مليارات الدولارات من صادرات الشركات الإيرانية لا تدخل البلاد

في وقت يواجه فيه الاقتصاد الإيراني تحديات عدة ناتجة من العقوبات الدولية، والتضخم المستمر، وتقلبات سعر الصرف، أصبحت قضية عودة العملات الناتجة من الصادرات واحدة من نقاط الضعف الهيكلية في الاقتصاد الإيراني.
وقال عضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان، حسين صمصامي، رداً على تصريحات مسعود بزشكيان حول نقص الموارد من العملات الأجنبية، إنه خلال الأعوام السبعة الماضية لم تعد إلى البلاد نحو مئة مليار دولار من عائدات التصدير.
ادعاء صمصامي يشير إلى تقارير منذ عام 2018 حتى اليوم، وباستثناء صادرات القطاع الحكومي من النفط والكهرباء والغاز الطبيعي، تفيد ببلوغ إجمال الصادرات غير النفطية نحو 270 مليار دولار، منها حوالى 95 مليار دولار، أي ما يعادل 35 في المئة من إجمال الصادرات، لم تعد إلى النظام المالي الرسمي للبلاد.
منذ عام 2022، من أصل 146 مليار دولار من الصادرات غير النفطية، لم تعد أكثر من 56 مليار دولار، أي نحو 38 في المئة، إلى البلاد بعد.
وفي عام 2023، انخفضت النسبة إلى 33 في المئة، أي أن نحو 14.2 مليار دولار من أصل 43.03 مليار دولار من الصادرات لم تعد بعد، أما في عام 2024، فقد ارتفعت النسبة مجدداً إلى 46 في المئة، مما يعني أن حوالى 22 مليار دولار من أصل 47.3 مليار دولار لم تعد إلى البلاد.
نسبة غير مسبوقة
وتشير التقارير إلى أنه خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي وحده، من أصل 10.1 مليار دولار من الصادرات، لم يعاد إلى السوق سوى 2.6 مليار دولار، أي أن نسبة 74 في المئة لم تدخل إلى السوق الرسمية للعملة وهي نسبة غير مسبوقة.
ويزداد غموض مصير نحو 95 مليار دولار من عائدات الصادرات عندما ندرك أن هذا المبلغ يعادل أكثر من 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لإيران، وهو ما لا يقتصر على تقييد الموارد النقدية للبلاد، بل يفاقم أزمة العملة، ويرفع سعر الدولار في السوق الحرة، ويزيد الضغط على المستوردين.
منذ عام 2018، ومع تصاعد العقوبات، حاول البنك المركزي والحكومات المتعاقبة من خلال سياساتهم النقدية إلزام المصدرين بإعادة عائداتهم من العملة الأجنبية في فترة تراوح ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر. غير أن هذه القوانين لم تتمكن فعليّاً من فرض التزام حقيقي، وأخيراً وعدت منظمة التفتيش العامة في إيران بالتعامل مع المخالفين، مؤكدة أنها ستراقب أداء الأجهزة المختلفة لمنع إساءة استخدام الأموال غير المعادة.
لكنّ الخبراء يشيرون بأصابع الاتهام إلى صناعات المعادن والبتروكيماويات، موضحين أن هذين القطاعين، اللذين يشكلان أكثر من 70 في المئة من الصادرات غير النفطية، هما الأكثر مخالفة في إعادة العائدات، وتشير بعض الإحصاءات أيضاً إلى أن نحو 7.5 مليار دولار من عائدات الصادرات في قطاعي التعدين والزراعة لم تعد إلى الداخل، منذ عام 2018 وحتى 2025، من أصل أكثر من 169 مليار دولار من صادرات المنتجات التكريرية والبتروكيماوية والمعدنية، لم يعاد أكثر من 38 مليار دولار، وجاءت منتجات الفولاذ والنحاس في المقدمة.
ويقول الخبراء إن سياسات البنك المركزي الخاطئة تعد من العوامل الرئيسة وراء امتناع المصدرين عن إعادة الأموال، إذ يفضل هؤلاء الاحتفاظ بعائداتهم في الحسابات الخارجية أو تحويلها إلى سوق السلع المهربة بدلاً من إعادة الأموال إلى النظام المصرفي وفق سعر الصرف الرسمي (نظام “نيما”)، الذي يقل كثيراً عن سعر السوق الحرة، وأدى ذلك إلى نقص حاد في العملة داخل النظام الرسمي، مما أجبر المستوردين على اللجوء إلى السوق السوداء.
