خليجينفط

جمال اللوغاني: النفط لم يفقد مكانته.. و«أوابك» تقود تحولًا عربيًا نحو طاقة نظيفة وعادلة

فى حوار حصرى مع مجلة «روز اليوسف»، يسلط جمال اللوغانى، رئيس منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، الضوء على مستقبل أسواق الطاقة العالمية فى ظل التحولات المتسارعة نحو الحياد الكربوني. يناقش اللوغانى، بصفته قائدًا لمنظمة محورية فى قطاع الطاقة، التحديات التى تواجه الدول العربية المصدرة للنفط وسط ضغوط تقليص الاعتماد على الوقود الأحفورى، مؤكدًا على الدور المستمر للنفط والغاز كعمود فقرى للاقتصاد العالمي. كما يستعرض استراتيجيات «أوابك» لتعزيز التكامل العربى، من خلال دعم مشاريع مشتركة وتبنى تقنيات نظيفة مثل احتجاز الكربون والهيدروجين الأخضر. يتناول الحوار أيضًا رؤية المنظمة لمواكبة التغيرات العالمية عبر توسيع العضوية وإنشاء منصة لتبادل المعرفة، مما يعكس طموح «أوابك» فى قيادة تحول طاقى عادل ومستدام.

 كيف تقرأون ملامح سوق الطاقة العالمية فى ظل التحولات المتسارعة نحو الحياد الكربوني؟ وهل يمكن القول إن النفط فقد مكانته الاستراتيجية أم أنه لا يزال يحتفظ بدوره كمحرك رئيسى للاقتصاد العالمي؟

– نشير إلى التركيز الحالى على خلق صورة نمطية سلبية للوقود الأحفورى، خاصة النفط، عبر حملات إعلامية مبالغ فيها أحيانًا، تربط النفط بالتلوث البيئى والتغير المناخى، مما أثار حالة من العداء تجاهه. تشهد أسواق الطاقة العالمية تحولًا ملحوظًا مع السعى لتحقيق صافى انبعاثات صفرى، حيث تتقاطع الاعتبارات البيئية مع المصالح الاقتصادية للدول المنتجة والمستهلكة. يزداد الاهتمام بالطاقة النظيفة، لكن النفط والغاز لا يزالان العمود الفقرى لأمن الطاقة، مع توقعات باستحواذهما على 54 % من مزيج الطاقة العالمى بحلول 2050. التحول نحو الطاقة النظيفة تدريجى ويتطلب دعم الوقود الأحفورى لضمان استقرار الإمدادات والأسعار. يُعد الغاز الطبيعى وقودًا انتقاليًا محوريًا فى تقليل الانبعاثات، بينما يظل النفط محركًا رئيسيًا للاقتصاد العالمي. لذا، تعتمد ملامح سوق الطاقة على مزيج متوازن يجمع بين تطوير الطاقات المتجددة وتعزيز الاستثمارات فى تقنيات خفض انبعاثات النفط والغاز، لتحقيق الحياد الكربونى مع ضمان أمن الإمدادات.

فيما يتعلق بالشق الثانى من السؤال، فى منظمة «أوابك» نرى أهمية مراعاة عدة اعتبارات بشأن مستقبل الوقود الأحفورى فى ظل تسارع الجهود العالمية لمواجهة تغير المناخ، منها: الحلول التكنولوجية وتحسينات الكفاءة التى تلعب دورًا حيويًا فى تحقيق الحياد الكربونى، حيث تشارك صناعة النفط بنشاط كبير فى هذا المجال.

يجب أيضًا إدراك الفوائد الهائلة التى يقدمها النفط ومشتقاته للشعوب والدول فى جميع أنحاء العالم.

 كيف تتعامل الدول العربية المصدرة للبترول مع الضغوط الدولية المتزايدة لتقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري؟

– تقليص الاعتماد على الوقود الأحفورى ليس جديدًا، لكنه ليس سهلًا فعل ذلك على أرض الواقع، بسبب عدم كفاية مصادر الطاقة البديلة لتلبية الطلب العالمى المتزايد، كما أظهرت أزمة أوكرانيا وروسيا. تعمل الدول العربية المصدرة للبترول على التوازن بين الحفاظ على مكانتها كمصدر رئيسى للنفط والغاز وتعزيز الاستثمارات فى التقنيات النظيفة، مثل احتجاز وتخزين الكربون، ووضع استراتيجيات وطنية لتطوير الطاقات المتجددة، مستفيدة من وفرة أشعة الشمس وسرعات الرياح. هذا يضمن استمرار دورها المحورى فى أسواق الطاقة وتحويل التحديات البيئية إلى فرص للنمو والتنويع الاقتصادي.

 ما مدى تأثر أسواق النفط العربية بالتقلبات السياسية والاقتصادية الأخيرة فى أوروبا والشرق الأوسط؟

– التوترات الجيوسياسية فى الشرق الأوسط وشرق أوروبا أثرت بشكل كبير على أسواق النفط العالمية، خاصة فى الشرق الأوسط كمركز إنتاج رئيسي. شهدت أسعار النفط تذبذبًا متأثرًا بتصاعد هذه التوترات، مع تحول مسارات التجارة بسبب تجنب السفن لمضيق باب المندب، الذى يُعد ممرًا استراتيجيًا لعبور إمدادات الطاقة إلى أوروبا والولايات المتحدة، مما زاد تكاليف الشحن وأقساط التأمين. كما أثرت العقوبات الغربية على النفط الروسى واستهداف البنية التحتية للطاقة. استجابت الدول العربية المصدرة للنفط بإعادة تقييم استراتيجيات التصدير، بتنويع الأسواق واستخدام ممرات بديلة، مما عزز مرونتها فى مواجهة التقلبات.

بشكل عام، دفعت التطورات الجيوسياسية الأخيرة الدول المصدرة للنفط إلى إعادة ترتيب أولوياتها الجغرافية والاقتصادية فيما يخص قطاع الطاقة.

 هل السياسات البيئية العالمية عادلة تجاه الدول النامية والمنتجة للنفط؟

– تثير السياسات البيئية العالمية جدلًا حول عدالتها تجاه الدول النامية والمنتجة للنفط. العدالة تتطلب مراعاة الفوارق الاقتصادية والتقنية وتقديم الدعم الكافى للتحول دون الإضرار بالتنمية. يُنتقد أن هذه السياسات تفرض أعباءً غير متكافئة، تبطئ النمو فى الدول النامية، بينما تستفيد الدول المتقدمة من قدراتها المالية والتكنولوجية. تشهد أسواق الطاقة تحولات نحو الحياد الكربونى، مع استمرار الاعتماد على النفط والغاز، خاصة فى الاقتصادات الناشئة. تؤكد «أوابك» على ضرورة انتقال عادل يحفظ اقتصادات الدول المنتجة عبر الاستثمار فى التقنيات النظيفة والهيدروجين الأخضر.

الدول العربية المصدرة للبترول، تسعى لتحقيق التوازن بين الاستفادة من الموارد الهيدروكربونية والاستجابة لتقليص الانبعاثات الكربونية، من خلال الاستثمار فى تقنيات الطاقة النظيفة، وتطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر، وتعزيز كفاءة الطاقة. لكن الأمر لا يخلو من مواجهة الدول النامية لعدد من التحديات، أهمها الحاجة إلى استثمارات ضخمة للتحول للطاقة النظيفة، ما يشكل عبئًا ماليًا وتقنيًا، وعدم تكافؤ الفرص فى الحصول على التكنولوجيا والتمويل مقارنة بالدول المتقدمة.

 متى تأسست مكتبة أوابك للطاقة؟ وما دورها فى دعم أهداف المنظمة؟

– تأسست مكتبة الأمانة العامة لـ «أوابك» عام 1975، وهى من أقدم المكتبات المتخصصة فى الطاقة والنفط والغاز بالعالم العربي. تهتم بشئون الطاقة، الاقتصاد، التعاون الدولى، البيئة، والتنمية المستدامة. تقدم خدمات معلومات حديثة، تسهل الوصول إلى مقتنياتها، وتتعاون مع مؤسسات ذات اهتمام مشترك. تسعى لاقتناء أحدث المصادر، وتتبنى مشروع التحول الرقمى لتصبح مركزًا متخصصًا، مع توفير خدمات مرجعية، إعارة، وفهرسة، مما يدعم أهداف «أوابك» فى تعزيز البحث والتطوير فى قطاع الطاقة.

 لماذا لم يتغير اسم «أوابك» حتى الآن؟ وهل هناك توجه لتوسيع العضوية أو تطوير ميثاقها؟

– خلال الاجتماع الوزارى رقم 113 لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، المنعقد فى الكويت بتاريخ 15 ديسمبر 2024، صدر القرار التاريخى رقم 2/113، الذى اعتمد التقرير النهائى للمرحلة الأولى من دراسة تطوير أعمال المنظمة، وتغيير اسمها إلى «المنظمة العربية للطاقة (AEO)». يعكس هذا التغيير دورها المستقبلى فى تعزيز التعاون العربى فى جميع مجالات الطاقة، بما يشمل المصادر التقليدية والمتجددة. يتيح القرار مواصلة تطوير الأنشطة بعد إقرار التعديلات المقترحة على اتفاقية إنشاء المنظمة، على أن تدخل حيز التنفيذ بعد اعتمادها من الجهات التشريعية فى الدول الأعضاء. ستزيد المنظمة نشاطها فى متابعة أسواق الطاقة، خاصة النفط، عبر تحليل العوامل المؤثرة على الأسعار واستقرار الأسواق، لضمان طاقة موثوقة وبأسعار معقولة. يشمل ذلك إعداد دراسات فنية واقتصادية وتقارير دورية لدعم الدول الأعضاء فى اتخاذ قرارات طاقة سليمة. أما بالنسبة لتوسيع العضوية، فتشمل المرحلة الثانية من مشروع التطوير مراجعة هيكل العضوية ليشمل ثلاث فئات: عضوية كاملة، منتسب، ومراقب، مما يتيح انضمام دول عربية بما يناسبها. لم يُبحث موضوع العضوية مع أى دولة حتى الآن، بانتظار اعتماد المرحلة الثانية من مجلس الوزراء.

 ما أبرز ملامح استراتيجية «أوابك» لتعزيز التكامل بين الدول الأعضاء؟ وما أهم المشاريع المشتركة؟

– تأسست «أوابك» عام 1968 بهدف تعزيز التعاون البترولى بين الأعضاء، وتحقيق أوثق العلاقات فى صناعة النفط، وحماية مصالحهم المشروعة، منفردين ومجتمعين، لمواجهة التحديات آنذاك. تدعم المنظمة أربع شركات عربية ناجحة:

– الشركة العربية البحرية لنقل البترول (تأسست مايو 1972، الكويت): تمتلك أسطولًا من 14 ناقلة لنقل النفط الخام، غاز البترول المسال، والمنتجات البترولية، وتحافظ على علاقات وثيقة مع الشركات المسوقة فى الدول الأعضاء.

– الشركة العربية لبناء وإصلاح السفن (أسري) (تأسست ديسمبر 1973، البحرين): تدير حوضًا جافًا رئيسيًا لخدمة ناقلات النفط، وحققت توسعًا وأرباحًا مجزية.

– الصندوق العربى للطاقة (سابقًا أبيكورب) (تأسس سبتمبر 1974، السعودية): مؤسسة مالية متعددة الأطراف تدعم مشاريع الطاقة فى المنطقة.

– الشركة العربية للخدمات البترولية.

تساهم هذه الشركات فى تعزيز التكامل الاقتصادى واستقرار أسواق الطاقة بين الدول الأعضاء.

 ما موقف «أوابك» من التحول نحو الطاقة النظيفة؟ وهل هناك مبادرات فى هذا المجال؟

– تشهد الدول الأعضاء فى منظمة «أوابك» زخمًا متزايدًا فى استخدام التقنيات النظيفة بالصناعة البترولية، مثل احتجاز وتخزين واستخدام الكربون، مع تعزيز تقنيات التحول الرقمى لتحسين العمليات الاستخراجية للنفط والغاز. هذا يرفع كفاءة التشغيل، ويقلل الأثر البيئى، ويخفض الانبعاثات الكربونية عبر سلسلة القيمة. تؤكد «أوابك» أن الطاقة النظيفة تشمل الوقود الأحفورى المنتج بتقنيات احتجاز الكربون، وتنظم فعاليات متخصصة لتمكين الدول الأعضاء من الحفاظ على تنافسيتها فى أسواق الطاقة العالمية. إلى جانب ذلك، تزداد اهتمامات الدول الأعضاء بالطاقات المتجددة، مستفيدة من وفرة الطاقة الشمسية والرياح. تتبنى استراتيجيات طموحة لرفع مساهمة الطاقات المتجددة فى توليد الكهرباء بنسبة -30 %50، مع استثمارات متوقعة تصل لآفاق جديدة. كما وضعت أهدافًا زمنية لإنتاج الهيدروجين الأخضر، مما يعكس حرصها على التواجد فى سوق الهيدروجين الواعد والظفر بحصة سوقية مهمة.

 كيف يمكن للدول العربية المصدرة للنفط أن تكون جزءًا من حل تحديات المناخ؟

– تشارك الدول العربية بنشاط فى العمل المناخى، كما أظهرت استضافة مصر لمؤتمر COP27 والإمارات لـCOP28، حيث أُقرت اتفاقيات تاريخية مثل زيادة تمويل المناخ وإنشاء صندوق الخسائر والأضرار. تلعب «أوابك» دورًا تنسيقيًا فى توحيد رؤى الدول العربية بما يحقق التنمية المستدامة، مع التركيز على الجدوى الاقتصادية وحماية البيئة.

 ما تقييمكم لتجارب مصر والسعودية والإمارات فى إنتاج الهيدروجين الأخضر؟

– كانت الدول العربية سباقة فى دخول سوق الهيدروجين الأخضر مبكرًا للاستفادة من الفرص المتاحة فى هذا القطاع، خاصة مع الزخم العالمى لاعتبار الهيدروجين مصدر طاقة مستقبلي. وضعت أهدافًا طموحة لإنتاج نحو 8 ملايين طن سنويًا بحلول 2030، وفق تقديرات «أوابك»، وأبرمت شراكات مع شركاء عالميين لتنفيذ مشاريع رائدة تُعد من الأبرز عالميًا. نجحت مصر والسعودية والإمارات فى إنتاج الهيدروجين منخفض الكربون وتحويله إلى أمونيا منخفضة الانبعاثات، وتصديرها إلى أسواق أوروبا وآسيا. يعزز ذلك فرصها لتصبح لاعبًا رئيسيًا فى سوق الهيدروجين العالمى خلال العقود القادمة، شريطة توفر طلب عالمي.

 هل لدى «أوابك» رؤية لإنشاء منصة عربية لتبادل المعرفة فى الطاقة المتجددة؟

– تعمل «أوابك» على استراتيجية إعلامية لإنشاء منصة عربية لتبادل المعرفة فى الطاقة المتجددة، عبر تطوير البنية الرقمية، تحويل مكتبتها إلى مركز رقمى، وتعزيز التعاون البحثي. تشمل الخطة توسيع النشاط لتغطية كفاءة الطاقة ونزع الكربون، مع تنظيم مؤتمرات وإصدار تقارير متخصصة.

 كيف ترى «أوابك» مستقبل الطلب العالمى على النفط؟

– يشكل النفط والغاز 54 % من مزيج الطاقة العالمى (81 % مع الفحم)، وتتوقع «أوبك» استمرار هذه الحصة حتى 2045. رغم نمو الطاقات المتجددة، يظل النفط محوريًا فى البتروكيماويات والنقل، خاصة فى الاقتصادات الناشئة. يتطلب ذلك تحسين كفاءة الإنتاج وتقليل الانبعاثات لضمان التنمية المستدامة وأمن الطاقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى