هل أصبحت الليرة التركية ضحية ترويض التضخم المرتفع؟

على رغم تراجع الدولار الأميركي عالمياً، هوت الليرة التركية إلى مستوى قياسي منخفض، مواصلة تراجعها البطيء وسط توقعات بأن السلطات ستسمح لها بمواصلة ضعفها ما دام ذلك أقل من معدل التضخم.
ضمن التعاملات الأخيرة، انخفضت الليرة التركية بنسبة 0.2 في المئة لتصل إلى 41.9500 مقابل الدولار الأميركي، قبل أن تقلص خسائرها ليجري تداول الورقة الخضراء عند 41.9477 ليرة، إذ تتجه العملة التي تراجعت بنسبة 16 في المئة هذا العام نحو تسجيل خسائر للأسبوع الـ15.
وفي تصريحات حديثة، قال محافظ البنك المركزي التركي فاتح قره خان إن “البنك لن يسمح لظروف الطلب بعرقلة مسار خفض التضخم، والبنك سيبقي على موقف السياسة النقدية المتشدد حتى يتحقق هدف استقرار الأسعار”.
وأشار إلى أن هذا الموقف سيعزز عملية خفض التضخم من خلال قنوات الطلب وسعر الصرف والتوقعات.
الحكومة تستهدف إبقاء خسائر الليرة دون معدل التضخم
في مذكرة بحثية حديثة، قال كبير مستشاري المحافظ الاستثمارية في مجموعة “إيست كابيتال” إمري أكجاكماك “ليس من المفاجئ أن يتراجع سعر الليرة، فقد وصلت العملة إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق مقابل الدولار الأميركي كل يومين تقريباً في المتوسط منذ عام 2023″، مضيفاً “ما يهم المستثمرين أمران، أولهما ما إذا كان لدى البنك المركزي احتياطات كافية لإدارة انخفاض منظم في قيمة العملة، وثانياً، وتيرة هذا الانخفاض”.
وتابع “لذلك، نعتقد أن البنك المركزي سيسعى إلى الحفاظ على الصلة بين وتيرة التضخم وانخفاض قيمة الليرة، ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى مسار انخفاض قيمة ثابت وقابل للتنبؤ نسبياً، مما يعني عوائد حقيقية مرتفعة، وإن كانت متناقصة تدريجاً”.
وتنتهج الحكومة التركية سياسة تسمى “التقدير الحقيقي”، أي إنها تهدف إلى إبقاء خسائر الليرة دون معدل تضخم أسعار المستهلك.
وعلى رغم أن التضخم خلال سبتمبر (أيلول) 2025 كان أسرع من المتوقع، إلا أن العملة حافظت على انخفاضها البطيء.
وأسقط البنك المركزي هذا الشهر إشارة صريحة إلى سياسة التقدير الحقيقي، مؤكداً أنها لا تزال نتيجة متوقعة للسياسة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي مذكرة بحثية حديثة، كتب محللون في “مورغان ستانلي”، “قد يخفض وتيرة انخفاض قيمة الليرة للمساعدة في خفض التضخم، إضافة إلى إبقاء أسعار الفائدة الحقيقية مرتفعة”.
وتسارع التضخم السنوي في تركيا للمرة الأولى منذ أكثر من عام خلال الشهر الماضي، وفقاً لتقرير نشر خلال الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، ولا يزال التقلب الضمني في زوج الدولار والليرة ضعيفاً، إذ يحوم حول أدنى مستوى له منذ مارس (آذار) 2025.
ووفقاً لحسابات وكالة “بلومبيرغ”، بلغ متوسط الخسائر اليومية لليرة نحو 0.08 في المئة خلال الأشهر الستة الماضية.
يذكر أن معدل التضخم السنوي في تركيا قفز إلى 33.29 في المئة خلال سبتمبر الماضي، وهو أعلى بكثير من التقديرات، مما يعزز التوقعات بأن البنك المركزي قد يحتاج إلى إبطاء دورة التيسير النقدي لمعالجة ضغوط الأسعار المستعصية.
ووفقاً لبيانات معهد الإحصاء التركي، فقد جاء ارتفاع التضخم مدفوعاً بزيادات حادة في أسعار المواد الغذائية والإسكان والتعليم.
وشهد الشهر الماضي أول ارتفاع في المعدل السنوي منذ الذروة التي بلغت 75.4 في المئة خلال مايو (أيار) من العام الماضي، وجاء معدل التضخم الشهري عند 3.23 في المئة خلال سبتمبر الماضي.
البنك المركزي يواصل دورة التيسير النقدي
خلال الشهر الماضي، واصل البنك المركزي التركي دورة التيسير النقدي وقرر خفض أسعار الفائدة، بعدما تقرر خفض سعر إعادة الشراء لأجل أسبوع إلى 40.5 في المئة من 43 في المئة، في خطوة أكبر من توقعات المستثمرين، وخفض البنك سعر الإقراض لليلة واحدة إلى 43.5 في المئة من 46 في المئة، وسعر الاقتراض لليلة واحدة من 41.5 في المئة إلى مستوى 39 في المئة.
جاءت هذه الخطوة بعد تصريحات لمحافظ البنك المركزي حثت المحللين على النظر إلى ما وراء رقم التضخم التركي الرئيس، إذ قال إن تفصيل البيانات يظهر أن الضغوط السعرية الناتجة من الطلب لا تزال منسجمة مع مسار انخفاض التضخم.
وقالت لجنة السياسة النقدية في بيانها، “تباطأ الاتجاه الأساس للتضخم خلال أغسطس (آب) الماضي، وعلى رغم أن نمو الناتج المحلي الإجمالي تجاوز التوقعات في الربع الثاني من العام الحالي، فإن الطلب المحلي النهائي بقي ضعيفاً”.
وجاء معدل التضخم خلال أغسطس الماضي أعلى من توقعات الاقتصاديين البالغة 33 في المئة، وظل قوياً النمو خلال الربع الثاني من العام، والذي لم يشمل عودة البنك المركزي إلى تيسير السياسة النقدية خلال يوليو (تموز) الماضي، مما يشير إلى صمود الطلب الاستهلاكي.
ودفع ذلك بنوكاً كبرى مثل “جيه بي مورغان تشيس أند كو” و”مورغان ستانلي” إلى خفض توقعاتها في شأن حجم خفض الفائدة.
وقال رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي في شركة “مونكس يوروب” نايك ريس “نرى في ذلك محاولة شكلية للاعتراف بمخاوف السوق، مع الاستمرار في الإشارة إلى أن البنك يعتزم تسريع وتيرة التيسير النقدي بما يتجاوز ما يرغب به عدد من المتداولين، وهو سيناريو نعتقد أنه سيواصل تشكيل ضغط على الليرة خلال الأشهر المقبلة”.
وأزال البنك المركزي أيضاً إشارة رئيسة من نص القرار المرافق، كانت تفيد بأنه سيسعى إلى تحقيق ارتفاع حقيقي في قيمة الليرة، وكان الارتفاع الحقيقي لليرة، أي السماح بانخفاضها بوتيرة أبطأ من التضخم، يشكل حتى الآن حجر الزاوية في إطار عمل صانعي السياسات النقدية، وبدلاً من ذلك، قال البنك إنه سيحافظ على مسار خفض التضخم من خلال “قنوات الطلب، وسعر الصرف، والتوقعات”.
ويواجه المراقبون للشأن في تركيا أيضاً حالاً من عدم اليقين السياسي، في ظل تصاعد المواجهة بين الحزب المعارض الرئيس في البلاد والسلطة القضائية، مما أدى إلى موجة بيع في السندات والأسهم.