عالمي

تحذيرات من أزمة للاقتصاد الأميركي وسط تأثير الرسوم الجمركية

يجتمع وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية حول العالم هذا الأسبوع في واشنطن وهم مشغولون بسؤال محوري: ما الوضع الحقيقي للاقتصاد الأكبر في العالم حالياً؟

ويوجد كبار صناع السياسات الاقتصادية، بما في ذلك وزيرة الخزانة البريطانية راشيل ريفز ومحافظ بنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني) أندرو بيلي، لحضور الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

في الاجتماع الأخير لصندوق النقد الدولي في أبريل (نيسان) الماضي صدمت الأسواق بصاعقة الرسوم الجمركية التي أطلقها الرئيس ترمب تحت شعار “يوم التحرير”، مما أدى إلى تراجع حاد في قيمة الدولار وارتفاع كلفة الاقتراض للحكومة الأميركية، مع تحذيرات من هشاشة الاستقرار المالي واحتمالية وقوع ركود وشيك.

واليوم، تواصل سوق الأسهم الأميركية تسجيل مستويات قياسية جديدة، فيما يدفع ازدهار الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي النمو المحلي، ولم يظهر الركود المثير للقلق الناتج من الرسوم الجمركية في شكل تضخم متسارع أو تقلص في سوق العمل، وسجل الاقتصاد الأميركي نمواً سنوياً بمعدل 3.8 في المئة في الأشهر الثلاثة حتى يونيو (حزيران) الماضي، وهو الأداء الأقوى بكثير بين دول مجموعة السبع.

ومن المتوقع أن يستخدم سكوت بيسنت، أبرز مسؤول اقتصادي في إدارة ترمب ووزير الخزانة، الاجتماعات لاستعراض إنجازات السياسات الحكومية وإظهار كيف أن التيار الاقتصادي السائد كثيراً ما قدم توقعات خاطئة حول تأثير الرسوم الجمركية وترحيل المهاجرين أو الإنفاق المالي. وفي أبريل الماضي ألقى بيسنت خطاباً حاد اللهجة اتهم فيه صندوق النقد الدولي بـ”النظرة المتفائلة المبالغ فيها، التي تعكس مؤسسة تركز أكثر على الحفاظ على الوضع القائم بدلاً من طرح الأسئلة الصعبة”.

وقال كبير الاقتصاديين في شركة “أبولو”، تورستن سلوق، هذا الشهر إن أداء الاقتصاد الأميركي يجب أن يجبر “المجتمع الاقتصادي… على مواجهة أنفسنا أمام المرآة”، وأضاف “التوقعات خلال الأشهر التسعة الماضية كانت تشير إلى تباطؤ الاقتصاد الأميركي، لكن الواقع هو أن ذلك لم يحدث على الإطلاق، والخلاصة هي أن الاقتصاد الأميركي لا يزال يظهر مرونة مذهلة، وأصبح من الصعب بصورة متزايدة القول إننا ما زلنا ننتظر التأثيرات السلبية المؤجلة لما حدث قبل ستة أشهر في ’يوم التحرير‘ في التاسع من أبريل الماضي”.

صندوق النقد يتعرض لضغوط البيت الأبيض

تأتي اجتماعات صندوق النقد الدولي في وقت حساس للصندوق، الذي يتعرض لضغوط من البيت الأبيض، أكبر مسهم فيه، لإجراء إصلاحات.

وصرح ترمب وبيسنت بأنهما لن ينسحبا من مؤسسات بريتون وودز، لكنهما يريدان منها التخلي عن أهداف تغير المناخ والمساواة بين الجنسين في برامج الإقراض، والتركيز بدلاً من ذلك على مراقبة فائض التجارة غير المتوازن للصين.

واضطر صندوق النقد الدولي إلى تقديم مساعدات بمليارات الدولارات للأرجنتين، التي يعد رئيسها خافيير ميلي صديق ترمب المقرب ورفيقه الأيديولوجي.

وفي خطابها التمهيدي قبل الاجتماعات الأسبوع الماضي، شددت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغيفا، على أن الصندوق ليس من بين المتشائمين الذين توقعوا ركوداً في الاقتصاد الأميركي، وأن أكبر اقتصاد في العالم “صمد” على رغم الرسوم الجمركية.

وحرصت غورغيفا على تجنب انتقاد الحمائية التجارية بصورة صريحة، مؤكدة بدلاً من ذلك أن معدلات الرسوم الجمركية الفعلية في الولايات المتحدة ليست بالقدر المانع الذي كان يخشى منه في أبريل الماضي.

في حين أصبحت نائبة غورغيفا السابقة وكبير اقتصاديي صندوق النقد الدولي السابق، جيـتا جوبيناث، التي غادرت الصندوق في وقت سابق من هذا العام، أقل دبلوماسية اليوم، وتشير إلى أن نتائج سياسات ترمب التجارية “سلبية”، معتبرة أن الرسوم تشكل “ضريبة على الشركات والمستهلكين الأميركيين” ولم يكن لها أي تأثير حتى الآن في تقليص العجز التجاري للبلاد أو خلق وظائف في قطاع التصنيع.

ولا يزال معظم الاقتصاديين يتوقعون أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى رفع معدل التضخم في أسعار السلع، وأن تؤثر قيود الهجرة بصورة جدية على توفر القوى العاملة، وأن تؤدي خفض الضرائب إلى سياسة مالية متساهلة لن يتم موازنتها بسياسة نقدية أكثر تشدداً في ظل خفض البنك المركزي لمعدلات الفائدة.

آثار الرسوم الجمركية لترمب والتضخم

بدأت آثار الرسوم الجمركية تظهر في بعض قطاعات التضخم السعري للسلع، لكن التأثير الكامل تأجل بسبب تخزين الشركات الأميركية وارداتها في بداية العام قبل فرض الرسوم.

وحتى الآن، تكبد المستوردون الجزء الأكبر من ارتفاع الكلف الناتجة من الرسوم ضمن هوامش أرباحهم، بدلاً من تمريرها للمستهلكين.

وهذا وضع غير مستدام، ومن المتوقع أن يؤدي في النهاية إلى وصول معدل التضخم في أسعار المستهلكين إلى 3.5 في المئة العام المقبل، وأن يبقى فوق ثلاثة في المئة لمعظم العام، وفقاً لأرقام معهد “بيترسون”.

وأحد أبرز العوامل التي ساعدت الاقتصاد الأميركي على التفوق هذا العام هو حجم الاستثمارات الضخم من شركات التكنولوجيا في بناء قدرات الذكاء الاصطناعي، من خلال مراكز البيانات والبرمجيات.

ومن دون الإنفاق الرأسمالي في هذين المجالين، كان الاقتصاد الأميركي ليقترب من الركود هذا العام، وفقاً لما يؤكده متخصصون مثل المستشار الاقتصادي للرئيس أوباما، جيسون فورمان، وهي نقطة أيضاً أبرزها باحثون في بنك “دويتشه”.

وقال جورج سارافيلوس من بنك “دويتشه” لصحيفة “الغارديان”، “قد لا يكون من المبالغة القول إن شركة إنفيديا، المورد الرئيس للسلع الرأسمالية لدورة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، تتحمل حالياً عبء نمو الاقتصاد الأميركي”، وأضاف “الخبر السيئ هو أنه لكي تستمر دورة التكنولوجيا في الإسهام في نمو الناتج المحلي الإجمالي، يجب أن يبقى الاستثمار الرأسمالي في تزايد هائل، وهذا أمر غير محتمل إلى حد كبير”.

