عالمي

علاقة “بيضاء” بين عقارات السعودية ورسوم الأراضي

توقع متخصصون لـ”اندبندنت عربية” أن يحدث القرار المعلن عنه أخيراً من وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان السعودية، بتحديد النطاقات الجغرافية لتطبيق رسوم “الأراضي البيضاء” داخل العاصمة الرياض، تحولاً جذرياً في المشهد العقاري.

وأجمع المتخصصون على أن هذه الخطوة ستعزز حيوية القطاع وتنشط عملية التطوير، وهو ما يعد محركاً أساساً لنحو 80 إلى 90 قطاعاً اقتصادياً آخر، ويجعل من التطوير خياراً أكثر جدوى من تجميد الأراضي أو المضاربة عليها.

واعتبروا أن الرسوم المفروضة ستجبر الملاك على اتخاذ قرار حاسم، إما بتطوير أراضيهم أو بيعها، مؤكدين أن مرحلة الانتظار لم تعد مجدية استثمارياً. ووصفوا القرار بأنه خطوة قوية وسريعة الأثر، ستدفع الاستثمار العقاري نحو مسار أكثر استدامة.

وأشار المتخصصون إلى أن الرياض تشهد حالياً تحولاً نوعياً في حجم ونوعية الطلب، مما يستدعي إعادة صياغة سلوكات بعض المستثمرين الذين اعتادوا شراء الأراضي في أطراف المدن وتركها لترتفع أسعارها من دون تطوير. هذا النمط الاستثماري، وفقاً للخبراء، بات ضاراً بالاقتصاد الوطني والتنمية العقارية في ظل النمو المتسارع للطلب على العاصمة.

وأوضحوا أن هذا السلوك أدى إلى ارتفاعات غير مبررة في أسعار عقارات تقع داخل مناطق غير قابلة للتطوير، مما جعل من تدخل الحكومة عبر فرض الرسوم ضرورة لإجبار المستثمرين على التوجه نحو التطوير الفعلي.

شرائح متعددة

بدروها، أعلنت وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان السعودية عن تقسيم النطاقات الجغرافية للأراضي البيضاء داخل العاصمة إلى خمس شرائح، مع فرض رسوم متفاوتة على كل منها. وستطبق الوزارة رسوماً سنوية بنسبة 10 في المئة على أراضي الشريحة ذات الأولوية القصوى، و7.5 في المئة للعالية، وخمسة في المئة للمتوسطة، و2.5 في المئة للمنخفضة، فيما استثنيت الشريحة خارج نطاق الأولويات من الرسوم.

مراجعة سنوية

وأكدت الوزارة أن اللائحة التنفيذية تضمن استمرارية فاعلية الرسوم من خلال مراجعة سنوية لأوضاع كل مدينة أو نطاق جغرافي، تشمل تقييم المعروض العقاري ومستويات الأسعار ورصد الممارسات الاحتكارية. ودعت الوزارة جميع الملاك إلى تسجيل أراضيهم خلال 60 يوماً عبر البوابة الإلكترونية للبرنامج، تفادياً لغرامات قد تصل إلى 100 في المئة من قيمة الرسم، مشيرة إلى أن إيرادات الرسوم المحصلة ستخصص بالكامل لدعم مشاريع الإسكان وزيادة المعروض السكني.

توسيع المعروض

من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لشركة “منصات” العقارية خالد المبيض إن قرار فرض الرسوم بمستوياتها المختلفة سيشكل ضغطاً فعلياً على ملاك الأراضي، خصوصاً داخل النطاقات الحيوية، مما سيدفع جزءاً كبيراً منهم إما لتطوير أراضيهم أو عرضها للبيع، وهذا سينعكس إيجاباً على زيادة المعروض وتوازن الحركة السوقية في الرياض.

وأوضح المبيض أن تقسيم الرسوم إلى شرائح يخلق عدالة نسبية أفضل، إذ يراعي حجم المساحة وموقعها وقيمتها، مما يضمن أن يتحمل من يمتلك مساحات شاسعة داخل مواقع استراتيجية أعباءً أكبر. وأضاف أن هذه الرسوم ستسهم على المدى المتوسط في خفض أسعار الأراضي والإسكان، أو في الأقل الحد من الارتفاع المتسارع.

وأكد المبيض أن تخصيص إيرادات الرسوم لمشاريع الإسكان يعزز التمويل للمشاريع الجديدة، ويساعد على سد جزء مهم من الفجوة بين العرض والطلب في الرياض.

توازن السوق

من جهته، قال عضو جمعية الاقتصاد السعودية عبدالحميد العمري إن قرار تطبيق رسوم “الأراضي البيضاء” جاء لمعالجة التحديات التي أثرت في توازن السوق العقارية داخل السعودية، وأدت إلى ارتفاع معدلات التضخم من خلال زيادة أسعار الأراضي والعقارات والإيجارات، وهو ما أدى إلى تحديات كبيرة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

وأوضح العمري أن هذه الرسوم هي جزء من حزمة كبيرة تهدف إلى تحفيز جانب العرض الذي كان أضعف من حجم الطلب المتنامي داخل المدن الكبيرة، وبخاصة في الرياض.

 ووفقاً له، فإن هذه الخطوة ستؤدي إلى تحريك العرض وتحفيز تطوير الأراضي بصورة أكبر وأسرع، بما يتوافق مع حجم الطلب المتزايد على القطاع العقاري.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ما يتعلق بتقسيم الشرائح، أشار العمري إلى أن القرار أخذ بعين الاعتبار المناطق التي عليها طلب وتتوافر فيها الخدمات بصورة ممتازة، مما يفسر ارتفاع الرسوم ضمن تلك المناطق إلى 10 في المئة. ولفت إلى أن هذه الرسوم غطت ما يقارب 85 في المئة من حجم المساحة التي عليها رسوم، مما سيسرع من عملية التطوير وإدخال الأراضي في جانب العرض.

وأكد أن الهدف الأساس من هذه الرسوم هو تحقيق التوازن في السوق، بما يؤدي إلى كفاءة التسعير وإلغاء التضخم غير المبرر. وتوقع عبدالحميد العمري أن تغري هذه القرارات المطورين والمستثمرين للدخول في القطاع العقاري، وأن نتائجها ستظهر على الأجلين المتوسط والطويل.

وأشار العمري، إلى أن متحصلات هذه الرسوم ستعاد لتدويرها لزيادة المعروض من الأراضي وتحفيز العرض وتطوير ومساعدة ملاك الأراضي، وبخاصة كبار الملاك، للدخول في شراكة مع شركات التطوير العقاري. وأكد أن هذه الأمور كلها ستؤدي إلى تحقيق التوازن المنشود في القطاع، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية 2030، بأن يشكل القطاع ما بين 30 إلى 35 في المئة من الناتج المحلي.

محرك رئيس

ويرى المتخصص في الشأن العقاري عايد الهرفي أن نظام رسوم الأراضي البيضاء أصبح محركاً رئيساً للتنمية العمرانية، ينعكس إيجاباً على حياة المواطنين.

وأكد الهرفي أن مواطني السعودية بدأوا يشعرون بالتغيير في أحيائهم، حيث تحولت أراض شاغرة إلى مشاريع حيوية تلبي حاجاتهم، مشيراً إلى أن هذه السياسة ليست مجرد قرار إداري، بل خطوة حياة تعيد تشكيل المدن.

وأوضح الهرفي أن فرض الرسوم على الأراضي غير المطورة دفع ملاكها إلى الإسراع في تطويرها أو طرحها للبيع، مما زاد من المعروض العقاري وخفف من وطأة ارتفاع الأسعار. وتابع بقوله “هذا النظام يضرب عصفورين بحجر واحد، يحد من الاحتكار ويسرع وتيرة البناء”.

وأكد عايد الهرفي أن التوازن بين العرض والطلب بات أقرب من أي وقت مضى. في شوارع الرياض وغيرها من المدن الكبرى، بدأ المواطنون يلمسون أثر هذه السياسة، حيث تتحول الأراضي البيضاء إلى أحياء نابضة بالحياة تضم وحدات سكنية ومرافق متكاملة.

وشدد الهرفي على أن هذا التحول لا يقتصر على تحسين المشهد العمراني بل يعزز ثقة المستثمرين، سواء المحليين أو الأجانب، في سوق عقارية تتسم بالشفافية والاستدامة.

ويربط المتخصص في الشأن العقاري هذه الخطوة برؤية 2030، التي تجعل الإسكان وجودة الحياة في صدارة أولوياتها.

وأردف بقوله “عندما ترى أحياء جديدة تنبض بالحياة، تشعر أن الرؤية ليست مجرد شعارات، بل واقع يعيشه الناس”.

ولفت إلى أن إيرادات الرسوم المخصصة لمشاريع الإسكان ستعزز توفير وحدات بأسعار مناسبة، لتلبية حاجات شريحة واسعة من المجتمع.

وحذر الهرفي من محاولات التحايل على النظام الجديد، داعياً إلى تعزيز الرقابة وتحديث قواعد البيانات لضمان نجاح هذه السياسة. واختتم قائلاً “السوق العقارية السعودية على أعتاب مرحلة جديدة، إذ يصبح التطوير هو القاعدة، والاحتكار استثناء”.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى