موجة بطالة ضخمة تهدد العاملين البريطانيين المتقدمين في السن

قدمت أحدث بيانات سوق العمل الصادرة من مكتب الإحصاءات الوطنية في بريطانيا مزيجاً مألوفاً من الأخبار السيئة: ارتفاع في معدلات البطالة وتراجع في عدد الوظائف الشاغرة.
وكما هي الحال دائماً، فإن الفئات الأكثر ضعفاً في سوق العمل تكون أول من يتأثر عندما “يضيق” السوق أي تتقلص فرص التوظيف، إذ ترتفع احتمالات طردهم ويصبح العثور على وظيفة جديدة أكثر صعوبة. ويعني “تضييق” سوق العمل ببساطة انخفاض عدد الوظائف المتاحة وصعوبة إيجاد فرص جديدة للباحثين عن عمل.
وفي الوقت نفسه تظهر بيانات وزارة العمل والمعاشات البريطانية أن هذا الوضع يشكل صفعة قاسية للعاملين الأكبر سناً، إذ يبلغ معدل التوظيف بين من تراوح أعمارهم ما بين 50 و64 عاماً 71.6 في المئة، أي أقل من مستواه قبل الجائحة. كما تبلغ فجوة التوظيف بين الفئة العمرية 35-49 سنة وتلك البالغة 50-64 سنة نحو 14.1 في المئة، وهو فارق لم يشهد تغيراً كبيراً خلال العام الماضي، لكنه لا يزال مقلقاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما الصدمة الحقيقية فهي أن معدل البطالة بين الفئة العمرية 50-64 ارتفع خلال العام الماضي من 2.4 إلى 3.1 في المئة.
من هم هؤلاء الأشخاص؟ أعتقد أن عدداً كبيراً منهم أصيبوا بإحباط شديد من أوضاع سوق العمل إلى درجة دفعتهم إلى التوقف عن البحث عن وظيفة. وكيف تبدو حياتهم الآن؟ يكفي التفكير في ذلك ليبعث على القشعريرة.
أحد أصدقائي مر بتجربة طويلة ومحبطة بعد طرده من عمله في حي المال والأعمال بلندن. كان مؤهلاً تأهيلاً عالياً، ويتمتع بخبرة واسعة، ومهارات قابلة للنقل، وتقييمات إيجابية من زملائه، لكن لا شيء من ذلك أفاده، ولمدة طويلة.
انتهى بحثه، لحسن الحظ، بنهاية سعيدة، على عكس المدير التنفيذي الذي تناولته صحيفة “ديلي ميل” أخيراً، والذي اضطر إلى استبدال راتبه ذي الأرقام الستة بأجر قدره 12.50 جنيه في الساعة بعد تقدمه لأكثر من 50 وظيفة من دون جدوى. وكتبت زوجته عن “الأثر الوحشي” الذي خلفه ذلك على زواجهما، واصفة إياه بأنه “قاتل للشغف” أثر سلباً في الحالة النفسية لزوجها.
كثيراً ما يجد العاملون الأكبر سناً أنفسهم في دائرة الضوء عندما يقرر الرؤساء التنفيذيون والمديرون الماليون أن الوقت حان لجولة جديدة من خفض الكلف لتضخيم مكافآتهم. وغالباً ما يكون هؤلاء أول من تطاله المقصلة لأنهم الأعلى كلفة. يعرف رؤساؤهم ثمن كل شيء، لكن هل يدركون حقاً قيمة الأشخاص؟ لست متأكداً من ذلك.
فإذا تخلت الشركات عن هذه الكفاءات، فمن سيبقى لتدريب الأجيال الأصغر سناً أو إرشادهم؟ أو حتى لمنحهم كتفاً يستندون إليها عندما يكون المدير سيئ المزاج؟ لا تستهينوا بأهمية ذلك. لقد مررت بهذه التجربة من قبل. في الغالب، كان أصحاب الشعر الرمادي في المكتب هم من يأخذوننا إلى الحانة، ويشترون المشروبات، ويقدمون كلمات تشجيع عندما يتصرف المدير بصورة سيئة.
يرى بعض أصحاب العمل المشكلة بوضوح أكثر من غيرهم. فموقع “رست لس” Rest Less، المخصص لمن تجاوزوا الـ50 يسلط الضوء على مجموعة من الشركات التي تتبنى سياسات أكثر شمولاً، مثل: “أفيفا”، “بوتس”، “بي أند كيو”، “ناشيونال إكسبريس”، “أتوس”، “نكست”، “ساينزبريز” و”ستارلينغ بنك”.
ومع ذلك لا يزال هناك عمل كثير يجب القيام به، بما في ذلك من جانب الحكومة نفسها، التي ترغب بشدة في أن يعمل الناس لفترة أطول. وهي في حاجة إلى ذلك فعلاً، بعدما رفعت سن التقاعد كأحد الحلول الجزئية لمشكلة الكلفة الباهظة لـ”الضمانة الثلاثية” التي ترفع رواتب التقاعد الحكومية بالنسبة الأعلى من بين التضخم أو متوسط الأجور أو 2.5 في المئة.
والنتيجة أن سن التقاعد البالغة حالياً 66 سنة للرجال والنساء سترتفع إلى 67 بين عامي 2026 و2028، ثم إلى 68 بين عامي 2044 و2046. وأراهن بقوة على أن سن الـ68 ستطبق في وقت أبكر بكثير. فهذه “الضمانة الثلاثية”، التي أصبحت بمثابة “بقرة مقدسة” سياسياً، تمتص الموارد من باقي القطاعات. إنها عبء اقتصادي متضخم يخشى الوزراء المساس به خوفاً من رد الفعل الشعبي.
وإلى أبناء “الجيل زد” أقول: إن كنتم تظنون أن هذه ليست مشكلتكم، فصدقوني، ستصبح كذلك.
ضعوا في اعتباركم أن متوسط عمر من يشترون منزلهم الأول في تزايد مستمر، وقد بلغ الآن 33 سنة وفق بيانات مؤسسة “التمويل البريطاني” UK Finance. وفي الوقت نفسه ازدادت مدد الرهون العقارية لمساعدة المشترين على مواجهة أسعار المساكن الباهظة. كانت القروض تمتد سابقاً لـ25 عاماً، أما الآن فأصبحت فترات السداد بين 30 و35 عاماً شائعة جداً.
هذا يعني أن كثيرين سيظلون مثقلين بديون الرهن حتى أواخر الستينيات وربما حتى السبعينيات من عمرهم (مع الأخذ في الحسبان أن متوسط 33 عاماً يعني أن كثيرين من المشترين سيكونون أكبر سناً من ذلك). ومن المفترض أن تصبح كلفة القرض أكثر قابلية للإدارة مع مرور الوقت، لكن ماذا لو فقد الشخص مصدر دخله ولم يكن أمامه سوى فرصة ضئيلة لتغيير وضعه؟
هل ترون إلى أين يتجه هذا السيناريو؟ صور المسنين المشردين الذين فقدوا منازلهم ليست مما تود أي حكومة رؤيته، لكنها قادمة لا محالة.