كلفة الاقتراض الحكومي في بريطانيا تقفز لأعلى مستوى في 27 عاما

قفزت كلفة الاقتراض الحكومي البريطاني إلى أعلى مستوى لها في 27 عاماً تقريباً، مما زاد الضغط على وزيرة الخزانة البريطانية راشيل ريفز، للكشف عن كيفية معالجتها لعجز المالية العامة قبل موازنة الخريف.
وارتفع العائد، أو سعر الفائدة، على سندات المملكة المتحدة لأجل 30 عاماً بثماني نقاط أساس (0.08 نقطة مئوية) الثلاثاء الماضي إلى 5.62 في المئة.
ودفع ذلك كلف الاقتراض طويل الأجل في المملكة المتحدة إلى ما يقارب ذروة بلغت 5.66 في المئة في أبريل (نيسان) الماضي، عندما وصلت عوائد السندات لأجل 30 عاماً إلى أعلى مستوياتها منذ 1998.
وارتفعت كلف الاقتراض في المملكة المتحدة بصورة حادة في الأشهر الأخيرة، مما رفع كلفة تمويل ديون الحكومة البريطانية إلى أكثر من 100 مليار جنيه استرليني (134.9 مليار دولار) سنوياً، (نحو 10 في المئة من الموازنة السنوية).
وأكد محللون اقتصاديون أن المملكة المتحدة تواجه ضغطاً استثنائياً على وضعها المالي في وقت تدفع كلف الرعاية الاجتماعية والرعاية الصحية المتزايدة والشيخوخة السريعة مستوى الاقتراض في معظم الدول الصناعية.
ومن المتوقع أن تواجه ريفز عجزاً يتراوح ما بين 20 مليار جنيه استرليني (27 مليار دولار) و40 مليار جنيه (53.9 مليار دولار) عند تقديمها موازنة الخريف.
وزيرة الخزانة تحتاج إلى تدبير 40.4 مليار دولار
وللحفاظ على قواعدها المالية والحفاظ على هامش الـ10 مليارات جنيه (13.5 مليارات دولار) بموجب الخطط الحالية، ستحتاج وزيرة الخزانة إلى تدبير ما بين 30 مليار جنيه (40.4 مليار دولار) و50 مليار جنيه (67.4 مليار دولار)، إما من خلال ضرائب إضافية أو خفض الإنفاق أو زيادة الاقتراض.
وأدى ارتفاع فواتير الاقتراض والتراجعات عن خفوض الرعاية الاجتماعية المقترحة إلى زيادة توقعات زيادات الضرائب في وقت لاحق من هذا العام.
ويخشى المستثمرون أيضاً من أن تعاني المملكة المتحدة من تضخم مرتفع سيستمر لسنوات عدة، مما يقلل من قيمة أموالهم في المملكة المتحدة.
وقالت عضو لجنة تحديد أسعار الفائدة في بنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني) كاثرين مان، إن “صانعي السياسات في المملكة المتحدة يقللون من شأن استمرار التضخم”، مضيفة “هناك توتر متزايد بين استمرار التضخم وضعف النمو، وهو التوازن الذي نواجهه حالياً في المملكة المتحدة”.
وأشارت إلى أن البنك في حاجة إلى الحفاظ على أسعار فائدة مرتفعة لخفض التضخم، ثم خفضها بصورة حادة لإنعاش الاقتصاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال رئيس كلية “كوينز” في كامبريدج والمستشار الاقتصادي لشركة “أليانز” محمد العريان إلى صحيفة الـ”غارديان”، إن المملكة المتحدة لديها عدد أقل من ممتصات الصدمات المحلية والخارجية لتخفيف التحديات الهيكلية الفورية وطويلة الأجل.
وأوضح “على سبيل المثال، تفتقر المملكة المتحدة إلى القطاع الخاص شديد الديناميكية والابتكار الذي تمتلكه الولايات المتحدة، وبالمقارنة مع فرنسا، لديها شبكات أمان خارجية أقل، مثل الموارد الهائلة للبنك المركزي الأوروبي“. وأضاف العريان “يكمن جوهر مشكلة المملكة المتحدة في ركود الإنتاجية، فعلى مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، بلغ متوسط نمو الإنتاجية ربع المتوسط السنوي للعقود السابقة، مما أدى إلى تباطؤ طويل الأمد في النمو، وسيؤدي استمرار غيابه إلى ضغوط هيكلية أكبر على الاقتصاد، سواء على المدى القريب أو البعيد”.
بدوره، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة “كامبريدج” جاجيت تشادا إلى الصحيفة نفسها، إن “الوضع حرج، وعلى ريفز إحكام قبضتها على مالية الحكومة”.
هل تتعرض حكومة ستارمر لفقدان الثقة؟
وقال تشادا إن “الحكومة وجدت نفسها في وضع هش، وقد تجبر صدمة اقتصادية عالمية المملكة المتحدة على طلب خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي”، مضيفاً “السبب يكمن في غياب السيطرة على الدين العام، وارتفاع كلف خدمة الدين نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة على الاقتراض، وتراجع الطلب على إقراض المملكة المتحدة”، مرجحاً “أن يتجلى هذا في فشل مزاد مكتب إدارة الديون (DMO) وتجميد أسواق الدين لدينا”، قائلاً “نحن عرضة لصدمة عالمية في أسعار الفائدة أو انهيار الثقة بالحكومة، مما قد يعرض وضعنا الهش للخطر، بعد أن أبدى ساستنا السياسيون مراراً وتكراراً عدم استعدادهم لرفع الضرائب وخفض الإنفاق، مما زاد من شكوك الأسواق”، مؤكداً “أرى أننا الآن عرضة بشدة لسحب سيئ”.
ومن المتوقع أن تطرح وزارة الخزانة نحو 300 مليار جنيه (404.8 مليار دولار) من الديون في مزاد خلال السنة المالية الحالية، ومن المقرر أيضاً أن يعقد مزاد لهيئة إدارة الدين يوم الأربعاء لجمع 5 مليارات جنيه (6.7 مليارات دولار).
وقال نائب محافظ بنك إنجلترا السابق تشارلي بين، “الوضع المالي ليس جيداً، على رغم أن الحديث عن فجوة بقيمة 50 مليار جنيه (67.4 مليار دولار) والحاجة الوشيكة لخطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي أمر مبالغ فيه”، مستدركاً “لكن وزيرة الخزانة أساءت إلى نفسها بالتأكيد عندما التزمت بعدم رفع أي من معدلات الضرائب الرئيسة، مما أجبرها على زيادة الإيرادات بطرق أكثر ضرراً، واختارت أيضاً إدارة المالية العامة باحتياط ضئيل يبلغ 10 مليارات جنيه (13.4 مليارات دولار) فحسب”. وأضاف بين أن نواب حزب “العمال” الخلفيين زادوا الوضع سوءاً بجعل خفض الإنفاق بأي طريقة مجدية شبه مستحيل”، مؤكداً “الحكومة في حاجة إلى رفع ضريبة الدخل أو الأفضل، إلغاء الحد الأقصى لعمر التأمين الوطني للموظفين ودمجه مع ضريبة الدخل بحيث يقع العبء بصورة أكبر على كبار السن الميسورين مثلي”، موضحاً “سيظهر ذلك أنها أخذت زمام المبادرة، ومن المرجح أن تكافأ على ذلك من قبل الأسواق”.
في عام 2022، قبل انتخاب ليز تراس زعيمة لحزب “المحافظين” ورئيسة للوزراء، بلغ عائد السندات لأجل 30 عاماً التي باعتها الحكومة البريطانية نحو 2.4 في المئة.
وبعد الموازنة المصغرة التي أعدتها تراس مع وزير المالية كواسي كوارتينغ، قفز عائد السندات لأجل 30 عاماً إلى 5 في المئة، قبل أن يتراجع إلى نحو 3.5 في المئة بعد إلغاء العديد من إجراءات الموازنة المصغرة.
ومع فوز حزب “العمال” في الانتخابات في يوليو (تموز) الماضي، ارتفع عائد السندات لأجل 30 عاماً مجدداً إلى أكثر من 4.5 في المئة واستمر في الارتفاع منذ ذلك الحين، ليظل فوق 5 في المئة منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.