عالمي

“فيتش”: صمود التصنيف الائتماني لدول الشرق الأوسط وسط تحديات

يعادل الإصلاح الاقتصادي والوضع المالي الجيد التأثيرات السلبية لهبوط أسعار النفط والتوترات الجيوسياسية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما يجعل التصنيف الائتماني السيادي لتلك الدول مستقراً.

هذا ما خلص إليه تقرير مطول لمؤسسة “فيتش” للتصنيف الائتماني تضمن تحليلاً موسعاً للوضع الائتماني لدول المنطقة والعوامل المؤثرة فيه وتقديرات النظرة المستقبلية للتصنيف السيادي.

ويشهد النمو الاقتصادي تحسناً في كل دول المنطقة، بخاصة الدول المنتجة للنفط، حيث ينمو الناتج المحلي الإجمالي مدعوماً بزيادة إنتاج النفط وبنمو القطاعات غير النفطية نتيجة الاستثمارات الكبيرة التي تدعمها الدولة.

وشهدت مصر نمواً اقتصادياً مدفوعاً بزيادة الطلب المحلي، وكذلك المغرب نتيجة استمرار زيادة الاستثمارات والظروف المناخية الجيدة التي ساعدت على تحسن إنتاج المحاصيل.

لم يشهد التصنيف الائتماني لكل دول المنطقة أي تراجع، ما عدا تصنيف إسرائيل، نتيجة التوترات الجيوسياسية، ذلك لأن الأحداث مقصورة على جهات غير خاضعة للتصنيف الائتماني أصلاً. إلا أن التقرير يشير إلى احتمالات تصاعد صراعات أخرى، بخاصة بين إسرائيل وإيران، ويقدر أن ذلك يمكن أن تكون له تبعات سلبية على التصنيف السيادي لدول المنطقة.

على رغم الاضطرابات الجيوسياسية في المنطقة حافظت أسعار النفط على استقرارها في الغالب الأعم، ودعمت سعة الإنتاج الإضافية لدى الدول الأعضاء في تحالف “أوبك+” السوق، وما زالت تلك السعة الإضافية عند مستوى معقول على رغم زيادة إنتاج التحالف، لذا لم تغير مؤسسة “فيتش” تقديراتها لمتوسط سعر النفط لهذا العام.

شهد التصنيف الائتماني لدول المنطقة تحسناً طفيفاً في فترة الـ12 شهراً الماضية على رغم الصراعات الإقليمية، ولم تخفض المؤسسة التصنيف السيادي لأي من دولها وكياناتها. وتلك أطول فترة لا يتم فيها تخفيض التصنيف الائتماني منذ نحو عقد من الزمن. حتى تونس جرى تعديل توقعات تصنيفها الائتماني أخيراً إلى “إيجابي”، وليس هناك في المنطقة تصنيف “سلبي” سوى لإسرائيل والبحرين.

أوضاع مالية جيدة

بحسب تقديرات “فيتش” لمتوسط أسعار البترول هذا العام 2025 عند سعر 70 دولاراً للبرميل، يتوقع أن تحقق كل دول مجلس التعاون الخليجي، ما عدا البحرين، إضافة إلى العراق، فائضاً مالياً هذا العام، ويدعم ذلك صمود التصنيف الائتماني لتلك الدول.

وإجمالاً، لم يعد هناك تصنيف ائتماني دون مستوى CCC+ لأي من دولها الخاضعة للتصنيف منذ عام 2019، وهو التصنيف الذي يعني أن الانخفاض عنه يصعب على الدول والكيانات المصنفة الوصول إلى الائتمان من السوق الأولية.

ويفصل التقرير من خلال جداول الأرقام والرسوم البيانية العوامل التي تساعد على صمود الوضع الائتماني لدول المنطقة في غالبها. ومن أهم تلك العوامل في ضوء تقديرات مؤسسة التصنيف الائتماني الكبرى، إلى جانب استقرار الأوضاع الاجتماعية والسياسية، تحقيق فوائض في الموازنة والنمو القوي للقطاعات غير النفطية في الاقتصادات التي تشهد إصلاحات لتنويعها. ونتيجة لذلك يستمر تقييم الأصول صحياً وقوياً، ما يعزز الوضع الائتماني للبلد الخاضع للتصنيف.

