحاً بأن الانفجار إن وقع ستكون جذوره في هذا العالم الغامض.

وتقول الصحيفة أنه في وقت تسجل أسواق الأسهم مستويات قياسية وترتفع أسعار الذهب والـ “بيتكوين” إلى قمم جديدة، تبدو الأسواق وكأنها تعيش ما وصفه الرئيس الأسبق للاحتياط الفيدرالي الأميركي آلان غرينسبان بـ “الابتهاج غير العقلاني”، لكن خلف هذه النشوة بدأت تظهر أولى الشقوق في جدار الثقة، فقد بدأ المستثمرون يبيعون أسهماً في كبرى شركات إدارة الأصول خوفاً من انفجار محتمل في قطاع “الائتمان الخاص”، وشهدت شركات عملاقة مثل “بلاكستون” و”كيه كيه آر” و”أبولو” انخفاضاً في قيمتها السوقية تجاوز 10 في المئة خلال شهر واحد، في وقت تواصل بقية السوق تحقيق مكاسب قياسية، والسبب واضح، كما تقول “تليغراف”، إذ يتصاعد القلق من حجم محافظ القروض التي بنتها هذه المؤسسات، والتي قد تخفي خسائر ضخمة داخل النظام المالي العالمي.

تحول مديري الأصول إلى ما يشبه المصارف التجارية

وحذرت “الهيئة البريطانية للسلوك المالي” (FCA) أخيراً من ضرورة اليقظة تجاه هذا الخطر، خصوصاً بعد انهيار شركة قطع غيار السيارات الأميركية “فيرست براندز” التي وصلت التزاماتها إلى نحو 50 مليار دولار، فهذا الانهيار كشف مدى هشاشة النظام الموازي وقدرته على تضخيم الخسائر في حال انتشار العدوى.

وخلال العقد الماضي توسعت شركات الاستثمار الخاصة ومديرو الأصول بقوة في مجال “التمويل الموازي”، عبر تقديم قروض مباشرة للشركات بعيداً من النظام المصرفي التقليدي، ووفق تحليل صادر عن بنك “مورغان ستانلي” فقد تضخم حجم سوق الائتمان الخاص إلى نحو 3 تريليونات دولار، منها تريليون دولار أضيف خلال الأعوام الخمسة الأخيرة وحسب.

وفي جوهره تحول مديرو الأصول إلى ما يشبه المصارف التجارية، إذ يمنحون قروضاً ضخمة لشركات تبحث عن تمويل سريع، وعلى رغم أن هذه القروض تحقق أرباحاً مغرية بفضل أسعار فائدة تتجاوز أحياناً 10 في المئة، إضافة إلى رسوم تنظيمية إضافية، لكنها تحمل جميع سمات الفقاعات المالية التي تنتهي بانفجارات مؤلمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتكمن المشكلة الأولى في غياب الشفافية، فكما يوحي الاسم يعمل هذا النظام في الظل، مما يجعل من الصعب تحديد الحجم الحقيقي للقروض أو الأخطار الكامنة فيها، أما الثانية فهي ضعف الرقابة التنظيمية، إذ نشأ هذا القطاع من رحم الاستثمار الخاص الذي لم يخضع يوماً لضوابط صارمة، على عكس البنوك التي تخضع لمتطلبات رأسمال صارمة منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.

والمشكلة الثالثة، وربما الأخطر، فتتعلق بنوع القروض نفسها، فكثير منها موجه إلى شركات جرى شراؤها عبر صفقات مدعومة من صناديق استثمار خاص تعاني أصلاً ديوناً ثقيلة، أو إلى مطورين عقاريين في قطاعات مرتفعة الأخطار، أو إلى شركات ناشئة لم تحقق أرباحاً بعد، لذا قد يكون انهيار “فيرست براندز” مجرد بداية لسلسلة من التعثرات المقبلة، ويضاف إلى ذلك كثافة المصطلحات التقنية المعقدة التي تخفي وراءها واقعاً بسيطاً مفاده أن هذا النظام يمنح أموال ضخمة لشركات ضعيفة مالياً، على أمل أن تسير الأمور على ما يرام، وقد تنجح في  إتمام الصفقات طالما أن الاقتصاد ينمو بمعدل جيد، لكن كثيراً منها سينتهي بخسائر فادحة.

أزمة الرهن العقاري

وبالنظر إلى تاريخ الأسواق المالية فهو مليء بالأمثلة المشابهة، فخلال العقد الأول من الألفية كانت أزمة الرهن العقاري “السوب برايم” هي الشرارة التي فجرت أزمة عام 2008 بعد إعادة تغليف قروض عالية الأخطار في صورة  أصول آمنة، وخلال ثمانينيات القرن الماضي كانت السندات الرديئة “Junk Bonds” أداة مشابهة أتاحت تمويل الشركات التي كانت مستبعدة من السوق لأسباب وجيهة، أما في السبعينيات فقد كانت أزمة الادخار والقروض في الولايات المتحدة والقطاع المصرفي الثانوي في لندن تجسيداً باكراً للنمط نفسه، وهو توسع مفرط في الإقراض من دون رقابة كافية.

وعلى رغم اختلاف التفاصيل من عصر إلى آخر فإن القصة الأساس لا تتغير، إذ تتراخى المعايير وتغيب الشفافية وتتراكم الأخطار في الظل، فبعد أن تتدفق الأرباح السهلة في البداية سرعان ما تنكشف الخسائر عندما يبدأ الاقتصاد بالتباطؤ.

وحتى الآن لا أحد يستطيع الجزم بأن قطاع التمويل الموازي سيقود إلى أزمة شاملة، فشركات كبرى مثل “بلاكستون” و”كيه كيه آر” تمتلك من الخبرة والذكاء ما يمكنها من تقليص الأخطار قبل انفجارها، ومع ذلك فالتاريخ المالي يعلمنا أن كل فقاعة تخفي خسائرها في مكان ما، ويبدو أن هذا المكان هذه المرة هو “التمويل الموازي”.

وفي الختام فبينما لا يمكن الجزم بأن “التمويل الموازي” سيكون شرارة الأزمة المقبلة، فإن المؤشرات تتزايد بأن النظام المالي العالمي يقف على أرض رخوة، فكل دورة ازدهار تخفي فقاعتها الخاصة، وما لم تعزز الرقابة والشفافية فقد يكون العالم على أعتاب أزمة جديدة تولد من قلب الظل المالي.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى