عالمي

ضرائب الخدمات الرقمية تشعل مواجهة ترمب مع العالم

عادت ضرائب الخدمات الرقمية التي تستهدف إيرادات شركات التكنولوجيا الكبرى لتكون نقطة اشتعال جديدة في مساعي الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى إعادة كتابة قواعد التجارة العالمية.

كثيراً ما جادل ترمب بأن هذه الضرائب تنطوي على تمييز ضد عمالقة التكنولوجيا الأميركيين مثل “أمازون” و”غوغل” المملوكة لشركة “ألفابت” و”فيسبوك” المملوكة لشركة “ميتا”. وخلال ولايته الأولى، هدد ترمب بفرض رسوم جمركية لمعاقبة الدول التي تفرض ضرائب رقمية، ومع عودته إلى البيت الأبيض، تصاعدت التوترات مجدداً حول من يملك الحق في فرض الضرائب على كبرى الشركات في العالم، وكيفية ذلك.

في يونيو (حزيران) الماضي، قررت كندا التراجع عن فرض ضريبتها الرقمية قبل ساعات وحسب من دخولها حيز التنفيذ في محاولة لتسهيل المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة، وكان ترمب قد أعلن إنهاء المحادثات رداً على ما وصفه بضريبة “فاضحة”.

وفي أغسطس (آب) الجاري صرح ترمب بأنه وضع الدول التي تفرض ضرائب رقمية وقوانين ولوائح تنظيمية ذات صلة “تحت الإنذار”، متوعداً بفرض رسوم جمركية إضافية “كبيرة” إضافة إلى قيود على تصدير التكنولوجيا الأميركية المتقدمة وأشباه الموصلات، ما لم تتوقف هذه “الإجراءات التمييزية”.

ما ضرائب الخدمات الرقمية؟

تفرض ضرائب الخدمات الرقمية على الإيرادات التي تحققها شركات التكنولوجيا من المستخدمين في بلد معين، من أنشطة مثل الإعلانات الرقمية الموجهة، البث عبر الإنترنت، وبيع البيانات.

تأخذ هذه الضرائب صوراً مختلفة وفقاً لمعايير وضوابط متباينة، وكانت فرنسا من أوائل الدول التي طبقت ضريبة على الخدمات الرقمية، إذ فرضت في 2019 رسماً بنسبة ثلاثة في المئة على إيرادات الإعلانات الرقمية وغيرها من الخدمات للشركات التي تتجاوز إيراداتها السنوية 750 مليون يورو (873 مليون دولار) على مستوى العالم، و25 مليون يورو في فرنسا، ثم تبعتها دول أوروبية أخرى مثل إيطاليا والنمسا وإسبانيا والمملكة المتحدة.

أما كندا فكانت متأخرة نسبياً، فقد تم إقرار ضريبتها في عام 2024 خلال ولاية رئيس الوزراء جاستن ترودو، وكان من المقرر بدء تطبيقها في الـ30 من يونيو (حزيران) هذا العام، بحيث تدفع الشركات ثلاثة في المئة من إيراداتها الرقمية المتولدة من المستخدمين الكنديين إذا تجاوزت 20 مليون دولار كندي (14.4 مليون دولار أميركي) في السنة.

لماذا فرضت الدول ضرائب الخدمات الرقمية؟

الاقتصاد العالمي يتجه أكثر فأكثر نحو الرقمنة، ويعتمد على تدفقات البيانات، لكن الشركات التي تقدم الخدمات غالباً لا تمتلك وجوداً مادياً في كل دولة تعمل فيها.

لذا أصبح فرض الضرائب بناءً على الوجود المادي طريقة غير فعالة لضمان أن تتناسب الفواتير الضريبية لشركات التكنولوجيا مع القيمة التي تجنيها من العملاء المحليين.

تصاعد الضغط لمعالجة ما اعتبر ظلماً في النظم الضريبية بعد الأزمة المالية العالمية في 2008، عندما أثارت عمليات إنقاذ البنوك موجة غضب عام دفعت إلى مكافحة التهرب الضريبي.

ومنذ أعوام تعمل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وهي ناد يضم 38 دولة معظمها غنية على صياغة حل لإعادة كتابة قواعد تقاسم الحقوق الضريبية بين الدول. وتستضيف المنظمة مفاوضات مع أكثر من 140 دولة لتكييف النظام الضريبي الدولي.

لكن التقدم كان بطيئاً وغالباً ما تعرقل بسبب توترات تجارية متجددة، وإزاء هذا الجمود، بدأت الدول الأوروبية بفرض ضرائب على الخدمات الرقمية كحل موقت، على رغم إدراكها جدلية فرض ضرائب على الإيرادات بدلاً من الأرباح.

