عالمي

الاقتصاد الإيراني يصارع بعملته المرهقة 45 في المئة من التضخم

يوشك الشهر الرابع من العام الإيراني والموافق ليوليو (تموز) الجاري من نهايته، في وقت شهدت فيه الأسواق المالية في إيران واحدة من أكثر الفترات اضطراباً وقلقاً.

منذ بداية الشهر، ألقت أجواء الحرب، ثم الهدنة غير المستقرة، بظلالها على الاقتصاد الإيراني الذي يعاني أصلاً أزمات متواصلة، مما أدخل أسواق الصرف والذهب والبورصة في حال من الترقب والجمود وانعدام الثقة.

وفي الأيام الأولى من هذا الشهر، ومع استمرار حال الحرب، أغلقت الأسواق المالية بقرار رسمي، ومع ذلك لم يمنع الإغلاق الرسمي سوق الصرف من المرور بحال شديدة من التقلب.

في أعقاب الصدمة الأولية الناجمة عن اندلاع الحرب، قفز سعر الدولار الواحد إلى حدود 96 ألف تومان، قبل أن يتراجع سريعاً ويصل إلى 86 ألف تومان، غير أن هذا التراجع لم يكن مستقراً، إذ شهد سعر الدولار تقلبات متكررة بين 83 و90 ألف تومان، تبعاً لأي خبر إيجابي أو سلبي حول مستقبل المفاوضات بين النظام الإيراني والولايات المتحدة.

أعلى موجة تقلب شهدها سعر الدولار سجلت خلال الفترة من الـ30 من يونيو (حزيران) الماضي إلى السابع من يوليو الجاري، إذ ارتفع سعر الدولار الواحد من 90 ألفاً و600 تومان إلى 91 ألفاً و600 تومان في اليوم الثالث من يوليو، لكن مع حلول عطلة الأيام من الرابع إلى السادس من يوليو تراجعت التوقعات في شأن استئناف وشيك للحرب، مما أدى إلى هبوط في سعر الدولار، إذ انخفض من نحو 90 ألفاً و650 تومان في الساعات الأولى من تداول السابع من يوليو إلى 88 ألفاً و370 تومان بنهاية اليوم نفسه. 

الاتجاه التنازلي لسعر الصرف

وفي النصف الثاني من الشهر الأول من الصيف، تواصل الاتجاه التنازلي لسعر الصرف، إذ تراجع سعر الدولار الواحد إلى حدود 87 ألفاً و500 تومان، واستمر هذا المنحى بصورة عامة حتى نهاية الشهر.

وشهدت أسواق العملات الأخرى نمطاً مشابهاً من التقلبات، إذ ارتفع سعر اليورو الواحد، الذي بلغ في بداية الشهر 99 ألفاً و100 تومان، إلى حدود 109 آلاف تومان في منتصف الشهر والموافق السادس من يوليو الجاري، قبل أن يتراجع إلى نحو 101 ألف تومان، وسلك كل من الجنيه الاسترليني والدرهم الإماراتي المسار نفسه، مع تقلبات ملاحظة طوال الفترة.

ويرى محللون ماليون أن العامل الأهم الذي سيؤثر في سوق الصرف خلال الأسابيع المقبلة هو مصير المفاوضات المحتملة بين النظام الإيراني والولايات المتحدة، ومع ذلك فإن تحذيرات الدول الأوروبية في شأن تفعيل آلية الزناد قد تشكل صدمة جديدة للأسواق، وتمهد لموجة ارتفاع جديدة في أسعار العملات الأجنبية.

الذهب بين مخاوف الحرب وسياسات الإنفاق

في سوق الذهب والسبائك لعبت العوامل السياسية مثل الحرب والهدنة دوراً بارزاً في تحديد الأسعار، إلى جانب تأثيرات الأسواق العالمية، إذ شهد سعر سبيكة الذهب من نوع “بهار آزادي”، التي اقتربت من رقم قياسي عند 80 مليون تومان (910 دولار) في بداية الأزمة، هبوطاً ملاحظاً في اليوم الثاني من شهر تيرماه الموافق الـ23 من يونيو الماضي، إذ انخفض سعرها من 75 إلى 69 مليون تومان (852 إلى 784 دولار)، ويعزى هذا التراجع أساساً إلى إعادة فتح السوق بعد فترة الإغلاق وزيادة ضغوط البيع.

وابتداء من الثامن من تيرماه والموافق الـ29 من يونيو الماضي، استأنفت سوق الذهب اتجاهها الصعودي، إذ تجاوز سعر سبيكة “بهار آزادي” حاجز 70 مليون تومان (795 دولار). وفي الأيام الأخيرة من الشهر نفسه (تيرماه)، تداول سعر سبيكة الذهب ضمن نطاق متذبذب يتراوح ما بين 70 و72 مليون تومان (795 و818 دولار). وعلى رغم ارتفاعها مجدداً إلى حدود 75 مليون تومان (852 دولار)، فإن هذا الصعود لم يكن مستقراً، وشهدت الأسعار تقلبات غير منتظمة من دون اتجاه ثابت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولم تكن الأسواق العالمية بمنأى عن التأثير في هذا المسار، إذ تشير التوقعات إلى أن سعر أونصة الذهب قد يصل إلى حدود 3500 دولار بحلول نهاية عام 2025، فيما الأسعار الحالية التي تتراوح بين 3200 و3350 دولاراً تؤثر بصورة مباشرة في السوق المحلية. ويرى كثير من المحللين أن الأسعار الحقيقية في سوق الذهب الإيراني لن تتضح، ما لم تنته حال الترقب والضبابية النفسية السائدة بين خياري الحرب والسلام. 

وفي خضم هذه التطورات، لا يزال نهج “التحكم الموجه” بالأسواق قائماً بقوة، وهو النهج الذي تعزز منذ اندلاع الحرب وتعيين وزير الاقتصاد الجديد في حكومة الرئيس مسعود بزشكيان. وتجلت سياسات ضخ السيولة في سوق الذهب من خلال تكثيف مزادات بيع السبائك الذهبية، وإعادة منح التراخيص للمنصات الإلكترونية المتخصصة في بيع الذهب بالغرام، أما في سوق المال فيظهر هذا النهج بصورة أكثر وضوحاً ومن دون مواربة.

البورصة على حافة الانهيار

سوق المال والبورصة في إيران، التي كانت تعاني اضطراباً حتى قبل اندلاع الحرب، أعيد فتحها بعد عطلة طويلة فرضتها حال الحرب، وسط آمال بأن يسهم وقف إطلاق النار في كبح الاتجاه التنازلي، غير أن البورصة شهدت خلال الأيام الثلاثة الأولى من استئناف نشاطها واحدة من أعنف موجات سحب السيولة، إذ هوى المؤشر العام بسرعة إلى ما دون مستوى مليونين و700 ألف نقطة. 

ومع تواصل طوابير البيع الكثيف خلال الأيام الأربعة الأولى من إعادة فتح السوق، اضطرت الحكومة إلى التدخل، إذ وجد وزير الاقتصاد الجديد محسن مدني ‌زادة نفسه مضطراً إلى التراجع عن مواقفه السابقة، على رغم أنه كان من أبرز المعارضين لتدخل الدولة المباشر في سوق المال. وفي الأيام الأولى لتوليه المنصب، صرح مدني ‌زادة بأن البورصة، في حال عدم حصولها على دعم واضح من البنك المركزي، قد تواجه أزمة تفوق في حدتها الانهيار التاريخي الذي شهدته في عام 2020. 

وفي الـ12 من يوليو الجاري، صرح المدير التنفيذي لسوق البورصة محمد علي شيرازي في معرض تعليقه على الانهيارات المتتالية في السوق، قائلاً إنه “جرى التخطيط لحزمة واسعة من إجراءات الدعم بهدف إخراج السوق من حالتها الانفعالية”. وشبه الوضع الحالي للبورصة بالأزمات العالمية مثل حرب أوكرانيا، معتبراً إياها السبب الرئيس وراء عدم استقرار السوق.

واستجابة لهذه الأزمة، ضخت الحكومة حزمة مالية ضخمة بـ60 تريليون تومان (14.3 مليار دولار)، وعلى رغم أن هذه الخطوة أسهمت جزئياً في تقليص طوابير البيع، إذ يرى خبراء أن هذا المستوى من الدعم لا يكفي لإعادة الاستقرار للسوق بصورة حقيقية.

وفي خطوة تالية، تعهد صندوق “استقرار وتنمية أسواق رأس المال” بضخ 35 تريليون تومان (8.33 مليار دولار) إضافية من خلال إصدار سندات تبعية، وهو ما وصفه المنتقدون بأنه ضخ سيولة قصير الأمد.

حدثت هذه التطورات وسط مخاوف متزايدة من الاقتصاديين حيال هذا النهج، إذ يتساءل هؤلاء إلى متى ستتمكن الحكومة من الاستمرار في سياساتها التقليدية التدخلية، ويعتقدوا أن أكبر المستفيدين من هذه الحماية هم شركات المحاماة والمساهمون الكبار، بينما يظل المستثمرون الأفراد عرضة للخسائر.

يبدو أن الأولوية الرئيسة للحكومة الإبقاء على مؤشر البورصة باللون الأخضر، ومع ذلك قد يتحول شهر تيرماه (يبدأ من الـ22 من يونيو الماضي إلى الـ22 من يوليو الجاري) إلى نقطة مفصلية لمسار العام القادم، إذ تشير النماذج الاقتصادية إلى أن استمرار السياسات التوجيهية لزيادة السيولة النقدية يتطلب طباعة نقود من دون دعم، مما سينتهي حتماً بالانزلاق نحو معدل تضخم يصل إلى 45 في المئة.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى