الكشف عن آلاف اشتروا جوازات السفر الذهبية من دومينيكا بمليار دولار
باعت دولة دومينيكا الكاريبية جنسيتها لآلاف الأفراد، من بينهم رئيس وكالة تجسس أفغاني سابق، ومليونير تركي مدان بالاحتيال، وعقيد ليبي سابق في عهد معمر القذافي، بحسب ما توصل إليه أول فحص تفصيلي لبرنامج “جوازات السفر الذهبية” المثير للجدل في البلاد. في تحقيق أجرته صحيفة “الغارديان” و14 منظمة إخبارية دولية أخرى، بالشراكة مع مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP).
ونجح برنامج جوازات السفر الذهبية في دومينيكا، أحد أكبر البرامج في العالم، وفقاً للإعلانات الرسمية، في جمع أكثر من 822 مليون جنيه استرليني (مليار دولار أميركي) من خلال برنامج الجنسية عن طريق الاستثمار منذ عام 2009.
جوازات سفر هذه الدولة مطلوبة في جميع أنحاء العالم، وتضمن سلسلة من الاتفاقات الدولية لمواطنيها السفر من دون تأشيرة إلى 140 دولة، بما في ذلك معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك تقول الصحيفة إنه حتى الآن كان من الصعب الحصول على أسماء الأفراد الذين دفعوا ثمناً لا يقل عن 82 ألف جنيه استرليني (100 ألف دولار أميركي) للشخص الواحد للحصول على جنسية الدومينيكا، من دون أن تطأ أقدامهم الجزيرة في كثير من الحالات.
ومن خلال العمل مع مشروع محاسبة الحكومة، وهي مجموعة مناصرة مقرها الولايات المتحدة قامت بتفتيش الأرشيفات والمكتبات في جميع أنحاء منطقة البحر الكاريبي بحثاً عن نسخ من الوثائق العامة الرسمية، ومن خلال مراجعة المواد المسربة تمكن المشروع من تجميع قوائم بأسماء الآلاف من الأشخاص الذين أصبحوا المواطنين.
الإيرانيون والصينيون والروس أكثر المجنسين
ويظهر أول إحصاء على الإطلاق للأسماء منشور في الجريدة الرسمية لحكومة دومينيكا أن الجزيرة يبلغ عدد سكانها ما يزيد قليلاً على 70 ألف نسمة منحت الجنسية لـ7700 فرد منذ عام 2007، على رغم أن أبحاث الصحيفة تشير إلى أنه قد يكون هناك آلاف آخرون، وجنس بعضهم عن طريق الهجرة أو الزواج، لكن الغالبية العظمى اشترت جنسيتها.
وتتمتع أية حكومة بالحق القانوني في وضع معاييرها الخاصة في شأن من يصبح مواطناً، وبالنسبة إلى عديد من الأشخاص الذين يعيشون في ظل أنظمة قمعية، يمكن للجنسية الثانية أن توفر الأمن، وكانت الأسماء التي يبدو أنها من الأصل الإيراني والصيني والروسي من بين أكبر مجموعات الأشخاص الذين أصبحوا مواطنين.
وبالنسبة إلى الأفراد من هذه البلدان، يمكن أن يعني جواز سفر دومينيكاً أيضاً إجراءات روتينية أقل عند عبور الحدود أو ممارسة الأعمال التجارية أو فتح حساب مصرفي في الخارج.
وتقول “الغارديان” إن بعض النتائج تثير تساؤلات حول شفافية النظام وإدارته، وبعضها قد يكون محرجاً لدومينيكا، وتشير إلى أن أحد المشترين كان اتهم علناً بارتكاب جرائم حرب قبل حصوله على الجنسية، بينما كان آخر عقيداً ومسؤولاً أمنياً كبيراً في عهد معمر القذافي.
وبحسب الصحيفة يحظر المتقدمون للحصول على الجنسية عن طريق الاستثمار إذا كان لديهم سجل جنائي، ولكن في أحد الأمثلة يبدو أن المشتري سجن بتهمة الاحتيال قبل أن يحصل على الجنسية، فيما واجه آخرون مشكلات منذ حصولهم على جنسية الدومينيكا، بما في ذلك شخص مدرج على القائمة الحمراء للإنتربول للمطلوبين.
أصبحت دومينيكا تعتمد بشكل كبير على بيع الجنسية لتمويل خدماتها العامة، إذ يمثل مصدر الدخل هذا نحو نصف إجمالي الإيرادات الحكومية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حين أدت المخاوف في شأن برنامج التجنيس إلى عواقب على الدومينيكان المولودين طبيعياً، أوقفت حكومة المملكة المتحدة في يوليو (تموز) السفر من دون تأشيرة من دومينيكا وأربع دول أخرى.
ولم تستجب حكومة دومينيكا لطلبات مفصلة للتعليق من الصحيفة. ومع ذلك دافع رئيس الوزراء روزفلت سكيريت، الذي أشرف على التوسع في مبيعات الجنسية منذ توليه منصبه في عام 2004، عن البرنامج خلال مؤتمرين صحافيين عقدا في الـ18 من سبتمبر (أيلول) الماضي والثالث من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، رداً على هذا التحقيق على ما يبدو.
وقال سكيريت “لقد أعلنا أن لدينا نظاماً قوياً نمر به في مستويات مختلفة من العناية الواجبة، وإذا أصبح شخص ما مواطناً اليوم وصباح الغد فإنه يذهب ويفعل شيئاً ويجد نفسه في مشكلة مع القانون، لا يمكنك إلقاء اللوم على البرنامج في ذلك”.
وقارن سكيريت برنامج دومينيكا بالبطاقة الخضراء الأميركية، التي تمنح حقوق الإقامة الدائمة، قائلاً “لا أحد يلوم الولايات المتحدة عندما يرتكب الناس جرائم بعد أن تمنحهم الإقامة”.
وتقول الصحيفة إن سكيريت قدم سلسلة من الادعاءات الغريبة والكاذبة بأن الصحافيين العاملين في التحقيق تلقوا أموالاً من سياسيين معارضين في دومينيكا لمحاولة “تدمير” البرنامج، وشبه المراسلين بمشعلي الحرائق و”الإرهابيين”.
ويوجد أرشيف دومينيكا الوطني في هيكل خرساني حديث، يقع بين المباني الاستعمارية المطلية بألوان الباستيل في بلدة روسو الصغيرة، عاصمة الجزيرة، وهناك يمكن العثور على الإصدارات المتسلسلة من الجريدة الرسمية لدومينيكا الأسبوعية.
وتعتبر الجريدة هي المصدر العام الرسمي الوحيد للمعلومات حول آلاف الأفراد الذين أصبحوا مواطنين دومينيكانيين، فيما لا تنشر المعلومات التي تحتوي عليها الجريدة إلا على الورق، من دون نسخ رقمية رسمية.
وفي العام الماضي اتخذ مشروع محاسبة الحكومة إجراءات لتحسين الشفافية، واطلعت الصحيفة على عشرات الصحف من المكتبات والمجموعات الخاصة ومن جامعة جزر الهند الغربية في جامايكا، وأعدت قائمة بأسماء كل مواطن متجنس منذ عام 2007 إلى عام 2022، وعثر على أسماء أخرى في وثائق مسربة من أحد مطوري الفنادق المرخص لهم بقبول مشتري جوازات السفر كمستثمرين.
ومن بين الأسماء التي كشف عنها بحسب الصحيفة اسم أسد الله خالد، الذي شغل منصب حاكم إقليمين في أفغانستان، وكان رئيساً للاستخبارات في البلاد، ثم وزيراً للدفاع في الآونة الأخيرة. وشغل هذه المناصب الرفيعة خلال سنوات الاضطرابات التي أعقبت غزو الولايات المتحدة وحلفائها عام 2001، حتى تولت طالبان السلطة في عام 2021.
واتهم خالد من مسؤولين بريطانيين وكنديين بالمسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الادعاءات التي تم تداولها على نطاق واسع في عام 2012، بوجود غرفة تعذيب أسفل بيت الضيافة الخاص به، وحصل على الجنسية عام 2017، في وقت كانت هذه الادعاءات علنية بالفعل.
ولم تختبر الادعاءات ضد خالد في المحكمة قط، وكان قال في وقت سابق إنه لا يوجد دليل على مزاعم “مجرد دعاية”، في حين لم يستجب خالد لطلبات التعليق من الصحيفة.
وكان مستثمر آخر بحسب الصحيفة هناك هو ساسي ميلود ساسي جرادا، العقيد السابق في عهد نظام القذافي في ليبيا.
وحصل جرادا على الجنسية عام 2015، بعد فراره من ليبيا بعد الحرب الأهلية التي أطاحت القذافي قبل أن يعود، وفي مقابلة عبر الهاتف قال جرادا إنه على رغم أنه كان يعرف القذافي شخصياً منذ الستينيات فصاعداً، إلا أنه عندما تدربا في الجيش معاً لم يناقش السياسة معه. وقال إنه ترك الجيش عام 1989 برتبة عقيد، قبل أن يتولى إدارة الأمن الحكومي لمنشآت مثل البنوك والجامعات وحقول النفط حتى اندلاع الحرب الأهلية.
وبموجب لوائح الدومينيكان، يمنع المتقدمون للحصول على الجنسية عن طريق الاستثمار إذا كان لديهم سجل جنائي، ومع ذلك يبدو أن شخصاً واحداً تمكن من شراء الجنسية على رغم أنه كان مداناً بتهمة الاحتيال.
واشترى رجل الأعمال التركي والوزير السابق في الحكومة كافيت تشاغلار الجنسية في عام 2011، بعد سبع سنوات من الحكم عليه بالسجن وغرامة بتهمة الاحتيال في ما يتعلق ببنك “إنتربنك”، وهو البنك الذي كان يملكه حتى استحوذ عليه المنظمون الأتراك في عام 1999، وفي عام 2010، وذكرت صحيفة “حريت” التركية أن الحكم تم مع وقف التنفيذ، وخفض إلى السجن لمدة عام وتسعة أشهر، إضافة إلى غرامة مالية.
وفي مقابلة عام 2019 قال تشاغلار إنه قضى تسعة أشهر ونصف في السجن، وإنه ليس مجرماً، وقال ممثل شركة الصحف التي يملكها تشاغلار أولاي إنه لا يرغب في التعليق عندما اتصلت به الصحيفة ومنظمة مؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP).
ويبدو أن آخرين واجهوا مشكلات بعد الحصول على جوازات سفرهم، وفق ما تقول الصحيفة والمنظمة.
أحد المستثمرين الذين واجهوا ادعاءات بارتكاب مخالفات منذ حصوله على الجنسية هو مهدي إبراهيمي عشرت آبادي، وهو إيراني مطلوب في إيران بتهمة الاحتيال المزعوم، وفقاً للنشرة الحمراء الصادرة عن الإنتربول.
وحصل عشرت آبادي، الذي يحمل أيضاً اسم توني نيومان، على الجنسية في عام 2015، ووصف محاميه إضافة إيران له إلى قائمة المطلوبين لدى الإنتربول في فبراير (شباط) 2020 بأنه “إساءة استخدام نظام النشرة الحمراء من الحكومة الإيرانية”. وقال المحامي إنه ينفي بشدة مزاعم النظام الإيراني ويدافع عن نفسه في الإجراءات الجنائية في إيران.
أيضاً حصل عدي نادر عبدالكريم القريشي، عراقي الجنسية، على جواز سفر الدومينيكا عام 2012، بحسب سجلات عقارية مسربة سابقاً في عام 2016، زعمت تقارير إعلامية أنه أثناء عمله كمهندس في شركة نفط مملوكة للدولة العراقية قبل رشاوى بين عامي 2009 و2011 لتوجيه عقود مربحة لعملاء شركة “أونا أويل”، وهي شركة خدمات نفطية، وفي العام التالي أصدر العراق مذكرة اعتقال في حقه في ما يتعلق بهذه المزاعم.
ونفى ارتكاب أية مخالفات، وقال إنه غادر العراق بسبب “مشكلات أمنية وعرقية” و”قبل وقت طويل من بدء هذه الأمور”، وقال عبر البريد الإلكتروني إنه سيسوي الأمر “بمجرد أن يصبح الوضع الأمني والوقت مناسبين”.
ويبدو أن كايل ديفيز، وهو لاعب رائد في مجال العملات المشفرة، حصل هو الآخر على جواز سفر دومينيكا في عام 2009، وكان شارك في تأسيس صندوق التحوط “ثري آروز كابيتال” في عام 2012، ومع ذلك انهار الصندوق في عام 2022، وهو واحد من سلسلة من الإخفاقات المالية الناجمة عن انهيار العملات المشفرة، مما ترك المستثمرين يطالبون بخسائر تقدر بمليارات الدولارات.
وقال تينيو، القائم على تصفية الصندوق، في بيان الشهر الماضي، إن سنغافورة أصدرت “أمرا إلزامياً” بالسجن لمدة أربعة أشهر في حق ديفيز لعدم تعاونه مع عملية التصفية، “لكن مكان وجوده لا يزال مجهولاً في هذه المرحلة الزمنية” وفق قول الصحيفة.
بيع الجنسية ومليار دولار من العائدات للدومينيكا
تضاعفت خطط جواز السفر والإقامة الذهبية في السنوات الأخيرة، ويعد برنامج دومينيكا واحداً من أرخص البرامج، إذ يتطلب التبرع المباشر بمبلغ 100 ألف دولار للحكومة أو استثمار 200 ألف دولار في مشروع عقاري معتمد من الحكومة.
وحصلت دومينيكا، وهي مستعمرة فرنسية ثم بريطانية سابقة، وتقع في شرق البحر الكاريبي، على استقلالها في عام 1978، ومنذ عام 1993، بدأت في بيع جنسيتها ولوحظ أن تلك المبيعات بدأت في الارتفاع فعلياً بعد عام 2015، عندما ضمنت معاهدة وقعت مع الاتحاد الأوروبي لمواطنيها السفر من دون تأشيرة في منطقة شنغن لمدة تصل إلى 90 يوماً في السنة.
ولطالما أعرب الناشطون والسياسيون في مجال مكافحة الفساد عن مخاوفهم في شأن أنظمة جواز السفر الذهبي.
وقالت قائدة الحملات في منظمة الشفافية الدولية، وهي هيئة رقابية لمكافحة الفساد إيكا روستوماشفيلي، “ليس سراً أن السفر من دون تأشيرة إلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة كان أحد نقاط البيع الرئيسة لبرامج الجنسية الكاريبية عن طريق الاستثمار. لقد واجه كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة نصيبهما العادل من المشكلات مع مثل هذه البرامج، مما دفع عديداً من دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة إلى إغلاق برامجها الخاصة بالكامل”.
وألغت المملكة المتحدة نظام التأشيرة الذهبية العام الماضي، بينما توقفت قبرص عن بيع الجنسية في عام 2020.
ومع ذلك يلعب جواز السفر الذهبي دوراً مركزياً في اقتصاد دومينيكا، ويقول قادة البلاد إن الأموال ضرورية لاستبدال صادرات الموز التي كانت مهيمنة في السابق، التي تضررت بسبب التغييرات في قواعد التجارة.
وأصبحت الإيرادات – التي تقدر بأكثر من مليار دولار منذ عام 2009 – المصدر الرئيس لدخل حكومة الدومينيكا، مما يساعد في تمويل المدارس والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات العامة.
وفي دفاعه عن البرنامج في المؤتمر الصحافي الذي عقد الشهر الماضي، قال سكيريت إنه “يضمن جزءاً كبيراً من التنمية الاقتصادية والاجتماعية” في الجزيرة، و”استخدامه لبناء آلاف المنازل، وتحسين الرعاية الصحية، والمساعدة في الأمن القومي، والمساعدة في تنويع وتنمية الاقتصاد وفي الزراعة والسياحة وبناء الفنادق”.