كيف ردت الولايات المتحدة على هذه الضرائب؟

تؤكد واشنطن أن ضرائب الخدمات الرقمية ليست مسألة عدالة بقدر ما هي محاولة لإضعاف شركات التكنولوجيا الأميركية.

في 2020، أعلنت إدارة ترمب الأولى خططاً لفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المئة على سلع مستوردة من فرنسا مثل مستحضرات التجميل والصابون والحقائب.

لكن علقت هذه الرسوم في انتظار المفاوضات، وتوصلت الولايات المتحدة لاحقاً إلى اتفاق هدنة مع حكومات أوروبية عدة، منها فرنسا، وبموجب هذا الاتفاق، جمدت واشنطن رسومها العقابية بينما وافقت هذه الدول فعلياً على إعادة أية ضرائب تزيد على ما ستدفعه الشركات بعد تطبيق النظام الضريبي العالمي تحت إشراف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

ومباشرة بعد عودة ترمب إلى الرئاسة هذا العام، أمر بإعادة فتح التحقيقات المعروفة بـ”المادة 301″ ضد الدول التي تفرض ضرائب على الخدمات الرقمية، إضافة إلى التحقيق مع دول أخرى أقرت مثل هذه الضرائب لاحقاً. وتعتبر هذه التحقيقات أرضية لتبرير رد أميركي على ممارسات تراها واشنطن غير عادلة، مثل فرض رسوم جمركية.

وأمر ترمب وزارة الخزانة الأميركية بإبلاغ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأن أية التزامات سابقة قدمتها الولايات المتحدة في مفاوضاتها الضريبية أصبحت لاغية.

كيف ردت الدول التي تفرض الضرائب على هجمات ترمب؟

بينما تراجعت كندا، تمسكت المملكة المتحدة والدول الأوروبية بمواقفها حتى الآن، فعندما وقعت الولايات المتحدة اتفاقاً تجارياً مع بريطانيا في مايو (أيار) الماضي، أعربت في بيان عن “خيبة أملها” لرفض الحكومة البريطانية سحب ضريبة الخدمات الرقمية.

وكان وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت قد أكد سابقاً أن هذه الضرائب تمثل نقطة خلاف رئيسة في المحادثات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، لكن قدرة الاتحاد على تقديم تنازلات معقدة لأن فرض الضرائب من صلاحيات الدول الأعضاء، بينما التجارة تدار عبر المفوضية الأوروبية في بروكسل.

الاتحاد الأوروبي نفسه لا يفرض ضريبة خدمات رقمية، إذ فشلت خطط فرض ضريبة على مستوى التكتل مرات عدة بسبب معارضة دول أكثر انفتاحاً على التكنولوجيا مثل إيرلندا والسويد والدنمارك، وتم تعليقها بانتظار اتفاق دولي عبر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع ذلك، اتفق الاتحاد والولايات المتحدة في بيان مشترك حول اتفاقهما التجاري على “التصدي للعوائق غير المبررة أمام التجارة الرقمية”، بينما أوضح الاتحاد الأوروبي بصورة منفصلة أنه لا يلتزم تغيير أي من لوائحه الرقمية على مستوى التكتل، بما في ذلك قانون الخدمات الرقمية وقانون الأسواق الرقمية.

وفي فبراير (شباط) الماضي استبعدت الحكومة الفرنسية التراجع عن ضريبة الخدمات الرقمية لإرضاء ترمب، معتبرة أنها مصدر متنام للإيرادات في وقت تكافح فيه وزارة المالية للسيطرة على عجز الموازنة، وتتوقع الحكومة أن تدر الضريبة ما يقارب 775 مليون يورو هذا العام.

كيف يمكن نزع فتيل الخلاف حول ضرائب الخدمات الرقمية؟

ستعيد التوترات الجديدة التركيز على جهود منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وقد تعهدت دول مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا بإلغاء ضرائبها الرقمية إذا تم التوصل إلى اتفاق دولي في شأن كيفية توزيع أرباح الشركات متعددة الجنسيات لأغراض ضريبية.

لكن العقبات أمام إبرام اتفاق كبيرة، إذ يجب إعادة كتابة كثير من المعاهدات، كذلك فإن الولايات المتحدة قد تخسر بعض حقوقها الضريبية لمصلحة الدول التي تعمل فيها شركاتها الكبرى.

مع ذلك، سبق أن أعربت شركات التكنولوجيا العالمية عن دعمها لمبادرة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية كوسيلة لتفادي تزايد النظم الضريبية المختلفة حول العالم.

علاوة على ذلك، وكجزء من الجهود للتوصل إلى اتفاق منفصل في شأن الحد الأدنى العالمي لضريبة الشركات، وافقت الولايات المتحدة في يونيو الماضي ضمن بيان لمجموعة السبع على دعم “حوار بناء حول ضرائب الاقتصاد الرقمي”.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى