قد يواجه ملاك العقارات في بريطانيا تأمينا وطنيا على دخل الإيجار في الموازنة

تدرس وزارة الخزانة البريطانية فرض تأمين وطني على دخل الإيجار، في إطار سعيها إلى زيادة الإيرادات من خلال استهداف “الدخل غير المكتسب”، ضمن موازنة تشرف عليها راشيل ريفز.
ووفقاً للمقترحات المطروحة، يمكن أن يطبق التأمين الوطني على عائدات الإيجار بهدف جمع نحو ملياري جنيه إسترليني (2.7 مليار دولار).
وقد شارك في بلورة هذه الفكرة عدد من نواب حزب العمال، ومساعدون حكوميون، إلى جانب مؤسسة بحثية بارزة، في محاولة لسد فجوة تصل إلى 40 مليار جنيه إسترليني (54 مليار دولار) في المالية العامة.
ويعد المسؤولون حالياً خيارات لزيادة الإيرادات بما لا يتجاوز “الخطوط الحمراء” التي وضعتها ريفز قبل الانتخابات العامة، والتي نصت على عدم رفع ضريبة القيمة المضافة أو ضريبة الدخل أو التأمين الوطني (أي من دون تغيير النسب الحالية)، بل عبر توسيع نطاق تطبيقها.
ويذكر أن غالبية العوائد من الممتلكات والمعاشات التقاعدية ومدخرات المستثمرين معفية من مساهمات التأمين الوطني، في حين تفرض هذه المساهمات على دخول الموظفين المكتسبة بمعدل ثمانية في المئة.
ومع ذلك، أفادت مصادر مطلعة على الاستعدادات السابقة للموازنة لصحيفة الـ”تايمز”، بأن المسؤولين يدرسون توسيع نطاق التأمين الوطني ليشمل دخل الإيجار.
وجادل حلفاء ريفز بأن هذه الخطوة لا تنتهك “الخطوط الحمراء”، إذ لا تعدل في معدل الضريبة، بل توسع وحسب قاعدة الخاضعين لها، وهو ما يشبه فرض ضريبة القيمة المضافة على رسوم المدارس الخاصة.
ووفق مصادر داخل حزب العمال، يعتبر دخل العقارات “مصدراً تمويلياً إضافياً مهماً”، وينظر إلى ملاك العقارات كوسيلة لاستهداف “الإيرادات غير المكتسبة”.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن صافي دخل العقارات بلغ نحو 27 مليار جنيه إسترليني (36.4 مليار دولار) في السنة المالية 2022–2023، وهي آخر سنة متاحة من البيانات.
وكان من شأن فرض ضريبة تأمين وطني إضافية بنسبة ثمانية في المئة على هذا الدخل أن يولد نحو 2.18 مليار جنيه إسترليني (2.9 مليار دولار).
أصحاب العقارات الصغيرة الأكثر تضرراً
ولكن يشير المعنيون إلى أن نسبة مساهمة التأمين الوطني لدى الموظفين تنخفض إلى اثنين في المئة بعد تجاوز الدخل سقف 50 ألف جنيه إسترليني (67.5 مليار دولار)، وفي حال الإبقاء على هذا الحد، فإن أصحاب العقارات الصغيرة سيكونون الأكثر تضرراً، بسبب تأثرهم الأكبر بخيارات التوسيع المحتملة.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن صافي دخل العقارات في السنة المالية 2022–2023 بلغ نحو 27 مليار جنيه إسترليني (36.4 مليار دولار)، ويمكن أن يولد فرض رسم تأمين وطني إضافي بنسبة ثمانية في المئة نحو 2.18 مليار جنيه إسترليني.
وتظهر الفئة الأكثر شيوعاً من دخل العقارات ما بين 50 و70 ألف جنيه إسترليني (67.5- 94.5 ألف دولار) أن 360 ألف مالك يتم توليد 4.76 مليار جنيه إسترليني (6.4 مليار دولار) من هذه الفئة، مما يعني أن كلاً منهم قد يتحمل فاتورة إضافية تصل إلى 1057 جنيهاً إسترلينياً (1.4 ألف دولار) سنوياً في حال تطبيق الرسم.
وعد هذا الرسم ضريبة على “الدخل غير المكتسب”، وهو ما يراه النقاد كخيار لتوسيع نطاق التأمين الوطني من دون رفع معدلاته، بما يتماشى مع الالتزامات السابقة بعدم رفع الضرائب.
ووفقاً للتقارير، فإن عدد الأشخاص الذين سجلوا حصولهم على دخل من العقارات بلغ 2.2 مليون، وأن نحو 19 في المئة من السكان يستأجرون من مالكين خاصين بحسب مسح الإسكان الإنجليزي.
وقد طرحت فكرة فرض التأمين الوطني على دخل الإيجار في سبتمبر (أيلول) الماضي من قبل مؤسسة “ريزوليوشن”، التي كان يترأسها تورستن بيل قبل أن يستقيل وينضم لحزب العمال، ومن ثم تولى الإشراف على الاستعدادات الأخيرة لموازنة ريفز.
ولم تقر ريفز هذه الفكرة العام الماضي، لكنها احتفظت بها احتياطاً، ويقال إنها ستكون ضمن الخيارات المطروحة هذا الخريف، نظراً إلى احتمالية مواجهة عجز مالي أكبر.
وقد زاد ارتفاع كلف الاقتراض من حجم التحدي الذي تواجهه وزيرة الخزانة، إذ تلقت أخباراً سيئة أخرى هذا الأسبوع، بعدما اقتربت كلف الاقتراض الطويل الأجل لديون الحكومة البريطانية من أعلى مستوى لها في 27 عاماً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتبدي وزارة الخزانة عادة معارضة للضرائب الجديدة، إذ ينظر إلى إصلاح الضرائب الحالية على أنه أسهل في التطبيق، وبالتالي يمكن هيئة مراقبة الموازنة من تقييم آثارها في توقعاتها في شأن الإنفاق الحكومي المستقبلي وإيرادات الضرائب.
في وقت يحذر منتقدو اقتراح تطبيق التأمين الوطني على دخل الإيجار من أنه سيشجع ملاك العقارات على بيعها، مما قد يقيد سوق التأجير ويرفع الإيجارات.
وشهد عدد ملاك العقارات المؤجرة ارتفاعاً هائلاً، إذ يشترون العقارات لأغراض التأجير وحسب من خلال شركة، ويتقاضون أجورهم من خلال توزيعات الأرباح. وقال محللون إن فرض تأمين وطني على دخل الإيجار على ملاك العقارات المستقلين قد يدفع مزيداً منهم إلى تأسيس شركات خاصة لتجنب الضريبة الإضافية.
ويجادل مؤيدو الخطة بأنه في حال بيع ملاك العقارات، فسيطلقون العنان لمخزونهم في السوق، ويسمحون لمزيد من المستأجرين بالانضمام إلى سوق العقارات، ويقولون أيضاً إن المستأجرين سيحظون بحماية مشروع قانون حقوق المستأجرين الذي اقترحته أنجيلا راينر، والذي أقره مجلسا العموم واللوردات، ولكنه أعيد إلى أعضاء البرلمان مع تعديلات من لوردات البرلمان، ويحظر هذا التشريع على ملاك العقارات زيادة إيجارات المستأجرين الحاليين أكثر من مرة واحدة سنوياً، أو إلى ما يزيد على أسعار السوق.
هل تفرض بريطانيا ضريبة أرباح رأس المال على المنازل عند بيعها؟
وقال كبير الاقتصاديين في مؤسسة “ريزوليوشن” آدم كورليت لصحيفة الـ”تايمز”، إنه “مع الزيادات الضريبية التي من الواضح أنها مقبلة هذا الخريف، يتعين على وزيرة الخزانة أن تستخدمها كفرصة لجعل النظام الضريبي أكثر عدالة وكفاءة”.
ومن بين الخيارات المطروحة لتحقيق العدالة الضريبية، ينظر إلى تطبيق التأمين الوطني على دخل العقارات المؤجرة كوسيلة لمعايرة الضرائب على صور الدخل المختلفة بالمعدل نفسه، لأنه لا مبرر لأن يدفع مالكو العقارات ضرائب أقل من مستأجريهم.
وتشير تقارير إلى أن بعض نواب حزب “العمال” ومستشاري الحكومة يمارسون ضغوطاً خفية من أجل هذه الخطوة.
وفي المقابل، تؤكد جماعات مصالح أصحاب العقارات أنهم تكبدوا أعباء كبيرة بسبب ارتفاع كلف الرهن العقاري خلال 2022 و2023، التي بدأت تهدأ وحسب في الصيف الماضي.
وأشار التقرير إلى أن ريفز، ضمن استعداداتها للموازنة، تدرس إصلاحات أوسع للنظام الضريبي العقاري، بما في ذلك فرض ضريبة أرباح رأس المال “CGT” على المنازل ذات القيمة المرتفعة عند البيع.
ورفض متحدث باسم وزارة الخزانة التعليق مباشرة على التغييرات المحتملة في التأمين الوطني، قائلاً “كما هو موضح في خطة التغيير، فإن أفضل طريقة لتعزيز المالية العامة هي تنمية الاقتصاد، وهو محور تركيزنا”، مضيفاً “ليس تغيير سياسات الضرائب والإنفاق هو السبيل الوحيد لتحقيق ذلك، كما يتضح من إصلاحاتنا التخطيطية، التي من المتوقع أن تعزز الاقتصاد بمقدار 6.8 مليار جنيه إسترليني (9.1 مليار دولار) وتخفض الاقتراض بمقدار 3.4 مليار جنيه إسترليني (4.5 مليار دولار)”.
وأكد المتحدث “نحن ملتزمون إبقاء الضرائب على العاملين عند أدنى مستوى ممكن، ولهذا السبب، في موازنة الخريف الماضي، حمينا رواتب العاملين، وأوفينا بوعدنا بعدم رفع المعدلات الأساسية أو الأعلى أو الإضافية لضريبة الدخل، أو التأمين الوطني للموظفين، أو ضريبة القيمة المضافة”.
هل ستجد ريفز صعوبة في سد فجوة المالية في الموازنة؟
لقد وجد السير كير ستارمر ووزيرة الخزانة راشيل ريفز طرقاً أكثر ابتكاراً للدفاع عن زيادات الضرائب، على رغم التزامهما الانتخابي الصريح عدم رفع ضريبة القيمة المضافة أو ضريبة الدخل أو التأمين الوطني.
وأكدت ريفز في وقت سابق أن موازنتها الأولى وفرت الحماية لـ”الطبقة العاملة”، معتبرة أن زيادة مساهمات أصحاب العمل في التأمين الوطني لا تتعارض مع ذلك التعهد، لكن بعد أكثر من عام في منصبها، يبدو أن أملها في تجنب موجة جديدة من زيادات الضرائب وخفض الإنفاق قد تلاشى.
ويقدر اقتصاديون أن ريفز ستجد صعوبة في سد فجوة مالية تقدر بنحو 40 مليار جنيه إسترليني (54 مليار دولار) من دون الإعلان عن إجراءات تهدف إلى جمع عشرات المليارات، فيما يعترف بعض حلفائها بأنهم باتوا “محاصرين” بخطوطهم الحمراء.
ووسط موجة التكهنات في شأن من سيتحمل العبء الضريبي المقبل، لجأ وزراء إلى التشديد على حماية من يتقاضون أجوراً ثابتة أو يعيشون من دخلهم المكتسب، في محاولة لتوضيح أن الحكومة متمسكة بتعهدها بحماية “الطبقة العاملة”، وخصوصاً الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
وفي لحظة لافتة العام الماضي، قال ستارمر إن الطبقة العاملة “تعرف تماماً من هي”، في إشارة إلى صعوبة وضع تعريف محدد لها.
وتشمل الأهداف المحتملة لزيادات الضرائب المدخرين في الحسابات الفردية للتوفير”ISAs”، لتشجيعهم على الاستثمار في الأسهم والسندات، إلى جانب أصحاب المنازل الفاخرة، وتتعرض ريفز لضغوط داخل حزب العمال، من شخصيات بينها اللورد كينوك، لفرض “ضريبة قصور” على الأثرياء، فيما يواجه ملاك العقارات خطراً متزايداً بتقليص عوائدهم.
لكن فرض ضرائب على الأصول يثير تحديات معقدة، إذ يحذر اقتصاديون من أن الأثرياء قد يلجأون إلى بيع ممتلكاتهم أو نقلها إلى الخارج، مما قد يزيد من صعوبة معالجة العجز المتراكم نتيجة أعوام من خفوض الإنفاق العام، كما يشير منتقدون إلى أن تجارب “ضريبة الثروة” في دول أخرى لم تحقق النتائج المرجوة.
وتتجلى هذه الصعوبات في الجدل حول ضريبة الميراث للمزارعين، إذ جادلوا بأن ارتفاع قيمة الأراضي الزراعية والمعدات يجعل من المستحيل تسييلها بسهولة لتغطية الالتزامات الضريبية.
ومن المرجح أن تضطر ريفز إلى توسيع دائرة خياراتها لجمع الإيرادات، ومن بين المقترحات المطروحة رفع ضرائب القمار، استجابة لدعوة رئيس الوزراء السابق غوردون براون، إلا أن القرار النهائي حول من سيتحمل العبء سيحسم في الموازنة المقبلة.