34 مليار دولار مبيعات جهات الإصدار الخليجية والمصرية من سندات وصكوك للمستثمرين في 4 أشهر

باعت جهات الإصدار الخليجية والمصرية للمستثمرين سندات وصكوكا بأكثر من 34 مليار دولار منذ بداية العام الجاري حتى منتصف نيسان (أبريل) الماضي.
وتقترب إصدارات أدوات الدخل الثابت التي تمت خلال أربعة أشهر في منطقة الخليج ومصر من تجاوز ما تم إصداره عن كامل عام 2022، التي تصل قيمتها إلى 40 مليار دولار.
وأظهر رصد وحدة التقارير في صحيفة “الاقتصادية” أن الانخفاض المؤقت لعوائد “مراجع التسعير” العالمية قفز بأحجام إصدارات أدوات الدخل الثابت في دول الخليج. وفوجئت جهات الإصدار، التي كانت تؤجل إصداراتها، بهذه المستويات -للمراجع التسعيرية- التي تعد مع أواخر أبريل، في حال مقارنتها بالعام الماضي، مستويات تمويلية منخفضة إلى متوسطة.
وأسهمت البيئة المواتية لتكلفة التمويل في جعل معظم جهات الإصدار الخليجية تحسم أمرها من الإصدار إلى عدمه، حيث اتضح أن تأجيل الإصدارات لفترة أطول ليس حلا، والأفضل اغتنام فرص السوق عندما تظهر.
أزمة القطاع المصرفي الأمريكي
كشف رصد “الاقتصادية” أن أزمة القطاع البنكي الأمريكي ظهر أثرها خلال 30 يوما في أسواق الدين الخليجية قبل أن يتلاشى أثرها بالكامل، حيث صعدت تكلفة تمويل إصدار السندات والصكوك الخليجية بنسبة لامست 50 في المائة منتصف أبريل مقارنة بقاع مارس قبل أن يكتشف المستثمرون عدم تأثر السوق الخليجية بأوضاع السوق الأمريكية.
يذكر أن أسواق الدخل الثابت العالمية تعرضت خلال العام الماضي لصدمات عدة أتت جميعها في وقت واحد. وتمثلت النتيجة في انهيار أسعار السندات وعمليات بيع لم تشاهد منذ أكثر من 20 عاما.
وتعامل مديرو الصناديق الدوليون مع أحداث 2022 عبر توفير النقد، من أجل السحوبات، وتجاهلوا الفرص الذهبية التي توافرت لهم عبر شراء السندات المسعرة بخصم كبير.
وتمحورت نصيحة مديري الصناديق عند ظهور الأزمات في التركيز على أساسيات جهات الإصدار وعدم تجاهلها. مع أن الطلب الوقتي على السيولة قد يقود إلى تسييل الأصول الجيدة بسعر منخفض جدا.
واستند رصد “الاقتصادية” إلى الدراسة البحثية عن إدارة الدخل الثابت لبنك أبوظبي الأول وكذلك منصة “ريد”، المتخصصة في التحليلات المتعمقة عن أدوات الدخل الثابت في الأسواق الناشئة.
وارتكزت البيانات على ما تم إصداره من أدوات دين، بغض النظر عن نوع العملة التي تم إغلاق الإصدار الأصلي بها.
أهمية مراجع التسعير
تولي جهات الإصدار السعودية أهمية بالغة لحركة مراجع التسعير نظرا إلى تزايد الاعتماد عليها في التسعير، فضلا عن إيجابيات جذب سيولة خارجية أجنبية لمصلحة الأنشطة التوسعية لاستثمارات تلك الشركات في الاقتصاد الوطني.
تظهر تلك التطورات في أسواق الدين الخليجية أثر علاقة ربط العملات بالدولار الذي يقود إلى تفضيل جهات الإصدار هذه العملة التي تحتضن أضخم وأعمق أسواق الدخل الثابتة في العالم، وكيف تؤثر الأحداث الاقتصادية في الأراضي الأمريكية، التي تنعكس على عوائد سندات الخزانة، على الجوانب التسعيرية للمصدرين الخليجيين.