يبقى استمرار انخفاض معدلات التضخم من العوامل المهمة التي تأخذها مؤسسات التصنيف الائتماني في الاعتبار. وفي دول مجلس التعاون الخليجي لم ترتفع معدلات التضخم بقوة حتى في أزمة وباء كورونا، بالتالي فإن مستوياتها المنخفضة نسبياً تدعم توقعات التصنيف الائتماني الإيجابي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الدول غير النفطية، بدأت معدلات التضخم في التراجع، بما يعزز الوضع الائتماني للبلد المعني، وعلى سبيل المثال، في مصر انخفض معدل التضخم بأكثر من النصف إلى نسبة 12 في المئة في أغسطس (آب) مقابل نسبة 26 في المئة قبل عام، بالتالي استمر البنك المركزي في سياسة التيسير النقدي بخفض أسعار الفائدة، علاوة على أن استقرار سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار يسهم في زيادة الجدارة الائتمانية، في الأقل في المدى القصير، وربما المتوسط.

يظل التصنيف الائتماني لمصر من قبل “فيتش” عند B مع نظرة مستقبلية مستقرة.

تباين أوضاع دول المنطقة

يظهر تحليل المؤسسة تبايناً واضحاً بين دول المنطقة في كثير من العوامل التي يجري على أساسها تصنيف أي بلد ائتمانياً وتقدير التوقعات المستقبلية لذلك التصنيف. ويأخذ ذلك في الاعتبار مستويات عجز الموازنة وحاجات التمويل الخارجية، إضافة إلى الانضباط المالي ومستويات الدين العام وغيرها.

على سبيل المثال، يعكس تصنيف العراق عند B- اعتماد البلاد الكبير على عائدات النفط والاضطرابات السياسية التي تضيف إلى الأخطار الائتمانية، إذ إن الأخطار السياسية لها تأثير مباشر على عجز الموازنة والحساب الجاري وضبط بنود الإنفاق مقابل الدخل في المالية العامة.

وإذا كانت زيادة حجم الدين عاملاً سلبياً بالنسبة إلى بلد كمصر، فإن زيادة عجز الموازنة هي العامل السلبي الأهم بالنسبة إلى العراق حين تقرر المؤسسات الدولية التصنيف الائتماني السيادي، ويزيد عجز الموازنة في العراق على نسبة 8 في المئة.

أما العامل الأهم في غالب دول مجلس التعاون الخليجي فهو الإصلاحات الاقتصادية المستمرة، التي تدعم النظرة المستقبلية الإيجابية في تصنيفها الائتماني، وذلك إضافة إلى استمرار النمو الكبير للقطاعات غير النفطية ضمن خطط التحول وتنويع الاقتصاد بعيداً من النفط.

على سبيل المثال، رفعت مؤسسة “فيتش” النظرة المستقبلية لتصنيف سلطنة عمان إلى “إيجابية”، وظل تصنيفها عند BB+ نتيجة استمرار الحكومة العمانية في خفض ديون الشركات العامة والمؤسسات الحكومية في سياق العمل المستمر على زيادة الانضباط المالي، والنتيجة أن ظلت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي مستقرة في حدود 35 في المئة.

تلك الأمثلة السابقة للدول التي تصنيفها الائتماني عند مستوى أقل من الممتاز، أي دون مستوى A أما الدول التي تفوق ذلك المستوى بما يعني المزيد من الجدارة الائتمانية مثل قطر والسعودية والإمارات، فهناك تباينات أيضاً في تفاصيل عوامل التقييم الائتماني السيادي، لكن المحصلة العامة تظل في إطار الصمود والإيجابية على رغم التحديات.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى