تراجع مؤلم للاقتصاد الفرنسي يثير غضب مجتمع الأعمال

أدى عدم الاستقرار السياسي المتصاعد في فرنسا إلى دخول الاقتصاد في حال ركود شبه كاملة منذ حل الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي) في يونيو (حزيران) عام 2024، وسط تراجع في ثقة المستهلكين وتردد الشركات في الاستثمار.
ومع استقالة رئيس الوزراء سيباستيان ليكورنو أمس الإثنين بعد أقل من شهر على توليه المنصب، اتضح حجم الأزمة السياسية التي أضعفت وتيرة النمو، إذ تشير التقديرات إلى أن الاضطرابات السياسية كلفت الاقتصاد الفرنسي نحو 0.3 نقطة مئوية من نمو عام 2025.
وأصبح الفرنسيون مترددون في الاستهلاك، وأضحت الشركات مترددة في الاستثمار، وحتى قبل استقالة ليكورنو، كان عدم الاستقرار السياسي كلف الاقتصاد الفرنسي بالفعل نحو 0.3 نقطة مئوية من النمو خلال العام الحالي.
ولا شك في أن الأزمة الحكومية الجديدة التي بدأت هذا الأسبوع ستفاقم هذا الاتجاه السلبي، إذ يقول كبير الاقتصاديين في شركة “أودو بي أتش أف” لإدارة الأصول برونو كافالييه “في ضوء أحداث الساعات الأخيرة، علينا أن نتوقع تفاقم الوضع”.
ومن المرتقب أن تشهد فرنسا نمواً بنحو 0.7 في المئة هذا العام، وفقاً لتقديرات البنك المركزي الفرنسي.
وأوضح المتخصص في الشأن الاقتصادي في بنك “بي أن بي باريبا” ستيفان كولياك، “لولا الأزمة السياسية الحالية لكان النمو قريباً من واحد في المئة على الأرجح”.
وأكد نظيره في شركة “أليانز تريد” ماكسيم دارميه، ما توصل إليه كولياك، إذ قدر خسارة النمو بنحو 0.3 نقطة مئوية.
ووفقاً لهما، ينبع هذا التباطؤ الاقتصادي الحاد من التردد الشديد لدى الأسر والشركات، فخوفاً من زيادة الضرائب أو خفض المساعدات الحكومية، تتردد الأسر في الاستهلاك، بينما تتردد الشركات في الاستثمار.
مقارنة موجعة مع ألمانيا وإسبانيا
من جانبه عبر رئيس اتحاد الغرف التجارية والصناعية الفرنسية (هيئة نقابية مستقلة) باتريك مارتن، أمس الثلاثاء عن غضبه وقلقه إزاء الوضع السياسي في فرنسا عقب استقالة رئيس الوزراء التي أدخلت البلاد في حال من عدم اليقين.
وقال “فرنسا تتخلف عن إسبانيا وألمانيا” وقارن اقتصاد بلاده بالاقتصاد الإسباني الذي يحقق نمواً “أعلى أربع مرات من نمو فرنسا هذا العام”.
وبحسب مارتن، فإن حال عدم اليقين هذه بدأت، مقارنة بدول مثل إسبانيا، أو ألمانيا التي “تتخذ حكومتها الائتلافية تدابير دعم ضخمة للشركات”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعبر مارتن عن استيائه من “النقاشات” التي اعتبرها “بعيدة كل البعد من الواقع”، داعياً إلى “صحوة جماعية” في أوساط الطبقة السياسية، نظراً إلى تعاقب أربعة رؤساء حكومات في أقل من عامين، وعدم إمكان التوصل إلى توافق في الآراء داخل الجمعية الوطنية، وقال “الحد الأدنى من كلفة التردد السياسي الحالي وهو انخفاض يصل إلى 9 مليارات يورو (10.53 مليار دولار) في الناتج المحلي الإجمالي هذا العام”.
وبحسب المرصد الفرنسي للشؤون الاقتصادية “OFCE” (معهد أبحاث مستقل)، فإن حال عدم اليقين السياسي الناتجة من حل الجمعية الوطنية في يونيو عام 2024، إضافة إلى إدانة حكومة بارنييه في ديسمبر (كانون الأول) 2024 من شأنها أن تؤدي إلى خفض النمو بمقدار 0.3 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي العام الحالي.
زيادة خجولة في الثروة
ووفقاً لتوقعات المعهد الوطني الفرنسي للإحصاء “INSEE” فأن النمو المتوقع للاقتصاد في باريس لا يزيد على 0.6 في المئة للعام بأكمله، معتبراً أن هذا المعدل منخفض جداً بالنسبة إلى ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو والذي يتخلف عن جيرانه، بعدما حقق نمواً ضعيفاً نسبياً 1.1 في المئة عام 2024، كذلك قدر نمو الناتج المحلي الإجمالي لفرنسا (الثروة الوطنية التي ينتجها اقتصادها) بنسبة 0.6 في المئة فقط لعام 2025 بأكمله.
وأشار إلى أن إجمال الناتج المحلي السنوي يبلغ حالياً نحو 2.8 تريليون يورو (3.2 تريليون دولار)، لافتاً إلى إن زيادة بنسبة 0.6 في المئة تعادل تقريباً زيادة في الثروة تصل إلى 18 مليار يورو (21.6 مليار دولار)، مما يعني أن النمو ضعيف نسبياً بالنسبة إلى ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو بعد ألمانيا، حتى لو سمح هذا النمو المتواضع بتجنب الركود، بالمعنى الدقيق للكلمة.