ويعتقد بعض المحللين أن السبب وراء تأخير أو الامتناع عن إعادة الأموال هو التوقعات التضخمية في السوق، فالمصدرون، يتوقعون استمرار ارتفاع سعر الدولار، يفضلون الاحتفاظ بعائداتهم بدلاً من بيعها بالسعر الرسمي، خصوصاً في ظل ارتفاع التضخم في سوق الصرف إلى نحو 20 في المئة خلال الشهر الماضي.
سياسات “المركزي” عديمة الجدوى
السياسة الجديدة للبنك المركزي، التي تسعى إلى تقليص الفجوة بين سعر الدولار الرسمي والسعر الحر عبر رفع السعر الرسمي إلى نحو 90 ألف تومان، لم تنجح في تشجيع المصدّرين، ومع استمرار سعر الدولار في نطاق 112 إلى 118 ألف تومان خلال الشهر الماضي، وتوقع تجاوزه حاجز 120 ألفاً، بقيت مصلحة المصدرين في الاحتفاظ بأموالهم وبيعها في وقت لاحق في السوق الحرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى الاقتصاديون أن المصدرين الإيرانيين، الذين يتعامل معظمهم مع الشركات الصينية، يفضلون الاحتفاظ بالدولارات في حسابات خارجية لتجنب التقلبات الداخلية، علاوة على أن العقوبات المصرفية تعوق تحويل الأموال عبر البنوك المعتبرة، مما يدفعهم إلى اللجوء إلى الصرافين غير الرسميين والوسطاء، مع كلفة تحويل تصل أحياناً إلى 20 في المئة من قيمة الصفقة، مما يجعل بيع العائدات بالسعر الرسمي أمراً غير مجد اقتصادياً.
وصرح رئيس اتحاد صادرات إيران السابق محمد لاهوتي عام 2020 بأن من أسباب عدم عودة الأموال هو استخدام “بطاقات تجارية وهمية أو مستأجرة” تستخدم لتصدير البضائع، لكن أصحابها الحقيقيين غير موجودين فعلياً، لذا لا تعود الأموال إلى البلاد.
الدور البارز للشركات الحكومية
تتفاقم غرابة القضية عندما نعلم أن نحو 20 شركة كبرى تابعة للحكومة مسؤولة عن أكثر من 60 في المئة من الأموال التي يُفترض أن تعود، وهذه الشركات، العاملة في مجالات البتروكيماويات والصلب والتعدين، غالباً ما تستخدم العائدات لاستيراد المواد الأولية أو للاستثمار في الخارج من دون تسجيلها في النظام الرسمي.
وإذا كان السبب الرئيس لأزمة العملة هو عدم إعادة العائدات، فإن المتهمين الرئيسين هم الشركات الحكومية وشبه الحكومية.
على سبيل المثال، في عام 2024، بلغت صادرات الشركة الوطنية لصناعات النحاس الإيرانية أكثر من ملياري دولار، ولم يُعَد منها سوى 40 في المئة، وأشار رئيس غرفة التجارة الإيرانية الصينية المشتركة، مجيد رضا حريري، إلى أن من أصل 50 مليار دولار من الصادرات غير النفطية في العام الماضي، كان نصفها تقريباً من منتجات النفط والبتروكيماويات، و14 إلى 15 مليار دولار من صادرات التعدين، أي أن أكثر من 80 في المئة من صادرات البلاد تسيطر عليها الشركات الكبرى التابعة للمؤسسات الحكومية والصناديق الوقفية والتنظيمات الدينية والمؤسسات التنفيذية.
ويصف حريري هذا الأمر بأنه تناقض كبير في السياسات الحكومية، قائلاً “إن ملكية شركات مثل البتروكيماويات والمناجم الكبرى تعود إلى مؤسسات حكومية، ومديروها يعينون من قبل المسؤولين الحكوميين أنفسهم، فهل يعقل أن تعين الحكومة مديرين لا يعيدون الأموال ويعملون ضد مصلحة النظام؟”.
السعي وراء الربح من فروقات أسعار الصرف داخل البلاد هو السبب الرئيس لامتناع تلك الشركات عن إعادة الأموال، ما يظهر أن وعود الحكومة في شأن إعادة العائدات ليست سوى تكرار لدائرة فاشلة وغير فعالة.
نقلا عن اندبندنت فارسية