وفي الوقت الذي تستعين فيه الشركات بمؤشر “متوسط عقود المبادلة” mid-swap مع الإصدارات الدولارية، تقوم بعض جهات الإصدار السيادية باللجوء إلى مؤشر “عوائد سندات الخزانة” الأمريكية. وذلك وفقا لأجل الاستحقاق الذي يتم اختياره مع كل إصدار.
يتم تسعير معظم أدوات الدين السيادية عبر الاستعانة بمؤشر قياس وهو عوائد سندات الخزانة الأمريكية، حيث تدخل عوائد تلك السندات مع المنظومة التسعيرية لأدوات الدين السيادية، فعندما تبدأ عملية بناء الأوامر الخاصة بالإصدار، يلتفت المستثمرون إلى عاملين، أولهما هوامش الائتمان spreads الخاصة بجهة الإصدار، وثانيهما معدلات مؤشر القياس، وذلك وفقا لآجال الاستحقاق المستهدفة.
وعندما يتم دمج هذه الأرقام أي “هوامش الائتمان” مع “مؤشر القياس” يتم الحصول على العائد النهائي المعروف بـyield عندما يغلق الإصدار، مع العلم بأن هوامش الائتمان تمر بثلاث جولات للأسعار الاسترشادية قبل أن يتم تقليص تلك الأرقام مع كل جولة، وذلك بحسب حجم إقبال المستثمرين على الإصدار.
الأسواق الناشئة
أدت تحركات الاحتياطي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة في محاولة منه لترويض التضخم المرتفع إلى ارتفاع سعر صرف الدولار. زاد هذا من الضغط على اقتصادات الأسواق الناشئة التي يتعين عليها سداد ديونها المقومة بالدولار، في حين إن تشديد الأوضاع المالية يلحق الضرر بالدول النامية التي تعاني بالفعل نقصا في الأموال.
قال روبرتسون لصحيفة “فاينانشيال تايمز”، “الأسواق الناشئة لا تحب أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة ولا تحب أن يرتفع الدولار أيضا”، مضيفا أنه “عندما يحدث ذلك، فإنها تعد أخبارا سيئة للدول التي تحتاج إلى رأس المال، فنحن لم نشهد ارتفاعا في الأسعار كما يحدث الآن منذ 30 عاما تقريبا”.
المستثمرون المضاربون
تتطلع جهات الإصدار لأن تستقر إصداراتها في محافظ المستثمرين طويلة الأجل، حيث إن هناك المستثمرين المضاربين الذين يتنقلون بين الأوراق المالية المطروحة حديثا، ويتميزون بكونهم يجنون أرباحا سريعة خلال الأيام الأولى من التداولات في السوق الرمادية ومن ثم الثانوية.
وبخلاف المضاربين هناك جزء من المستثمرين ممن يحصلون على نسبة سندات أكثر مما كانوا يرغبون فيها over-allocation خلال مرحلة الاكتتاب.
وعليه يقوم مديرو المحافظ هؤلاء “بإحداث ضغوطات على السوق الثانوية” عبر بيع فائض تلك السندات في السوق الثانوية.
في حين قد تأتي الضغوط البيعية في السوق الثانوية من المستثمرين الذين حصلوا على حصص صغيرة من تلك الإصدارات، بحيث يصعب عليهم تحقيق عائد مقبول على محافظهم under-allocate. ولذلك يقررون تسييل تلك السندات.
فبعض الأحيان تكون هناك مبيعات في أسواق الدخل الثابت، غير أن هذه المبيعات تكون متركزة على أدوات الدين “ذات التصنيف الائتماني المرتفع”.
والسبب في ذلك لا يرجع إلى توهم في الأساسيات الاقتصادية بل لكون عمليات البيع تركزت من شركات إدارات الأصول العالمية “التي تستثمر بأحجام كبيرة” نظرا لطلبات التخارج التي تنهال، مع الازمات، على معظم صناديق الدخل الثابت التي يديرونها.
وأن الأستراتيجية الأولية لتلك الصناديق كانت عدم التفريط في تلك الأوراق المالية، التي تعد بعضها بمنزلة الملاذات الآمنة في الأسواق الناشئة، لولا “انعدام السيولة” التي حدثت لسندات الدول ذات التصنيف المتدني، التي يكون حجم إصدارها صغيرا، الذي على إثره لم تستطع تلك الصناديق تسييل تلك الأصول بسبب عدم وجود مشترين في السوق الثانوية.