“ركود بلا ذكاء اصطناعي”

يقود ازدهار الإنفاق على الذكاء الاصطناعي سوق الأسهم الأميركية نحو مستويات قياسية جديدة، مع تركيز جميع المكاسب على شركات التكنولوجيا الكبرى ذات القدرة الهائلة مثل “مايكروسوفت” و”غوغل”، ووفقاً لبنك “غولدمان ساكس” فإن تقييمات الأسهم لأكبر خمس شركات تكنولوجيا في الولايات المتحدة تفوق جميع الأسهم المدرجة في مؤشرات “يورو توكس 50″، وبريطانيا والهند واليابان وكندا، وقال البنك “بدأ كثير من المستثمرين يتساءلون عما إذا كان كل هذا منطقياً أم أننا نشهد العلامات الكلاسيكية لفقاعة غير مستدامة”.

ويرى مدير الاقتصاد الكلي العالمي في “أس تي لومبارد”، داريو بيركنز، أن السرد القائل بـ”ركود بلا ذكاء اصطناعي” يتجاهل مدى مساهمة أجزاء أخرى من الاقتصاد في تعويض الأعباء الناتجة من استيراد شركات الذكاء الاصطناعي للرقائق، وأضاف أن الركود ليس مجرد تباطؤ في النمو، بل يتطلب أيضاً انخفاضاً كبيراً في مستويات التوظيف.

وقال بيركنز “من المرجح أن يعاود الاقتصاد تسارعه بدلاً من التوقف، السياسة سواء المالية أو النقدية تتجه نحو التوسع، ومن المتوقع أن يؤدي تحسن المعنويات إلى تحرير الطلب المكبوت، ومع تراجع العرض من المرجح أن يعود التضخم أيضاً”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وغيرت التوقفات في صدور البيانات الرسمية منذ بدء إغلاق الحكومة الفيدرالية في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، من رؤية الحال الحقيقية للاقتصاد، ولم تنشر أرقام الرواتب الشهرية التي تحظى بمتابعة دقيقة كما كان مقرراً هذا الشهر، وقد يمتد الإغلاق إلى الشهر المقبل، مما يؤخر نشر أرقام التضخم الرئيسة لسبتمبر (أيلول) الماضي.

هشاشة القطاع الخاص

بالنسبة إلى التشاؤميين، هناك بالفعل علامات مقلقة لهشاشة القطاع الخاص، فقد أعلنت شركة فيرست براندز، المصنعة لقطع غيار السيارات في تكساس إفلاسها الشهر الماضي، وما زال اعتمادها الكبير على الائتمان الخاص يتردد صداه في “وول ستريت”، مسلطاً الضوء على أسماء بارزة مثل “ميلينيوم” و”يو بي أس” و”جيفريز”.

من غير المرجح أن توفر اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للوفود الزائرة وضوحاً كبيراً حول ما إذا كان الاقتصاد الأميركي يشهد طفرة أو على وشك تباطؤ كبير.

ومع ذلك ستكون مساره الاقتصادي العامل الأكثر تأثيراً في تشكيل النتائج الاقتصادية لبقية العالم في الأشهر المقبلة.

وقال مدير معهد “بيترسون” آدم بوسن للصحيفة “الاقتصاد الأميركي… يمثل مصدر أكبر قدر من عدم اليقين والتقلب، وربما يكون أقوى عامل للتغيير في العالم”، وأضاف “لذلك، ما يحدث في الولايات المتحدة من جهة النمو والتضخم واستجابة السياسات، من المحتمل أن يكون المحرك الأكبر [للاقتصاد العالمي]”.

فرنسا تتجه لأعوام من الركود

حذر محللون من أن الأزمة السياسية الفرنسية قد تدفع بالبلاد إلى أعوام من الركود ما لم يواجه قادتها المشكلات الاقتصادية الهيكلية: شيخوخة السكان، وارتفاع الدين العام، والحاجة الملحة إلى مزيد من الاستثمارات، بحسب ما كتب جاك بارنيت.

ويعاني البرلمان الفرنسي شللاً سياسياً منذ الانتخابات التشريعية العام الماضي، التي شهدت انتصارات كبيرة لحزب الاشتراكيين ولحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، الذي كانت تقوده سابقاً مارين لوبن.

وتنحى عدد من رؤساء الوزراء الذين عينهم الرئيس ماكرون بعد فشلهم في الحصول على دعم سياسي من الاشتراكيين أو حزب التجمع الوطني لخطط تتضمن رفع سن التقاعد وإلغاء بعض العطلات الرسمية، في محاولة للحد من العجز المالي.

ومن المتوقع أن يستمر العجز عند أكثر من خمسة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الأعوام القليلة المقبلة من دون تنفيذ إصلاح مالي حقيقي، وتبلغ نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بالفعل 114 في المئة، لتكون ثالث أعلى نسبة بين الدول الـ20 في منطقة اليورو.

وقال رئيس قسم الاقتصاد الكلي العالمي في بنك” آي أن جي” الهولندي، كارستين بريزسكي، في مذكرة للعملاء “عدد رؤساء الوزراء ليس سبباً لعدم الاستقرار، بل هو عرض، وهذا يشير إلى أن هناك شيئاً في الاقتصاد و/أو المجتمع في حاجة إلى إصلاح”، وأضاف “في حال فرنسا يتعلق الأمر بالمأزق غير المحلل لكيفية التوفيق بين ارتفاع الدين العام وشيخوخة السكان والحاجة الملحة إلى الاستثمار والإصلاح الهيكلي”.

وعين الرئيس ماكرون أخيراً سيباستيان ليكورنو رئيساً للوزراء، ليصبح خامس رئيس وزراء لفرنسا منذ بداية العام الماضي، وكان ليكورنو في سباق مع الزمن لتشكيل حكومة قبل الموعد النهائي للموازنة، وسط ظهور انقسامات داخل حزب الجمهوريين المحافظ حول قبول الحقائب الوزارية في حكومته.

ويعد ضمان دعم الاشتراكيين أمراً محورياً لنجاح ليكورنو في السيطرة على عجز فرنسا، مما يعني على الأرجح أنه سيتعين عليه تقديم إجراء ضريبي تقدمي رمزي، مثل إعادة فرض ضريبة الثروة.

واقترح الاقتصادي الفرنسي المؤثر في كلية باريس للاقتصاد، غابرييل زوكمان، فرض ضريبة بنسبة لا تقل عن اثنين في المئة على التركات التي تزيد قيمتها على 100 مليون يورو (116 مليون دولار)، ودعم كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، أوليفييه بلانشار، مثل هذه الخطط.

وقال محللون في بنك “بيرنبرغ” إن الحكومة الجديدة “لن تحل على الأرجح المشكلات الجوهرية لفرنسا، ولإقناع الاشتراكيين بالانضمام إلى ائتلاف، من المرجح أن يضطر الوسط السياسي إلى تقديم تنازلات لهم، وأهم ما يريده الاشتراكيون حالياً هو ضريبة على الثروة، وتعليق إصلاحات التقاعد، وتخفيف إجراءات التقشف المالي بصورة عامة، وهذه السياسات ستزيد من الضغوط على المسار المالي الفرنسي”.

وكانت هناك تكهنات بأن ماكرون قد يدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة لكسر الجمود البرلماني، إلا أن تعيين رئيس وزراء آخر يجعل هذا الاحتمال غير مرجح.

ويشعر المستثمرون بالقلق إزاء استدامة المالية العامة، إذ بلغ الفارق بين عائد السندات الحكومية الفرنسية القياسية لأجل 10 أعوام وألمانيا، المعروف باسم “السبريد”، نحو 0.8 نقطة مئوية، وهو الأعلى منذ أزمة ديون منطقة اليورو.

وفي مكان آخر ارتفع عائد السندات الحكومية اليابانية الطويلة الأجل بصورة حادة الأسبوع الماضي بعد فوز سناي تاكايتشي في انتخابات قيادة الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم، مما رفع توقعات زيادة كبيرة في الإنفاق العام.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى