قواعد جديدة تضرب التسوق الرخيص عبر الإنترنت في أميركا

أصبح مصطلح لاتيني لم يكن معروفاً خارج مجتمع وسطاء الجمارك مادة للعناوين الرئيسة هذا العام، ويعود ذلك لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنهاء المعاملة المعفاة من الرسوم للبضائع المصنفة ضمن فئة “دي مينيميس”، التي استمرت لما يقارب 90 عاماً.
المصطلح الذي يترجم بصورة فضفاضة إلى “ضئيل جداً ليؤخذ في الاعتبار” يشير إلى الطرود الصغيرة المرسلة مباشرة إلى المستهلكين من الخارج، التي تصل بالملايين إلى الولايات المتحدة يومياً. وكان الحصول على صفة “دي مينيميس” يمنح ميزة كبرى: لا بيانات جمركية ولا رسوم.
هذا الإعفاء استفادت منه الأسواق الصينية منخفضة الكلفة مثل “شي إن” و”تيمو”، اللتين استغلتا شغف الأميركيين بشراء الملابس الرخيصة والألعاب والإلكترونيات، وغيرها عبر الإنترنت. لكن الإعفاء الجمركي انتهى بالنسبة إلى الطرد القادم من الصين القارية وهونغ كونغ في الثاني من مايو (أيار)، ثم توقف لبقية دول العالم في الـ29 من أغسطس (آب).
وبات المستهلكون الأميركيون يواجهون احتمال ارتفاع الأسعار وزيادة فترات الانتظار لوصول طلباتهم، وقبل دخول التغييرات حيز التنفيذ في أغسطس، أوقف عدد من مشغلي البريد موقتاً الشحنات الموجهة إلى الولايات المتحدة بسبب غياب الوضوح في شأن كيفية تحصيل الرسوم.
ما هو إعفاء “دي مينيميس” في الولايات المتحدة؟
لكي يتأهل الطرد، كان يجب ألا تتجاوز قيمته 800 دولار، وهو حد مرتفع مقارنة بدول أخرى، ففي كندا مثلاً، يبلغ الحد 150 دولاراً كندياً (109 دولارات أميركية) للإعفاء من الرسوم على البضائع القادمة من الولايات المتحدة والمكسيك، و20 دولاراً كندياً (15 دولاراً أميركياً) من بقية الدول.
أما في الاتحاد الأوروبي فالحد 150 يورو (175 دولاراً)، بينما تعفي الصين عادة الطرود التي لا تتجاوز قيمتها نحو 7 دولارات.
الإعفاء الأميركي يعود لعام 1938، عندما عدل الكونغرس قوانين الرسوم لإسقاط الرسوم عن السلع منخفضة الكلفة لتفادي إنفاق غير ضروري في مقابل عوائد ضئيلة، أو كما وصفه مسؤول سابق في وزارة الخزانة: “إنفاق دولار لتحصيل 50 سنتاً”.
بدأ الإعفاء بدولار واحد فقط، وظل ثابتاً لعقود قبل أن يرتفع إلى 5 دولارات عام 1990، ثم إلى 200 دولار عام 1993، وصولاً إلى 800 دولار عام 2016 في عهد باراك أوباما.
ماذا تعني القواعد الجديدة للمستهلك الأميركي؟
إلغاء الإعفاء لا يعني أن الأميركيين لا يمكنهم شراء الطرود الصغيرة من الخارج، بل يعني أن هذه السلع ستدخل عبر الجمارك وتخضع للرسوم.
البائعون قد يتحملون الكلفة الإضافية، أو ينقلونها إلى المستهلكين إما غير مباشرة عبر رفع الأسعار، أو مباشرة عبر فرض الرسوم على المشتري.
رفعت “شي إن” و”تيمو” أسعار مجموعة واسعة من المنتجات من الفساتين إلى أدوات المطبخ، قبل دخول الرسوم حيز التنفيذ في الثاني من مايو الماضي.
وارتفع متوسط أسعار 98 منتجاً مدرجاً على “شي إن” بأكثر من 20 في المئة، بحلول أوائل مايو مقارنة بأسبوعين سابقين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في مكان آخر، أعلنت شركة “أوليفي يونغ” الكورية الجنوبية لمستحضرات التجميل، التي استفادت من شعبية منتجات العناية بالبشرة الكورية بين المستهلكين الأميركيين، أنها ستضيف رسماً جمركياً بنسبة 15 في المئة على جميع الطلبات الموجهة للولايات المتحدة ابتداء من الـ27 من أغسطس الماضي.
وقد يتأثر ذوو الدخل المنخفض في أميركا بصورة غير متناسبة من نهاية الإعفاء، إذ إن نحو 75 في المئة من الشحنات المباشرة المستوردة إلى أفقر المناطق البريدية كانت ضمن فئة “دي مينيميس”، مقارنة بـ52 في المئة فقط في أغنى المناطق، وفقاً لتحليل المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية باستخدام بيانات عام 2021.
هل يمكن أن يؤدي إلغاء الإعفاء إلى تعطيل التوريد؟
أوقفت شركات البريد في أكثر من 20 دولة، منها أستراليا وسنغافورة والنرويج، شحناتها إلى الولايات المتحدة قبل الموعد النهائي في الـ29 من أغسطس، بينما كانت تحاول فهم كيفية تطبيق النظام الجديد.
أما القيود التي فرضتها “دويتشه بوست” و”دي إتش إل”، إحدى أكبر شركات الشحن العالمية، فتعكس حال الغموض في شأن “من سيجمع الرسوم الجمركية وكيف، وما البيانات الإضافية المطلوبة، وكيف ستنقل إلى هيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية”، بحسب بيان الشركة.
الخدمات البريدية لم يسبق لها التعامل مع هذا الكم من الأوراق، فالطرود الداخلة إلى الولايات المتحدة يجب أن ترافقها بيانات جمركية تفصيلية عن محتويات الطرد وقيمته وبلد منشأ السلع، ليس فقط بلد الشحن بل بلد الصنع.
وبعيداً من الاضطراب قصير الأجل بسبب تراكم المعاملات، فإن عدداً من شحنات التجارة الإلكترونية قد تصبح أبطأ، لأن ارتفاع التكاليف سيجعل الشحن الجوي المكلف أصلاً غير مربح لنقل السلع منخفضة القيمة.
بدلاً من أن يصل الطرد خلال يومين عبر الطائرة، قد يستغرق ثلاثة أسابيع عبر رحلة بحرية من الصين إلى الساحل الغربي الأميركي.
أي الشركات ستتأثر أكثر؟
اعتمدت متاجر التجزئة الإلكترونية منخفضة الكلفة مثل “تيمو” و”شي إن” و”علي إكسبرس” التابعة لمجموعة “علي بابا” لسنوات على إعفاء دي مينيميس للتوسع في السوق الأميركية، وهو اتجاه تسارع خلال طفرة التجارة الإلكترونية في جائحة كورونا.
وشكلت التجارة الإلكترونية العابرة للحدود طوق نجاة للمصنعين الصينيين الذين يعملون بهوامش ربح ضئيلة، بعد انهيار إنفاق المستهلك المحلي خلال الجائحة وعدم تعافيه بالكامل.
خلال الجائحة، برزت “شي إن” عبر استهداف المستهلك الأميركي الباحث عن الأسعار المخفضة ببلوزات قيمتها دولاران وقمصان بـ10 دولارات. ثم دخلت “تيمو” السوق عام 2022 بشعارها “تسوق كالملياردير”، أما “تيك توك شوب” فهو لاعب أحدث.
لكن نهاية الإعفاء يبدو أنها كبحت الطلب الأميركي، إذ تراجعت مبيعات “شي إن” الأسبوعية بنسبة 23 في المئة على أساس سنوي في أواخر يونيو (حزيران) قبل أن تتعافى جزئياً، أما “تيمو” فشهدت تراجعاً أعمق، إذ انخفضت مبيعاتها الأسبوعية بأكثر من الثلث خلال يونيو، ولم تعد بعد لمستويات العام الماضي بحلول منتصف أغسطس الماضي.
الأثر لن يقتصر على الأسواق الصينية وحدها، بل سيمتد ليشمل البائعين الذين يعتمدون على أسلوب “دروب شيبينغ”، وكذلك الشركات الأميركية الصغيرة التي كانت تستورد دفعات من السلع تحت سقف 800 دولار لتفادي الرسوم، حتى الشركات الصغيرة في الخارج التي تبيع عبر “إي باي” و”إيتسي” ستتأثر.
وتثار مخاوف من أن يؤدي الإلغاء في الولايات المتحدة إلى تدفق السلع الرخيصة، خصوصاً الصينية، إلى أسواق أخرى. وبسبب القلق من منافسة المنتجات المحلية، تراجع أسواق مثل بريطانيا ترتيباتها الخاصة بالإعفاءات على الواردات منخفضة القيمة.
كيف تطورت تغييرات ترمب على الإعفاء؟
بعد أيام من توليه منصبه، علقت إدارة ترمب قاعدة “دي مينيميس” بالنسبة إلى الصين القارية وهونغ كونغ، لكنها سرعان ما أرجأت التنفيذ بينما كانت هيئة البريد الأميركية تبحث كيفية تطبيق السياسة.
أعيد فرض التعليق فعلياً في مايو، مما حمل المشترين لطرود تصل قيمتها 800 دولار من الصين وهونغ كونغ رسوماً، إما تعادل 120 في المئة من قيمة الطرد أو رسوماً ثابتة قدرها 100 دولار.
ولاحقاً، وبعد اتفاق أميركي – صيني لخفض الرسوم الثلاثية، أصدر ترمب أمراً تنفيذياً بتقليص الرسوم إلى 54 في المئة.