معلوم أن المستثمرين في سوق الدخل الثابت وكذلك شركات إدارة الأصول يستعينون بتلك المؤشرات من أجل مقارنة أداء أدوات الدين بأداء مؤشر لبلد ما أو منطقة جغرافية محددة. ومن المتعارف عليه مع شركات إدارات الأصول، فإن هناك مؤشر قياس لكل فئة من الأصول الاستثمارية، لكي يقيس مدير الصندوق الأداء السنوي للصندوق مع مؤشر القياس الذي يسترشد به. والغاية من ذلك تكمن في مساعدة المستثمر في تلك الصناديق على قياس أرباح أو خسائر الصندوق وفقا لمؤشر قياس يعتد به.
إضافة إلى ذلك، يقوم العاملون في أسواق الدين بتسعير السندات والصكوك ارتكازا على “نقاط الأساس” المنبثقة من هوامش الائتمان لجهة الإصدار وكذلك “مؤشر القياس” الذي يستعان به. وتترجم نقاط الأساس تلك إلى عشرات أو مئات الملايين من الدولارات -وفقا لإجمالي حجم كل إصدار- التي تدفعها جهات الإصدار على شكل أرباح دورية للمستثمرين. وعليه فالانخفاضات الملحوظة حاليا على منحنى العائد السيادي للسعودية تعد إيجابية لخزانة الدولة وإصداراتها المستقبلية.
أهمية التصنيف
يعني تخفيض درجة التصنيف الائتماني بلغة مبسطة “سواء للحكومات أو للشركات” أن تكلفة جمع أموال من الأسواق “سواء المحلية أو الدولية” قد أصبحت مرتفعة عن ذي قبل، والأمر نفسه ينطبق على مسألة الديون القائمة الي قد يعاد تمويلها عندما يحين أجل سدادها. لكن مسألة “القدرة على الاستدانة” بتكلفة “يسيرة” تصبح أكثر تعقيدا مع تذبذبات الأسواق الحالية، وعدد محدود من الدول التي تستطيع الاقتراض بتكلفة متدنية على خزانة الدولة.
في حين يعني فقدان بعض الدول تصنيفاتها الاستثمارية “التي تبدأ من AAA إلى BBB-” إلى درجات التصنيف غير الاستثمارية أو الخردة “التي تبدأ من BB+ إلى B-” أن بعض المستثمرين، من شركات إدارات الأصول، سيتخلون عن تلك الأوراق المالية بشكل فوري بسبب قيود السياسة الاستثمارية التي يتبعونها مع الصناديق التي يديرونها.
ووجدت دول عدة في الأسواق الناشئة نفسها في مواقف صعبة بعد أن تفوقت الاقتصادات المتقدمة بإيجاد حزم مساعدات تحفيزية لاقتصاداتها المحلية من أجل مكافحة تبعات جائحة كوفيد – 19، حيث كان التباين واضحا من الأسواق الناشئة، فبعض الدول تفضل أن تتعثر في سداد مديونياتها للمستثمرين الدوليين بحجة توفير تلك الدفعات الدورية للاقتصاد المحلي لمواجهة تبعات جائحة كورونا، وأخرى طلبت من المؤسسات الدولية “صندوق النقد والبنك الدولي” إيجاد حل لديونها الدولية عبر تجميد تسديدها للدائنين.
بعض الدول تعثرت قبل جائحة كورونا مثل فنزويلا ولبنان والأرجنتين والأخرى يتوقع لها أن تتعثر قريبا بحكم تآكل احتياطاتها المالية وانهيار أسعار سنداتها في الأسواق الثانوية وعدم توافر احتياطات كافية من النقد الأجنبي كبعض بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
في حين يخشى البعض من الاستدانة من أسواق الدين المحلية الخاصة بهم لكيلا تتأثر سيولة القطاع المصرفي. أما الدول التي لديها تصنيف من الدرجة الاستثمارية “لكن عند المستوى الأدنى” فقد استدانت من السوق الدولية، لكن اضطرت إلى دفع علاوة سعرية باهظة. في حين تتوافر خيارات واسعة لعدد قليل من اقتصادات الأسواق الناشئة التي تعد بمنزلة الملاذات الآمنة.
كسب جهات إصدار لمصلحة البنوك
جرت العادة أن تحصل البنوك التي ترتب إصدارات السندات والصكوك في منطقة الخليج على رسوم نجاح إغلاق الإصدار.
وتتباين تلك الرسوم بحسب مكانة وسمعة العميل، فقد تصل تلك الرسوم ما بين عشرات الآلاف من الدولارات إلى نحو مليون دولار لكل مدير من مديري الدفاتر، في حال كانت جهة الإصدار متميزة وذات مكانة ائتمانية عالية. وقد تقوم البنوك الاستثمارية بالتضحية برسوم ترتيب الإصدارات من أجل ما هو أمل أن تكافئها تلك الشركات المتميزة بتفويضات في المستقبل لمعاملات في أسواق المال وأنشطة مصرفية أخرى مثل خدمات الصرف الأجنبي والاستثمار.
يعد الحديث عن رسوم الإصدار التي تتقاضاها البنوك الاستثمارية من الأمور التي يمكن وصفها بالصندوق الأسود، حيث تتباين تلك الرسوم وفقا للمنطقة الجغرافية وكذلك حجم الطلب والعرض وقوة المتانة الائتمانية للجهة المصدرة وحجم مبلغ الإصدار وما إذا كان هذا الإصدار عاما أو خاصا. فمسألة إعداد جهة ما إصدار صكوك دولارية تشتمل على التعاقد مع بنوك مرتبة للإصدار وثلاث شركات قانونية وإنشاء شركة غرض خاص والتعاقد مع وكالة تصنيف ائتماني “أو أكثر”.
وفي السعودية تتباين رسوم الإصدار وفقا لعملة أدوات الدين المراد إصدارها. حتى رسوم المستشارين القانونيين تتباين وفقا لهيكلة الصكوك المستخدمة. والأمر نفسه ينطبق على منتجات شركات التصنيف الائتماني التي تتطلب التدقيق جيدا في المنتج الائتماني الذي يتوافق مع احتياجات جهات الإصدار.
أهمية آلية الطرح الخاص
يقصد بالإصدارات الخاصة Private Placement تلك التي يقوم بها البنك المرتب لإصدار الصكوك، عبر اختيار مستثمرين معينين من أجل الاستثمار في أوراق مالية معينة لجهة الإصدار.
وهذه الإصدارات لها تشريعات محددة من قبل هيئة الأوراق المالية لكل دولة. ومع ذلك النوع من الإصدارات يتم البيع لأكثر من أربعة أو عشرة مستثمرين.
وهذه النوعية من الإصدارات لا تطرح للجمهور، ولا يسمح بإعلانها. ولا يتم تسجيل تلك الإصدارات أو حتى كشف تفاصيلها الفنية.
وتتميز الطروحات الخاصة للصكوك بعدة مزايا مثل: أحجام تلك الإصدارات تكون صغيرة ومكونة من عدة شرائح، فضلا عن ميزة الإصدار السريع منخفض التكلفة وعدم اضطرار جهة الإصدار إلى كشف بياناتها المالية للعامة.
القروض مقابل أدوات الدين
لطالما شكلت مسألة تفضيل الاقتراض عبر “القروض المصرفية” أو عن طريق طرق باب “أسواق الدين” جدلا بين مديري الخزانة -في الشركات السعودية والخليجية- حيث إن الخيار الأفضل يعتمد على ظروف السوق. فمثلا اللجوء إلى أدوات الدين “في 2019” كان يمنح المصدرين السعوديين والخليجيين ميزة تسعيرية منخفضة التكلفة.
وكذلك كان يمنحهم أفضلية إطالة آجال الاستحقاقات لتصل إلى أكثر من عشرة أعوام مقارنة بالقروض المجمعة التي تصل معظم آجالها في السعودية إلى عام واحد أو عامين أو بالكثير ثلاثة إلى خمسة أعوام، في حال كان القرض المجمع مقوما بالعملة الدولارية.
ويعود سبب عدم قدرة معظم البنوك على تقديم قروض بآجال استحقاق أطول إلى القيود التنظيمية التي فرضتها المعايير الدولية للمحاسبة والمراجعة IFRS، ولا سيما من المعيار التاسع الذي يتطرق إلى المعالجة المحاسبية الخاصة بالقروض وكيفية التطرق إلى المخاطر الناجمة عنها.
وحدة التقارير الاقتصادية
Source link