بعض الأسماء البارزة تتوقع قرب انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي

قبل نحو 25 سنة، زرت “حاضنة لشركات التجارة الإلكترونية”. كانت عبارة عن مبنى تجاري يقع في كليركنويل بلندن، وقد حُوّل إلى مساحات عمل حديثة. ضمت كل طبقة مجموعات من الشباب الذين كانوا يرتدون قمصاناً سوداء وسراويل جينز وأحذية “كونفرس”، وكانوا يحدقون بتركيز في شاشات كمبيوترية. كانت كل مجموعة تروج لفكرة مختلفة من أفكار التجارة الإلكترونية. وضم السطح شرفة تحتوي على ركن لشواء اللحوم وحانة للمشروبات ومنصة لتنسيق الأغنيات ونباتات في أصص ومقاعد ضخمة. كان المكان عصرياً للغاية، وبدا وكأنه منقول من شمال كاليفورنيا.
كانت إحدى المجموعات تبيع طعاماً للحيوانات الأليفة. سألت أفرادها لماذا قد يشتري الناس كميات كبيرة من بسكويت الكلاب مباشرة منهم – هل يحتاجون فعلاً إلى هذه الكميات؟ هل لديهم أماكن لتخزينها؟ ألم تكن محال مثل “تيسكو” تبيعها أصلاً؟ وكيف يمكنهم منافسة محال السوبرماركت في الأسعار؟ نظروا إليّ باستغراب. بدا واضحاً لهم أنني لم أفهم “الفكرة” التي كانت تحفز نشاطهم.
بعد فترة وجيزة، انفجرت فقاعة التجارة الإلكترونية. من أكبر الضحايا في ذلك الوقت كانت شركة “بتس دوت كوم” Pets.com في الولايات المتحدة؛ لم تكن تضم مجموعة الشباب نفسها التي التقيت بها في كليركنويل، لكنها كانت أقرب إلى نسخة عنها. على غرار مئات الشركات التي انهارت، لم تُجر “بتس دوت كوم”، ومقرها سان فرانسيسكو، بحوثاً حقيقية في أحوال السوق، بل افترضت فقط أنها عثرت على فكرة مدرة للربح. لم تحسب تكلفة نقل طعام الحيوانات الأليفة بكميات ضخمة؛ لم يخطر ببالها لماذا تبني محال السوبرماركت مستودعات ضخمة مؤتمتة وتدير أساطيل من الشاحنات. لم تكن تمتلك خطة أعمال حقيقية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في سنتها الأولى، حققت “بتس دوت كوم” إيرادات قدرها 619 ألف دولار، لكنها أنفقت 11.8 مليون دولار على الإعلانات فقط (منها 1.2 مليون دولار في مقابل إعلان خلال مباراة نهائية لدوري كرة القدم الأميركية). لقد أدى انهيار فقاعة التجارة الإلكترونية عام 2000 إلى محو 1.755 تريليون دولار من قيمة أسهم الشركات العاملة في مجال الإنترنت. وأسهمت فضائح مؤسسية لاحقة مثل فضيحة شركة “إنرون”، إلى جانب هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، في تسريع تراجع السوق، التي تكبدت بحلول نهاية عام 2002 خسائر إجمالية بلغت خمسة تريليونات دولار. أفلست مئات الشركات حول العالم، وخسر عشرات الآلاف من الناس وظائفهم.
يحذر خبراء اليوم من أن الظروف مهيأة لتكرار المشهد ذاته. حينئذ، كانت الفقاعة فقاعة التجارة الإلكترونية، أما اليوم فستكون فقاعة الذكاء الاصطناعي – ويقال إن الأرقام ستكون أكبر بكثير. تحذر لجنة السياسة المالية في “بنك إنجلترا” من أن “مخاطر تصحيح حاد في السوق قد ازدادت” بسبب الارتفاع الكبير في تقييمات شركات التكنولوجيا الأميركية – لغة اللجنة مخففة كالعادة؛ يعني تعبير “تصحيح حاد” هنا عملياً انهياراً.
أما الملياردير الأميركي ومدير أحد صناديق التحوط بول تيودور جونز، وهو من المتنبئين في شأن اتجاهات الأسواق، إذا وجد هؤلاء، فهو أكثر صراحة حين يقول: “المكونات اللازمة لحدوث انفجار ما موجودة كلها. يعيد التاريخ نفسه كثيراً، لذلك أعتقد أن نسخة مماثلة من ذلك [انفجار فقاعة التجارة الإلكترونية] ستتكرر. وإذا كان من فارق، فهو أن الوضع الآن أكثر قابلية للانفجار منه عام 1999”.
انضم إلى تيودور جونز، كبير المصرفيين في العالم، جيمي دايمون، الذي يقول إنه “أكثر قلقاً من الآخرين” في شأن احتمال وقوع انهيار خلال الأشهر الستة إلى السنتين المقبلتين. دايمون، رئيس بنك “جي بي مورغان” العملاق في وول ستريت، يضيف: “أقدر أن احتمال ذلك أعلى مما تظهره السوق أو يتوقعه الآخرون. إذا كانت السوق تحدد الاحتمال بنسبة 10 في المئة، فأنا أراه أقرب إلى 30 في المئة”.
في ذلك الزمن، كانت إضافة عبارة “دوت كوم” [التجارة الإلكترونية] إلى اسم الشركة تضفي هالة سحرية عليها؛ اليوم يحل مكانها الحرفان “إيه أي” AI [الذكاء الاصطناعي]. الحرفان موجودان في كل مكان. ومجدداً، يندفع المستثمرون للحاق بالركب. أقرض مستثمرون يسعون وراء هذه التكنولوجيا الجديدة مليارات الدولارات. عام 2000، تعرفنا إلى مفهوم “التمويل عبر الموردين” – أي إقراض الشركات الناشئة لشراء المعدات التي تحتاج إليها؛ هو مفهوم لا يزال حياً جداً، ويستخدم المال اليوم لشراء تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وعلى غرار ما جرى في السابق، ارتفعت تقييمات الشركات في شكل خيالي. شركة “إنفيديا”، التي تصنع أدوات المعالجة التي تشغل الذكاء الاصطناعي، تقدر قيمتها حالياً بنحو 4.67 تريليون دولار.
تعد “إنفيديا” واحدة من “الشركات السبع العظيمة” في قطاع التكنولوجيا – إلى جانب “ألفابت” و”أمازون” و”ميتا” و”تيسلا” و”أبل” و”مايكروسوفت” – وهي شركات تمثل وحدها 36 في المئة من مؤشر “ستاندرد أند بورز 500”. تخيلوا ذلك: يشكل هذا المؤشر الأميركي أكثر من 60 في المئة من الأسهم العالمية. هكذا هو تركز القوة المالية في العالم؛ ولهذا قد يكون أي انهيار في “حمى الذهب” ذات الصلة هذه المرة بالذكاء الاصطناعي كارثياً على المدخرين والعاملين في البلدان كلها.
ما كان يفتقر إليه الباحثون عن الذهب هو الأرباح الفعلية. وكذلك في طفرة التجارة الإلكترونية كانت التكنولوجيا متقدمة، والمكاتب أنيقة، ومواد التسويق جريئة وجميلة التصميم – لكن العنصر الأهم المفقود كان الأرباح. يريد المستثمرون دوماً عائداً على استثماراتهم، بغض النظر عن الحماسة التي يبذلونها. هذا هو ما يغذي القلق الحالي: تضخ ثروات في الذكاء الاصطناعي من دون عوائد حقيقية حتى الآن، فيما يظل الاقتصاد العالمي هشاً في عالم مليء بالاضطرابات.
تحاول شركات التكنولوجيا العملاقة التخفيف من المخاوف، مؤكدة أن أي انهيار، إن حصل، سيكون مختلفاً. تتلخص حجتها في أن الأموال المقترضة لتمويل الذكاء الاصطناعي لا تشكل نسبة عالية مقارنة بمستويات الديون الفلكية التي تراكمت قبل عام 2000. وتفيد بأن الثروة القابلة للاستثمار باتت أكبر اليوم. يعترف الرئيس التنفيذي لشركة “أوبن إيه أي”، سام ألتمان، بأن بعض الناس سيخسرون “مبالغ خيالية” إذا انفجرت فقاعة الذكاء الاصطناعي. وقال جيف بيزوس شيئاً مشابهاً. يعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيقدم، مهما حصل، “مزايا هائلة” إلى المجتمع. صحيح أن أثر الذكاء الاصطناعي التحويلي سيكون أعمق بكثير من التجارة الإلكترونية. لكن المكاسب البعيدة الأجل لا تلغي الضرر القريب الأجل (على الرغم من أن هذا الموقف يسهل طبعاً تبنيه من قبل المرء إذا كان غنياً مثل ألتمان وبيزوس).
أما بالنسبة إلينا نحن الآخرين، فخياراتنا “ليست كثيرة”. يستحسن تجنب الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، والتمسك بالقطاعات التقليدية مثل تجارة الأغذية بالتجزئة. استعدوا لرحلة قد تكون مليئة بالمطبات. لعل المنطق ينتصر، كما يُرجى، ويتراجع الخطر في نهاية المطاف.