عالمي

الديون ترهق سوق السيارات العالمية… 50 في المئة حالات التعثر عن السداد

تشهد الأسواق العالمية منذ مطلع العام الحالي موجة غير مسبوقة من التعثر في سداد قروض السيارات، إذ ارتفعت نسب التأخر عن الدفع بأكثر من 50 في المئة ضمن الاقتصادات الكبرى، وفق أحدث البيانات الائتمانية.

ويأتي هذا الارتفاع الحاد خلال وقت يعاني فيه المستهلكون تراجع الدخول الحقيقية وارتفاع كلف المعيشة وأسعار الفائدة، مما يحول أحد أكثر أنواع القروض الاستهلاكية أماناً إلى أحد أكثرها هشاشة. ويشير محللون إلى أن الأزمة تعكس ضعف قدرة الأسر على تحمل التزاماتها المالية في ظل ارتفاع أسعار السيارات وكلف التمويل، مما يهدد بتحول قطاع تمويل السيارات إلى بؤرة ضغط جديدة على النظام المصرفي العالمي.

أظهرت دراسة جديدة أن قروض السيارات تحولت خلال الأعوام الـ15 الماضية من أكثر منتجات الائتمان الاستهلاكي أماناً إلى أكثرها خطورة، مع ارتفاع معدلات التخلف عن السداد بأكثر من 50 في المئة مدفوعة بارتفاع أسعار السيارات وأسعار الفائدة.

جميع فئات الدخل تواجه صعوبة متزايدة

ووفق شركة “VantageScore” المتخصصة في تقييم الائتمان، فإن المستهلكين في جميع فئات الدخل يواجهون صعوبة متزايدة في سداد أقساطهم الشهرية، بعدما كانت قروض السيارات تعد ملاذاً آمناً يحرص المقترضون على الوفاء به قبل أي دين آخر.

ووجدت الدراسة أن أقساط السيارات الشهرية ارتفعت بوتيرة أسرع من أقساط الرهن العقاري، بينما قال كبير اقتصاديي الشركة ريكارد بانديبو إن “الأعوام الخمسة الماضية شهدت ارتفاعاً هائلاً في أسعار السيارات وكلف امتلاكها”، مضيفاً أن المستهلكين يتلقون “ضربة مزدوجة” بسبب ارتفاع ثمن السيارة وكلف تمويلها معاً.

فمنذ عام 2019، ارتفعت أسعار السيارات الجديدة بأكثر من 25 في المئة لتتجاوز 50 ألف دولار في المتوسط، فيما بلغ متوسط القسط الشهري 767 دولاراً خلال الربع الثالث، ويدفع واحد من كل خمسة مقترضين أكثر من ألف دولار شهرياً، بحسب بيانات “إدموندز كوم” للأبحاث.

تؤكد “VantageScore” أن الضغط لا يقتصر على ذوي الدخل المحدود، إذ أظهرت بياناتها أن المقترضين من ذوي الدخل المتوسط والمرتفع يسجلون معدلات تخلف عن السداد أسرع من الفئات الأقل دخلاً، بعدما شدد المقرضون معايير التمويل للفئات الدنيا.

متوسط رصيد قرض السيارة زاد 57 في المئة

وتظهر الأرقام أن متوسط رصيد قرض السيارة نما بنسبة 57 في المئة منذ عام 2010، متجاوزاً جميع منتجات الائتمان الأخرى، فيما يلجأ المشترون إلى تمديد فترة السداد إلى سبعة أعوام أو أكثر لتخفيف الأقساط، وهو ما يرفع خطر تجاوز قيمة القرض لقيمة السيارة نفسها في حال التعثر.

إلى ذلك، تزايدت مؤشرات القلق في الأسواق المالية مع استمرار هذا الاتجاه، إذ رصدت مؤسسات تصنيف ائتماني مثل “S&P Global” ارتفاع نسب التأخر عن السداد إلى أعلى مستوياتها منذ عقد.

وبلغ متوسط القروض الجديدة للسيارات نحو 42.9 ألف دولار، بينما ارتفعت الفوائد إلى أكثر من تسعة في المئة، مما يجعل تمويل المركبات عبئاً ثقيلاً حتى على المقترضين الموثوقين.

تحولات جذرية

منذ الأزمة المالية العالمية خلال عام 2008، شهد سوق تمويل السيارات تحولات جذرية عكست تذبذب الدورات الاقتصادية والمالية العالمية.

ففي أعقاب انهيار الأسواق آنذاك، تبنت البنوك وشركات التمويل سياسات إقراض متحفظة، لكن انخفاض أسعار الفائدة القياسية لاحقاً أعاد تنشيط هذا القطاع بقوة.

وخلال العقد الممتد من 2010 إلى 2020، توسعت شركات التمويل في تقديم قروض طويلة الأجل بأسعار فائدة متدنية، مما شجع المستهلكين على شراء سيارات بأسعار أعلى، ودفع أسعار المركبات إلى الارتفاع تدريجاً مع تضخم الطلب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحلول عام 2020، ومع تفشي جائحة “كوفيد 19″، ارتفعت أسعار السيارات الجديدة والمستعملة نتيجة تعطل سلاسل الإمداد ونقص أشباه الموصلات، فيما أسهمت برامج التحفيز المالي السخية في تضخيم الائتمان الاستهلاكي، لكن مع بدء البنوك المركزية في رفع الفائدة منذ عام 2022 لكبح التضخم، انعكس المشهد تماماً، إذ ارتفعت كلفة القروض بوتيرة غير مسبوقة، لتتحول سوق تمويل السيارات من رمز للمرونة الاقتصادية إلى ساحة ضغط مالي تعكس بوضوح هشاشة القدرة الشرائية للمستهلكين حول العالم.

ويرى خبراء أن هذه الظاهرة لا تنفصل عن البيئة الاقتصادية الأوسع، إذ تمثل قروض السيارات مرآة دقيقة لضغوط الأسر في ظل ارتفاع الفائدة وكلف المعيشة، ويحذر مصرفيون من أن البنوك التي توسعت في منح هذا النوع من القروض خلال فترة الفائدة المنخفضة تواجه اليوم احتمالات تزايد الشطب والخسائر، خصوصاً مع تراجع أسعار السيارات المستعملة وتباطؤ الطلب في أسواق التجزئة.

أزمة ديون استهلاكية

ويشير محللون إلى أن استمرار هذا الاتجاه قد يهدد بدوام أزمة الائتمان الاستهلاكي لأعوام مقبلة، إذ يواصل المستهلكون الأميركيون الإقبال على سيارات مرتفعة الثمن من فئة الشاحنات والسيارات الرياضية، فيما تقلص شركات السيارات إنتاج الطرز الاقتصادية.

ويقول بانديبو إن “المستهلكين اليوم يواجهون وضعاً أكثر خطورة مما كانوا عليه منذ الركود الأخير”، مضيفاً أن “الضغوط على القدرة الشرائية ستستمر في العام المقبل، مع تفاقم العجز في توازن الدخل والإنفاق”.

في ضوء هذه التطورات، يرى محللون أن موجة التعثر في قروض السيارات قد تكون إشارة تحذيرية مبكرة لأزمة ديون استهلاكية أوسع نطاقاً، خصوصاً إذا واصلت أسعار الفائدة ارتفاعها وبقيت كلف المعيشة عند مستوياتها الحالية.

ويبدو أن ما بدأ كأزمة تمويل في قطاع السيارات قد يتحول قريباً إلى اختبار حقيقي لقدرة الطبقة المتوسطة على الصمود في وجه دورة مالية أكثر صرامة منذ عقدين.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى