عالمي

صدمة قوية تنتظر سوق العمل الأميركية: حالات تسريح وركود يلوح في الأفق

أكد تقرير الوظائف ليوليو (تموز) الماضي والمراجعات التنازلية التي رافقته، ما حذرت منه البيانات والمتخصصون في الشأن الاقتصادي منذ بضعة أشهر، إذ إن سوق العمل الأميركية تشهد حال ضعف وركود، إلا أن هذا الإدراك كان بمثابة صدمة قوية وأثار دراما لامنهجية في هذه العملية.

وكان عدد الوظائف المقدر إضافتها خلال الشهر، 73 ألف وظيفة، أقل بكثير من صافي الزيادة المتوقع البالغ نحو 115 ألف وظيفة، ونصف حجم العدد الأولي لشهر يونيو (حزيران) الماضي، أما بالنسبة إلى مكاسب مايو (أيار) ويونيو الماضيين فقد انخفضت بصورة كبيرة بمقدار ربع مليون وظيفة مجتمعة.

وبعد هذه المراجعات بلغ متوسط ​​الأشهر الثلاثة 35 ألف وظيفة، وباستثناء الخسائر الهائلة في الوظائف خلال بداية الجائحة فإن هذه تعتبر أبطأ وتيرة لخلق الوظائف منذ ما يقارب 15 عاماً، وفقاً لبيانات “مكتب إحصاءات العمل” الأميركي.

وفي نهاية المطاف أقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب مفوضة مكتب إحصاءات العمل إريكا ماكينتارفر، مدعياً من دون دليل أنها تلاعبت بالأرقام لأغراض سياسية،

ومن المتوقع أن يقدم تقرير الوظائف الصادر الجمعة عن أغسطس (آب) الماضي مزيداً من الوضوح والضرورة في شأن صحة سوق العمل في البلاد، وهو حجر الأساس للمستهلك والاقتصاد الأميركي.

انكماش القوى العاملة وثبات معدل البطالة

ووفقاً لموقع “فاكت ست” فإن محللي الاقتصاد يجمعون على أن الزيادة المتوقعة في الرواتب خلال أغسطس الماضي ستبلغ 80 ألف وظيفة، فيما تشير التقديرات إلى أنه من المتوقع أن يظل معدل البطالة ثابتاً عند 4.2 في المئة، وفي مذكرة بحثية حديثة قال كبير الاقتصاديين في شركة “إليانز تريد” لأميركا الشمالية دان نورث “نشهد بالتأكيد تباطؤاً ملاحظاً في سوق العمل”، فخلال يوليو الماضي أضاف الاقتصاد الأميركي نحو 85300 وظيفة شهرياً، أما بالنسبة إلى الفترات المماثلة في أعوام 2024 و2023 و2022، فقد بلغ هذا العدد نحو 153300 و240500 و466850 وظيفة على التوالي، وكثيراً ما كان تباطؤ نمو الوظائف متوقعاً، فقد كانت سوق العمل في البلاد تتراجع من أعلى مستويات التوظيف التي حققها خلال فترة الجائحة، ومن المفترض أن تستقر في وضع طبيعي جديد.

ومع ذلك لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت بيئة العمل الحالية منخفضة التوظيف وقليلة الفصل، والتي تركت العمال وطالبي العمل مع فرص قليلة، تشكل جموداً مثيراً للقلق أو شيئاً أكثر هيكلية تماماً، وكتبت  كبيرة الإستراتيجيين العالميين في شركة “برينسيبال أسيت مانجمنت” سيما شاه أن “الارتفاع الطفيف في معدل البطالة المنخفض في يوليو يشير إلى أن عرض العمالة قد تباطأ تزامناً مع الطلب عليها، مما يبقي السوق ككل في حال توازن غريبة”، مضيفة أنه “على هذا النحو قد لا تشير أرقام الرواتب المخيبة للآمال إلى تدهور مباشر في سوق العمل، بل تعكس اقتصاداً يتطلب عدداً أقل من الوظائف الجديدة للحفاظ على مستويات توظيف مستقرة”.

ويتقلص عرض العمالة جزئياً بسبب شيخوخة القوى العاملة وانخفاض تدفقات الهجرة، ففي الوقت نفسه أدت سياسة التعرفات الجمركية المتقلبة التي تنتهجها إدارة ترمب إلى ضخ قدر كبير من عدم اليقين في الاقتصاد، ما أدى إلى شل خطط التوظيف لدى بعض الشركات.

من جهتها كتبت كبيرة الاقتصاديين في “نيرد واليت” إليزابيث رينتر أن “أصحاب العمل يشددون إنفاقهم لمواجهة حال عدم اليقين في التوقعات الاقتصادية”، وهذا يعني التراجع عن التوظيف الذي كان من الممكن أن يقوموا به لولا ذلك، وهذا يعني أيضاً التراجع عن تسريح العمال.

تسارع وتيرة تسريح العمال

أما ما تركته بيانات هذا الأسبوع فتشير إلى أسرع مؤشر لنشاط تسريح العمال، وقد ظلت طلبات إعانة البطالة للمرة الأولى ضمن نطاق ضيق منذ منتصف يونيو، ولا تزال أقل من مستواها في العام الماضي، مما يرسم “صورة متفائلة إلى حد ما” لسوق العمل، وفق ما كتبه المتخصص في الشأن الاقتصادي في “جي بي مورغان” أبييل راينهارت.

ومع ذلك استمرت بيانات طلبات الإعانة المستمرة في الارتفاع لتصل إلى أعلى مستوياتها خلال أربعة أعوام  تقريباً، وهو ما يشير إلى صعوبة حصول العاطلين من العمل على وظائف، وقد تعزز ذلك في وقت سابق من هذا الأسبوع مع أحدث بيانات مسح الوظائف الشاغرة ودوران العمالة، ففي نهاية يوليو الماضي، وللمرة الأولى منذ أكثر من أربعة أعوام، كان عدد الوظائف الشاغرة أقل من عدد الباحثين عن عمل، وفقاً لبيانات “مكتب إحصاءات العمل”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي الوقت نفسه أظهر تقرير “جي أو تي إل تي إس” ليوليو الماضي أن التعيينات والاستقالات والتسريحات لم تتغير كثيراً، ومع ذلك فهناك بعض المؤشرات على احتمال انتعاش نشاط تسريح العمال خلال الأشهر المقبلة، وفي أغسطس الماضي أعلن أصحاب العمل في الولايات المتحدة خططاً لتسريح 85979 موظفاً بزيادة عن 62075 موظفاً أعلن عنهم في يوليو 2025، وفقاً لأحدث تقرير لتتبع تسريحات الوظائف صادر عن شركة “تشالنغر”.

ووفقاً للإحصاءات فقد كان أغسطس الماضي هو الأسوأ منذ الركود الكبير من حيث إعلانات تسريح العمال، وكتب نائب الرئيس الأول لشركة “تشالنغر” أندرو تشالنغر أنه “بعد تأثير خفض كفاءة الحكومة على الحكومة الفيدرالية، يشير أصحاب العمل إلى العوامل الاقتصادية والسوقية كمحرك لعمليات تسريح العمال، كما شهدنا ارتفاعاً حاداً في عمليات تسريح العمال بسبب إغلاق العمليات أو المتاجر وحالات الإفلاس هذا العام مقارنة بالعام الماضي”.

الشركات الصغيرة في مأزق صعب

وتشير البيانات الحديثة إلى تراجع البيانات الاقتصادية باستمرار، ولا سيما مع توافر معلومات أكثر شمولاً لتوفير صورة أوضح وأكثر دقة للديناميكيات المؤثرة، وخلال فترات التحولات الاقتصادية، عادة ما تكون المراجعات أكثر ضخامة بصورة أو أخرى، وفقاً لما صرح به مفوض “مكتب إحصاءات العمل” خلال ولاية ترمب الأولى ويليام بيتش، قائلاً “لقد شهدنا هذا النمط من قبل حين كانت المراجعات التنازلية كبيرة نسبياً عندما يتباطأ الاقتصاد، والمراجعات التصاعدية كبيرة نسبياً عندما يستعيد الاقتصاد نموه”، موضحاً أن جزءاً من المراجعات التنازلية الكبيرة خلال مايو ويونيو 2025 يعزى على الأرجح لتأخر الشركات الصغيرة في الرد على الاستطلاع، “لأنها ببساطة مشغولة جداً بمحاولة البقاء على قيد الحياة”.

وقال بيتش إن جزءاً كبيراً من المراجعة يعود لعوامل التعديل الموسمية التي تعيّن تغييرها نظراً لانخفاض غير معتاد في التوظيف بالتعليم على مستوى الولايات والقطاعات المحلية، أما بالنسبة إلى يوليو2025 فهناك ارتباط ضعيف بين مراجعة الشهر الجاري والأشهر السابقة، مما يشير إلى احتمال حدوث مراجعة هبوطية أخرى، وفقاً لما كتبه كبير الاقتصاديين في “مركز البحوث الاقتصادية والسياسية” دين بيكر.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى