خليجي

أسعار السيارات المستعملة تصطدم بمقاومة المستهلكين .. هل تفقد السوق قوتها؟

في أواخر العام الماضي، امتلأ عديد من الصحف والمجلات والمواقع الاقتصادية بتقارير وتحليلات عن سوق السيارات المستعملة في العالم، كان جوهر النتيجة التي وصلت إليها تلك التحليلات انخفاض أسعار السيارات المستعملة في 2022، مع توقعات بأن تشهد السوق انتعاشا في 2023.
حتى الآن لم تتحقق تلك النتائج على المستوى العالمي، بل الأكثر إزعاجا للعاملين في هذا المجال أن المؤشرات الراهنة لا توحي بأن هذا سيتحقق على الأقل في النصف الأول من هذا العام، وربما يمتد الأمر إلى الربع الثالث من 2023.
ازدهرت أسواق السيارات المستعملة خلال جائحة كورونا، وفاق الطلب العرض، لأن المشترين بحثوا عن بدائل أكثر أمنا من وسائل النقل العام، ومع استبدال البعض سياراته المستعملة القديمة بأخرى حديثة، ارتفعت أسعار السيارات بصفة عامة، ومع دخول مشترين جدد إلى السوق مفضلين امتلاك سيارة خاصة على استخدام وسائل النقل العام، وفي الوقت ذاته لم يتمتعوا بقدرة شرائية مرتفعة، لم يكن أمامهم من بديل غير اقتناء السيارات المستعملة، ما أدى إلى انتعاش سوق السيارات المستعملة، انتشرت تلك الظاهرة في عديد من الاقتصادات المتقدمة والناشئة على حد سواء.
عامل آخر أسهم في انتعاش سوق السيارات المستعملة خلال فترة وباء كورونا، إذ أغلقت مصانع عديدة حول العالم أبوابها، نتيجة سياسات الإغلاق التي تبناها كثير من الدول خاصة الصين، وأدى ذلك إلى انخفاض الإمدادات من السيارات الجديدة، ومن ثم تكالب المستهلكون على المتاح في الأسواق من السيارات المستعملة التي ارتفعت أسعارها بشكل ملحوظ، وقد أدى ذلك إلى تحقيق أرباح كبيرة للتجار.
بتراجع وباء كورونا استعادت مصانع إنتاج السيارات قدراتها الإنتاجية، وبدأ الوضع في التغير، وشرعت أسواق السيارات المستعملة – بصفة عامة – في العمل على تصحيح الأوضاع السعرية.
لكن قبل المضي قدما لتقديم وجهة نظر مستقبلية لوضع سوق السيارات المستعملة على المستوى العالمي، علينا أن نبحث أولا في حجم هذه السوق وقوتها الاقتصادية.
من جانبه، قال لـ”الاقتصادية” أم. كريستوفر كبير المحللين الاقتصاديين في مجموعة “كاذو” لبيع السيارات، “من المتوقع أن يصل حجم سوق السيارات المستعملة وفقا لموقع جلوبال نيوز وير إلى 2.75 تريليون دولار بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 6.17 في المائة، وقدر حجم هذه السوق عام 2021 بـ1.50 تريليون دولار”.
وأضاف “السيارات المستعملة تباع من خلال قنوات مختلفة، والتكلفة المرتفعة للسيارات الجديدة تثني عديدا من المستهلكين عن شرائها، فالسيارات الجديدة ارتفعت أسعارها نتيجة الشح الدولي في الرقائق الإلكترونية التي تعد مكونا رئيسا في السيارات الحديثة، كما أن مخاوف البعض من عدم قدرته على تحمل المصروفات المتعلقة بالسيارات الجديدة، أسهمت في انتعاش أسواق السيارات المستعملة، وكثير من سكان المناطق الريفية في البلدان المتقدمة ونظرا إلى محدودية وسائل النقل العام يفضلون السيارات المستعملة نظرا إلى ارتفاع تكلفة السيارات الجديدة”.
لكن لماذا لم تستعد سوق السيارات المستعملة رونقها وقوتها منذ بداية العام حتى الآن؟ يعتقد الخبراء أن السبب يعود إلى عودة الناس إلى استخدام المواصلات العامة بعد تراجع جائحة كورونا، كما أن تراجع القدرة الشرائية في كثير من دول العالم خاصة في القارة الأوروبية نتيجة ارتفاع معدلات التضخم، يدفع المستهلكين إلى إعادة التفكير ليس فقط في شراء سيارة سواء جديدة أو مستعملة، لكن يدفع أيضا أصحاب السيارات إلى التريث في بيع سياراتهم أو استبدالها بأخرى جديدة نظرا إلى ارتفاع الأسعار، ما يحد من إمكانية إمداد سوق السيارات المستعملة بمزيد من السيارات.
لكن أيا كانت الأسباب التي تدفع إلى تراجع الطلب على السيارات المستعملة هذا العام، فإن الاتفاق الحالي بين الخبراء يشير إلى أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ ستظل أكبر مساهم في سوق السيارات المستعملة عالميا.
وفي هذا السياق، ذكر لـ”الاقتصادية” أليسون باومان نائب مدير قسم التسويق في مجموعة “سيتنر” لبيع السيارات، “من المتوقع أن تنمو سوق السيارات المستعملة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ من الآن حتى عام 2030 بنحو 9.3 في المائة، وسيزيد الطلب على السيارات المستعملة سواء كانت تعمل بالبنزين أو الديزل عالي الجودة”.
وأضاف “تعود قيادة منطقة آسيا والمحيط الهادئ لسوق السيارات المستعملة على المستوى العالمي إلى الزيادة في أعداد السكان، وتنامي قدرة الطبقات الدنيا على تحمل التكلفة البسيطة للسيارة، لكن السيارات الكهربائية المستعملة لن ينمو عليها الطلب بسرعة نموه على السيارات ذات المحركات التقليدية، فالبنية الأساسية في المنطقة لا تزال غير مهيأة بالكامل للسيارات الكهربائية”.
ومن المتوقع أن تشهد قارة أمريكا الشمالية زيادة في الطلب على السيارات المستعملة مقارنة بالمناطق الأخرى لأن دولا مثل الولايات المتحدة وكندا والمكسيك لديها معدلات مرتفعة لمبيعات السيارات المستعملة، ويرجح أن تنمو سوق السيارات المستعملة بشكل كبير في أمريكا الشمالية بسبب الارتفاع الشديد في أسعار السيارات الجديدة، كما أن تنامي استخدام الإنترنت سواء في البحث عن السيارات المستعملة أو في عمليات الشراء، يسهل عملية الاقتناء، يضاف إلى ذلك الضمانات المقدمة بشأن جودة السيارات المستعملة.
وتحتل القارة الأوروبية مكانة مميزة في سوق السيارات المستعملة، لكن السوق تشهد تراجعا في بعض بلدانها الرئيسة مثل المملكة المتحدة وبولندا وفنلندا، فوسائل النقل العام تتمتع بشعبية في بلدان القارة خاصة أنها تتميز بالجودة والانتظام، كما أن عديدا من اللوائح الحكومية تضع قيودا تتعلق بصلاحية السيارات القديمة، ما يحد نسبيا من القدرة على إمداد السوق بمزيد من السيارات المستعملة، وعديدون من الأجيال الشابة يفضلون خدمات استدعاء سيارات الأجرة.
بدورها، ترى لورين دريسون الباحثة في مجموعة نيت ويست المصرفية، أن أسعار السيارات الجديدة والمستعملة ستتباين خلال العام الحالي، وبينما يمكن أن تنخفض أسعار السيارات الجديدة بأكثر من 5 في المائة هذا العام، فإن أسعار السيارات المستعملة يمكن أن تنكمش بنسبة أكبر تراوح بين 10 و20 في المائة.
وعلقت لـ”الاقتصادية” على أسباب ذلك بالقول “عدم اليقين الاقتصادي، يدفع إلى مقاومة المستهلك الأسعار المرتفعة للسيارات المستعملة، ومن غير المتوقع عودة الأوضاع إلى طبيعتها حتى عام 2026”.
مع هذا يرى بعض الخبراء أن ركود سوق السيارات المستعملة في عديد من الدول المتقدمة، وتشدد اللوائح الحكومية تجاه إعادة بيع السيارات المستعملة، يؤديان إلى تصدير تلك السيارات المستعملة إلى البلدان منخفضة الدخل خاصة في القارة الإفريقية، وذلك بعد عشرة – 15 عاما من الاستخدام في البلدان المتقدمة.
وذكر لـ”الاقتصادية” أليكس فاهيل الخبير في مجال مكافحة التغيير المناخي قائلا “البلدان المتقدمة تنقل مشكلة التلوث المناخي إلى القارة الإفريقية، فمع تدهور جودة السيارات تقوم بتصديرها إلى البلدان الفقيرة في القارة السمراء، التي تضم 40 في المائة من المركبات العالمية المستعملة، و80 في المائة منها لا يفي بمعايير الانبعاثات الأساسية”.
وتابع قائلا “بالنسبة إلى أوروبا والولايات المتحدة، باتت البلدان الإفريقية أرضا لإغراقها بالسيارات المستعملة غير المرغوب فيها”.
بصفة عامة يتزايد تصدير السيارات المستعملة كل عام، ففي عام 2015 تم تصدير 3.5 مليون سيارة مستعملة على مستوى العالم، وبحلول عام 2019 ارتفع هذا العدد إلى خمسة ملايين سيارة، وتحتل أوروبا والولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، المراتب الأربع الأولى عالميا باعتبارها أكبر مصدر للسيارات المستعملة.


Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى