حرب الرسوم تشعل وتيرة المواجهة بين واشنطن وبكين

تتجه العلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة إلى مرحلة جديدة من التصعيد، بعدما أعلنت بكين اليوم الثلاثاء استعدادها لخوض “القتال حتى النهاية” في الحرب التجارية التي فجرها إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات الصينية.
ويأتي هذا الموقف الصيني في ظل تصاعد التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم وسط تبادل الرسوم الجمركية والقيود التنظيمية التي تهدد بتقويض سلاسل الإمداد العالمية وإرباك أسواق الشحن والتجارة البحرية.
بدأت الصين فرض رسوم خاصة على السفن التي تملكها أو تشغلها أو تبنيها جهات أميركية أو ترفع علم الولايات المتحدة، مع استثناء السفن التي تصنع داخل الأراضي الصينية من تلك الرسوم.
وأوضحت وزارة التجارة أن الإعفاءات تشمل كذلك السفن الفارغة التي تدخل أحواض بناء السفن الصينية لأغراض الإصلاح، على أن تحصل الرسوم في أول ميناء دخول ضمن الرحلة الواحدة، أو خلال أول خمس رحلات في السنة وفق دورة الفوترة التي تبدأ في الـ17 من أبريل (نيسان) من كل عام.
وفي المقابل كانت إدارة ترمب قد أعلنت في وقت سابق هذا العام عن نيتها فرض رسوم على السفن المرتبطة بالصين في خطوة تهدف إلى كبح هيمنة بكين على صناعة النقل البحري، وتشجيع تطوير قدرات أميركا في بناء السفن.
ودخلت رسوم الرئيس الأميركي دونالد ترمب الجمركية الجديدة على الخشب المستورد والأثاث وخزائن المطابخ حيز التطبيق اليوم الثلاثاء، في تطور يرجح بأن يزيد كلف البناء ويفاقم الضغوط على مشتري المنازل في سوق يواجه في الأساس العديد من التحديات.
وفُرضت الرسوم لتعزيز الصناعات في الولايات المتحدة وحماية الأمن القومي، بحسب البيت الأبيض، وتضاف إلى سلسلة رسوم جمركية تستهدف قطاعات محددة فرضها ترمب منذ عودته إلى الرئاسة.
وتشمل الحزمة الأخيرة رسوما جمركية نسبتها 10 في المئة على الخشب الليّن بينما تبدأ الرسوم على أنواع معيّنة من الأثاث المنجّد وخزائن المطابخ من نسبة 25 في المئة.
واعتبارا من الأول من يناير (كانون الثاني) 2026، سترتفع الرسوم المفروضة على الأثاث المنجّد إلى 30 في المئة، بينما سترتفع تلك المفروضة على خزائن المطابخ والحمامات إلى 50 في المئة.
“الرابطة الوطنية لبناة المنازل” تحذر
لكن الرسوم على منتجات الأخشاب من بريطانيا لن تتجاوز 10 في المئة فيما تواجه تلك من الاتحاد الأوروبي واليابان حدا أقصى قدره 15 في المئة، وتوصل الشركاء التجاريون الثلاثة إلى اتفاقات مع إدارة ترمب لتجنّب رسوم أكثر تشدداً.
في الأثناء، حذر رئيس “الرابطة الوطنية لبناة المنازل” بادي هيوز من أن الرسوم الجديدة “ستخلق مزيداً من التحديات لسوق إسكان يواجه تحديات بالأساس، وذلك عبر رفع كلف البناء والتجديد”.
وخلص تحقيق أجري خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن إلى أن الصين تتبع سياسات غير عادلة في قطاعات الشحن والإمداد وبناء السفن، وهو ما وفر الغطاء القانوني للعقوبات الجديدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وردت الصين بفرض رسوم موانئ مماثلة على السفن الأميركية اعتباراً من اليوم ذاته الذي تدخل فيه الرسوم الأميركية حيز التنفيذ، مما يجعل أعالي البحار جبهة جديدة في الحرب التجارية المتصاعدة بين القوتين الاقتصاديتين.
ويقدر محللون أن تتحمل شركة “كوسكو” الصينية لنقل الحاويات ما يقارب نصف الكلفة المتوقعة لقطاع النقل البحري العالمي، والتي قد تصل إلى 3.2 مليار دولار عام 2026، نتيجة الرسوم الجديدة والاضطرابات في مسارات الشحن.
ويتوقع أن تمتد تداعيات الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة إلى قطاعات أوسع من النقل البحري والطاقة والسلع الأولية، إذ تؤكد مؤشرات السوق أن الرسوم الجديدة على السفن سترفع كلفة الشحن البحري بما بين 8 و12 في المئة خلال الأشهر المقبلة، هذا الارتفاع سينعكس على أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي المسال والمنتجات الصناعية المنقولة عبر الموانئ الآسيوية، مما يضغط على هوامش أرباح شركات التجارة والطاقة العالمية.
تنويع مسارات الإمداد
ويرى محللون أن الصين بصفتها أكبر مستورد للنفط في العالم قد تتجه إلى تنويع مسارات الإمداد عبر موانئ بديلة في الشرق الأوسط وأفريقيا لتقليص الاعتماد على الشركات الأميركية، كما أن تفاقم النزاع البحري سيعيد تشكيل خريطة الشحن العالمية، مع احتمالات استفادة روسيا والهند وسنغافورة من إعادة توجيه المساراًت التجارية.
وفي حال طال أمد الصراع، فإن اضطراب الممرات البحرية قد يزيد من الضغوط التضخمية ويبطئ وتيرة التعافي الاقتصادي العالمي خلال العام الحالي.
تشير التطورات الأخيرة إلى أن الصراع الاقتصادي بين بكين وواشنطن يتجاوز الرسوم الجمركية إلى معركة نفوذ على سلاسل الإمداد البحرية العالمية. وفي حال استمرار التصعيد قد يشهد العام الحالي اضطرابات واسعة في حركة التجارة الدولية وارتفاعاً في كلف النقل، مما يفاقم الأخطار على الاقتصاد العالمي المتباطئ أصلاً.