سوريا تمنح البنوك مهلة 6 أشهر لاستيعاب خسائر الأزمة اللبنانية

اتخذ مصرف سوريا المركزي خطوة جريئة نحو إعادة هيكلة القطاع المصرفي المتعثر في البلاد، بإلزام البنوك التجارية بتكوين مخصصات في مقابل خسائرها الناجمة عن الانهيار المالي في لبنان، وتقديم خطط إصلاح واضحة خلال ستة أشهر.
القرار يعكس رغبة الحكومة في معالجة الاختلالات العميقة التي راكمتها الحرب والعقوبات خلال الأعوام الماضية، لكنه يفتح في الوقت نفسه ملفاً حساساً يتعلق بمستقبل الودائع السورية المجمدة في النظام المصرفي اللبناني منذ عام 2019.
انكشاف مالي يتجاوز 1.6 مليار دولار
ووفقاً لـ”رويترز”، قال حاكم مصرف سوريا المركزي عبدالقادر الحصرية إن “انكشاف البنوك السورية على النظام المالي اللبناني يزيد على 1.6 مليار دولار، وهو ما يعادل نحو ثلث إجمال الودائع في القطاع المصرفي التجاري السوري البالغة 4.9 مليار دولار”.
وتشير بيانات بورصة دمشق إلى أن البنوك اللبنانية الأصل مثل “بنك الشرق” و”فرنسبنك” و”بنك سوريا والمهجر” و”بيمو السعودي الفرنسي” و”شهبا بنك” من بين الأكثر تضرراً، إذ كانت تعتمد على ودائعها في لبنان كمصدر رئيس للسيولة خلال سنوات الحرب.
إلى ذلك، يرى مصرفيون أن هذه البنوك لم تكن تملك بدائل كثيرة آنذاك بسبب العقوبات الغربية، فلجأت إلى بيروت كمنفذ مالي، غير أن الانهيار الذي أصاب النظام المصرفي اللبناني عام 2019 جعل تلك الأموال شبه مجمدة، في وقت لم يعتمد فيه لبنان بعد خطة شاملة لتوزيع الخسائر أو تحديد أولويات التعويض.
خطة إصلاح شاملة وسباق مع الزمن
وبحسب التوجيه الصادر في الـ22 من سبتمبر (أيلول) الماضي، فإن البنوك السورية مطالبة بتقديم خطط إعادة هيكلة “موثوقة وواقعية” في غضون ستة أشهر، مع إلزامها بتكوين مخصصات مالية لتغطية خسائر انخفاض القيمة.
ويقول الحصرية إن “الهدف ليس العقاب بل الشفافية”، موضحاً “لا نريد أن يتعرض أي بنك لمشكلات، لكن الإنكار ليس حلاً أيضاً، نحن ننتقل من مرحلة إنكار اتبعتها الحكومة السابقة إلى مرحلة الاعتراف والمعالجة”.
غير أن بعض المصرفيين انتقدوا ضيق المهلة، معتبرين أن فترة نصف عام غير كافية لبناء مخصصات كبيرة أو جذب مستثمرين جدد في ظل بيئة مالية خانقة، إذ قال أحدهم لـ”رويترز” إن “القرار في جوهره منطقي، لكن تنفيذه في هذا الإطار الزمني صعب للغاية”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الضغوط التي خلقها القرار دفعت بعض البنوك المتضررة إلى البحث عن حلول بديلة تشمل شراكات جديدة أو استحواذات من مؤسسات عربية، فبحسب مصادر مصرفية تجري حالياً محادثات أولية بين بنوك سورية وعدد من المؤسسات المالية في الأردن والسعودية وقطر لبحث إمكان الدخول في شراكات أو شراء حصص استراتيجية.
وذكر الحصرية أن “الحكومة تسعى إلى مضاعفة عدد البنوك التجارية العاملة في سوريا بحلول عام 2030″، مشيراً إلى أن بعض المصارف الأجنبية تقدمت بطلبات ترخيص جديدة، لكنه امتنع عن الكشف عن التفاصيل لأسباب تتعلق بسرية المفاوضات.
السياق التاريخي للأزمة اللبنانية
تعود جذور الأزمة لعام 2019، حين انهار النظام المصرفي اللبناني بسبب سوء الإدارة وتفاقم الدين العام، مما أدى إلى تجميد ودائع المقيمين والأجانب على حد سواء.
ومن بين المتضررين، البنوك السورية التي كانت تعتمد على بيروت كملاذ آمن لتحويل الأموال بعيداً من العقوبات الدولية.
ومنذ ذلك الحين، لم يقر لبنان خطة واضحة لمعالجة الفجوة المالية المقدرة بعشرات المليارات من الدولارات، على رغم حديث المسؤولين عن “قانون الفجوة المالية” المنتظر لتنظيم أولويات السداد.
ويرى محللون أن القرار السوري الأخير يمثل خطوة نحو تطهير القطاع المصرفي من الديون المتعثرة والأخطار الخفية، لكنه في الوقت نفسه قد يدفع بعض البنوك الصغيرة إلى الاندماج أو الخروج من السوق نهائياً إن عجزت عن استيفاء الشروط المطلوبة.
ويبدو أن النظام المصرفي السوري يسير نحو إعادة هيكلة قسرية فرضتها الظروف الإقليمية والعقوبات الدولية.
وبينما تسعى دمشق إلى استعادة السيطرة على مؤسساتها المالية وتحقيق الشفافية، تبقى قدرة البنوك على امتصاص خسائرها اللبنانية وإعادة التموضع في بيئة اقتصادية مضطربة الاختبار الأصعب في المرحلة المقبلة.