ما بعد “العميل صفر”… هل يمكن للسعودية تبني نهج IBM في الذكاء الاصطناعي؟

في المشهد المتسارع لتطور الذكاء الاصطناعي، تسعى المؤسسات والشركات إلى تبنّي تقنيات موثوقة قادرة على تحديث تطبيقاتها، وحماية بياناتها، وتبسيط سير عملها، وإدراكاً لهذه الحاجة، تبنّت شركة IBM نهجاً لضمان الكفاءة والثقة في حلولها، عبر أن تصبح أول مستخدم لتقنياتها في ما يُعرف بـ”العميل صفر” Client Zero.
من خلال هذا النهج، حوّلت IBM عملياتها وأنظمتها الداخلية إلى حالات اختبار حقيقية قبل طرح هذه التقنيات لعملائها الخارجيين، ويتيح هذا الأسلوب للشركة التحقق بدقة من فعالية وموثوقية وأمان حلولها في بيئات تشغيل حقيقية على نطاق مؤسسي واسع، وبهذا، تسعى (IBM) لبعث الثقة في عملائها المحتملين حول متانة تقنياتها وجدواها العملية، لتصبح معياراً يُحتذى به في القطاع.
وبإعادة تصور عملياتها عبر الذكاء الاصطناعي، وضعت الشركة هدفاً واضحاً لنفسها على لسان رئيسها التنفيذي أرفيند كريشنا “أن تصبح أكثر مؤسسة إنتاجية في العالم”.
غيّر نهج “العميل صفر” في IBM مسار أعمال الشركة باستخدام محفظتها الخاصة من تقنيات السحابة الهجينة والذكاء الاصطناعي وأدوات الأتمتة، ومن بين أبرز الأدوات التي تقود هذه التحوّلات IBM watsonx Orchestrate، وهو حل يساعد في إنشاء ونشر وإدارة وكلاء الذكاء الاصطناعي AI Agents لأتمتة العمليات وسير العمل.
يقول رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لـ IBM أرفيند كريشنا “نحن نحوّل عملياتنا المؤسسية باستخدام التكنولوجيا، ونُدخل الذكاء الاصطناعي في أكثر من 70 سير عمل مختلفة، مستفيدين من حلول IBM الخاصة في مجالات السحابة الهجينة والأتمتة والذكاء الاصطناعي لتحقيق ميزة تنافسية، وما يميز IBM هو اتساع عروضنا في مجال الذكاء الاصطناعي، والبنية التقنية المبتكرة، وقدرتنا الاستشارية الواسعة، ونهجنا القائم على مفهوم ’العميل صفر‘”.
محرك التحوّل watsonx Orchestrate
يعمل watsonx Orchestrate كمركز موحد يجمع بين وكلاء الذكاء الاصطناعي والمساعدين الرقميين وأدوات البرمجة منخفضة أو معدومة الأكواد، لمساعدة المؤسسات على بناء ونشر وتوسيع نطاق الأتمتة بسرعة.
يرتبط الحل بأكثر من 100 تطبيق مؤسسي، ويأتي مزوداً بمجموعة من وكلاء الذكاء الاصطناعي في مجالات الموارد البشرية والمبيعات والمشتريات ودعم تكنولوجيا المعلومات وغيرها، ما يقلل الأعمال اليدوية ويُسرّع القرارات ويرفع الكفاءة.
وبحسب بيانات IBM تحققت بفضل هذا الحل نتائج عدة، من بينها: مكاسب إنتاجية بقيمة 4.5 مليار دولار بحلول نهاية عام 2025، إضافة إلى توفير 3.9 مليون ساعة عمل في عام 2024 وحده، وكذلك خفض 40 في المئة من الميزانية التشغيلية عبر أدوات مثل AskHR، وتوفير 18 مليون دولار في تكاليف تكنولوجيا المعلومات مع الحفاظ على الدعم المستمر على مدار الساعة.
تنسيق الكفاءة: AskHR و AskIT في الميدان
في عالم الأعمال المتغير، تُعد الإدارة الفعالة وسلاسة العمليات أمرين حاسمين، وقد أعادت حلول IBM المبتكرة، AskHR و AskIT، تعريف هذه المجالات عبر تسخير قدرات الذكاء الاصطناعي.
تستخدم AskHR قدرات watsonx Orchestrate لتقديم ردود دقيقة وسريعة على مجموعة واسعة من استفسارات الموارد البشرية، ما يُبسّط إدارة العمليات ويوفر الوقت ويعزز بيئة عمل أكثر إيجابية وتفاعلاً.
منذ إطلاقه، بحسب IBM، حقق AskHR نتائج لافتة، ففي عام 2024، تعامل النظام مع أكثر من 11.5 مليون تفاعل، وتم احتواء 94 في المئة منها داخل المنصة، أي أن ستة في المئة فقط من الحالات احتاجت لتدخل شريك موارد بشرية متخصص.
أما AskIT المصمم باستخدام watsonx Orchestrate أيضاً، فيقدّم حلولاً فورية للمشكلات التقنية المعقدة، ما يقلل من وقت التعطل ويضمن الأداء الأمثل للبنية التحتية التقنية، وبالتالي يعزز الإنتاجية العامة، يتعامل AskIT مع 80 في المئة من المشكلات التقنية الأكثر شيوعاً، ويغطي أكثر من 200 موضوع دعم بـ40 لغة مختلفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع مرور الوقت، مكّن التكامل مع watsonx Orchestrate كلاً من AskHR و AskIT من التعلم والتطور باستمرار لتحسين الدقة والاستجابة.
وتخطط IBM لإضافة “وكلاء ماليين” إلى هذا النظام لتوسيع هذه الفوائد لتشمل الإدارة المالية، ما يضع الشركة في طليعة حلول المؤسسات المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
اختبار الابتكار من الداخل
لم يقتصر التحول في IBM على الجانب التقني، بل شمل تفعيل المشاركة البشرية عبر إطلاق تحديات ابتكارية على مستوى الشركة لتشجيع الموظفين على اقتراح أفكار تسهم في تبسيط المهام اليومية.
شارك ما يقرب من 170 ألف موظف في “تحدي IBM watsonx 2025″، الذي استهدف منح العاملين تجربة عملية مباشرة مع تقنيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة.
كما تميز نهج IBM بالاعتماد على “نماذج لغوية صغيرة ومتخصصة” مدرّبة على بيانات مؤسسية محددة بدلاً من النماذج العملاقة العامة، ما يضمن دقة أعلى ويقلل من أخطار “هلوسة” الذكاء الاصطناعي ويُنتج مخرجات تتوافق مع احتياجات الأعمال.
الرؤية الأوسع
يشير تقرير معهد IBM لقيمة الأعمال IBV بعنوان “Orchestrating agentic AI for intelligent business operations” إلى تزايد اهتمام التنفيذيين بالأتمتة المعززة بالذكاء الاصطناعي، ووفقاً للنتائج، فإن 80 في المئة يعتبرون أتمتة الخدمات المؤسسية العالمية أولوية استراتيجية، بينما 86 في المئة يعتقدون أن وكلاء الذكاء الاصطناعي سيجعلون الأتمتة وإعادة تصميم سير العمل أكثر فاعلية بحلول عام 2027، ويتوقع 75 في المئة أن ينفذ وكلاء الذكاء الاصطناعي العمليات والمعاملات بشكل ذاتي خلال العامين المقبلين.
ويتوقع التنفيذيون المشاركون في الدراسة تحسناً ملموساً في الأداء الصناعي العالمي بحلول 2026، حيث يتوقعون زيادة 24 في المئة في دقة التنبؤ المالي، إضافة إلى تحسّن 35 في المئة في إنتاجية الموارد البشرية، إضافة إلى تحسين يفوق 40 في المئة في كفاءة المشتريات، وارتفاع يصل إلى 50 في المئة في مؤشرات رضا العملاء.
خريطة طريق للنمو المدعوم بالذكاء الاصطناعي
تُظهر تجربة IBM في “العميل صفر” أن التحول بالذكاء الاصطناعي لا يتعلق فقط بنشر تقنيات جديدة، بل بإعادة صياغة طريقة عمل المؤسسات وطريقة تفاعل الموظفين مع مهامهم، وتقدم قصة نجاحها نموذجاً عملياً للمؤسسات والحكومات التي تسعى إلى استثمار الإمكانات الكاملة للذكاء الاصطناعي.
بالنسبة للسعودية، التي تُسرّع بالفعل تنفيذ أجندتها الرقمية، يمثل نموذج IBM “دليلاً تطبيقياً” وإطاراً عملياً يمكن أن يدعم مسيرتها نحو “عصر جديد من النمو والابتكار المدفوع بالذكاء الاصطناعي”.