التأميم يلوح في أفق أكبر شركة بريطانية للمياه والصرف الصحي

تعرضت شركة “تيمز ووتر”، أكبر شركة في بريطانيا لتوصيل المياه والصرف الصحي للمنازل، لأزمة جديدة تهدد بتأميمها موقتاً من قبل الحكومة إذا لم تتمكن من تسوية أوضاعها المالية المتدهورة وتحسن من استراتيجيات عملها. جاء ذلك بعدما أعلن صندوق رأس المال الخاص الأميركي “كيه كيه آر” الانسحاب من صفقة تمويل للشركة المتعثرة بقيمة 4 مليارات جنيه استرليني (5.4 مليار دولار).
وتوفر الشركة خدمات المياه والصرف الصحي لنحو 16 مليون شخص وترزح تحت عبء ديون يصل إلى 20 مليار جنيه استرليني (27 مليار دولار). الشركة تفادت بالكاد في وقت سابق من هذا العام وضعها ضمن نظام إدارة خاص (أس إي آر) من قبل الحكومة، أي تأميمها موقتاً بعدما تمكنت من تأمين قرض طارئ بقيمة 3 مليارات جنيه استرليني (4 مليارات دولار) من مقرضين مؤسساتيين في مارس (آذار) الماضي.
تزامن إعلان انسحاب الصندوق الأميركي من صفقة تمويل الشركة البريطانية مع صدور توصيات مراجعة حكومية بإعادة هيكلة القواعد المنظمة لعمل مرفق المياه والصرف الصحي. وكانت هيئة تنظيم خدمات المياه والصرف الصحي في بريطانيا (أوفوات) فرضت أكبر غرامة ممكنة على شركة “تيمز ووتر” الأسبوع الماضي بسبب مخالفة الشركة لالتزاماتها القانونية في شأن الصرف الصحي وأيضاً توزيعاتها للأرباح على مساهميها، وبلغت قيمة الغرامة 122.7 مليون جنيه استرليني (166 مليون دولار).
انسحاب الممول الأميركي
في سعيها لتوفير التمويل في مارس تقدم أكثر من ممول بعروض شراء حصص في شركة “تيمز ووتر” لكن الشركة منحت حقاً حصرياً لصندوق رأس المال الخاص “كيه كيه آر”، ومن بين المتقدمين وقتها صندوق “سي كيه إنفراستراكتشر” بهونغ كونغ وشركة “كاسل ووتر” البريطانية. ونشرت صحيفة “فايننشال تايمز” وقتها تقريراً عن إحباط السلطات البريطانية المنظمة لمرفق المياه من قرار الشركة منح حق شراء الحصص الحصري للصندوق الأميركي واستبعاد الآخرين.
وأجرى صندوق الاستثمار الأميركي “فحص نافي للجهالة” على مدى 10 أسابيع، أعلن بعده الانسحاب من الصفقة ما ترك الشركة المتعثرة في مهب الريح. وكشفت صحيفة “فايننشال تايمز” أن صندوق الاستثمار الأميركي انسحب بسبب مخاوفه في شأن التدخلات السياسية في إدارة مرافق الخدمات والرقابة عليها بقواعد مشددة.
خلال عطلة نهاية الأسبوع، أجرى مستشار الأعمال لرئيس الوزراء البريطاني، فارون شاندرا، مشاورات هاتفية مع الشريك المؤسس لصندوق رأس المال الخاص الأميركي هنري كرافيس لطمأنته في شأن الإجراءات الحكومية المتعلقة بمرفق المياه، لكن ذلك على ما يبدو لم يكن كافياً لإقناع الأميركيين بأن الحكومة البريطانية يمكن أن تخفف القواعد المنظمة لخدمات المياه والصرف الصحي أو إلغاء الغرامات التي فُرضت على شركة “تيمز ووتر”.
كان الصندوق الأميركي قدم عرضه للحكومة البريطانية الجمعة الماضي، والذي تضمن شروطاً عدة تتعلق بضمان عدم تغيير السياسات المتعلقة بمرفق المياه والصرف الصحي سواء من قبل حكومة ستارمر العمالية الحالية أو أي حكومات مستقبلية، لكنه فاجأ الشركة والحكومة والأسواق بالانسحاب من الصفقة الثلاثاء.
احتمالات إعادة التأميم
كانت الشركة أوشكت على الإفلاس العام الماضي تحت عبء الديون، حتى أن وزير الخزانة السابق في حكومة المحافظين جيريمي هنت فكر في إعادة تأميم الشركة، إذ كانت “تيمز ووتر” مملوكة للدولة قبل خصخصتها عام 1989 حين أصبحت مملوكة للبنك الاستثماري الأسترالي “ماكواري” مدة عقد من الزمن (من 2007 إلى 2017)، في تلك الفترة حصل البنك الأسترالي على أرباح على أسهمه بقيمة 1.2 مليار جنيه استرليني (1.6 مليار دولار)، بينما تضاعفت ديون الشركة من 1.6 مليار جنيه استرليني (2.2 مليار دولار) إلى 10 مليارات جنيه استرليني (13.5 مليار دولار).
وفي عام 2017 باع البنك الأسترالي الشركة لمجموعة من المستثمرين المؤسساتيين، وحالياً يعد صندوق معاشات التقاعد لموظفي المحليات في أونتاريو بكندا أكبر المساهمين في شركة المياه البريطانية بنسبة 32 في المئة من أسهمها. يليه صندوق التقاعد للجامعات في بريطانيا بنسبة 20 في المئة من أسهم الشركة، أما هيئة أبو ظبي للاستثمار فتملك نسبة 10 في المئة وتملك مؤسسة الاستثمار الصينية نسبة 9 في المئة من الشركة.
مع انسحاب الجهة التي مثلت فرصة إنقاذ للشركة، وهي صندوق رأس المال الخاص الأميركي، عادت التكهنات مجدداً حول إمكانية تأميم “تيمز ووتر”. وإذا حدث ذلك ستكون أول مرة تؤمم فيها شركة خدمات أساسية منذ خصخصة حكومة المحافظين برئاسة الراحلة مارغريت تاتشر للمرافق. ومع أن حكومة حزب العمال الحالية ترى أن إعادة التأميم ليست في مصلحة دافعي الضرائب البريطانيين إلا أن وزير البيئة ستيف ريد أبلغ نواب مجلس العموم (البرلمان) أن “الحكومة جاهزة للتدخل من خلال وضع الشركة ضمن نظام الإدارة الخاصة (أس إي آر) إذا تطلب الأمر لضمان استمرار الخدمات الحيوية”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن الوزير أضاف أن وضع الشركة ما زال مستقراً وأن “حلولاً من خلال السوق” تظل “مطروحة على الطاولة”. مع ذلك تتعرض الحكومة لضغوط من النواب لإعادة تأميم الشركة، إذ طالب النائب عن حزب الديمقراطيين الأحرار تشارلي ماينارد الحكومة بالتدخل، مضيفاً أن الشركة “وصلت الى طريق مسدود… على المقرضين الذين أغرقوا الشركة بالديون (مرتفعة الفائدة) أن يدفعوا الآن لحل هذه المشكلة”.
أما نائب زعيم حزب الإصلاح اليميني المتشدد الذي يقوده نايجل فاراج، ريتشارد تايس، فطالب بوضع الشركة ضمن نظام الإدارة الخاصة وأن تستولي عليها الحكومة “مقابل جنيه واحد” ومصادرة كل الدائنين من حملة السندات والمساهمين من حملة الاسهم في “تيمز ووتر”.
الحلول المتاحة
لا تريد الحكومة اللجوء إلى التأميم إلا كملاذ أخير إذا فشلت كل الحلول المتاحة في إنقاذ الشركة المتعثرة، وفي حال تدخل الحكومة، ستعين مجلس إدارة للشركة وإقراضها من الخزانة العامة لتسوية وضعها المالي، وحين تستقر الشركة تبيعها الحكومة للقطاع الخاص لتسترد أموال دافعي الضرائب.
هناك خيار آخر أمام الشركة وهو إعادة فتح مزاد التمويل الذي استبعدت منه ستة مزايدين وأعطت الحق الحصري للصندوق الأميركي في وقت سابق من هذا العام. وبحسب “فايننشال تايمز” فإن شركة “كاسل ووتر” أعربت عن استعدادها لتمويل الشركة إذا أعيد فتح المزاد بعد انسحاب صندوق “كيه كيه آر” الأميركي، إلا أن عملية إعادة مزايدة التمويل تبدو صعبة جداً.
تبقى هناك الخطة البديلة للتمويل، وهي أن تسعى الشركة لإعادة جدولة الديون، في عملية إعادة تمويل من قبل مقرضيها الكبار، وفي تلك الحال، إذا وافقت الجهات المقرضة للشركة، يقبل حملة سندات الدين الكبيرة (من الفئة أ) خفض قيمة السندات بنسبة 25 في المئة على أن تسقط الديون المستحقة لحملة سندات الدين الأصغر (من الفئة ب) تماماً.
تظل تلك أيضاً عملية صعبة لأن الشركة مطالبة بتحسين ممارساتها وأوضاعها كي تستكمل الحصول على القرض المتفق عليه في مارس والذي تحتاجه بشدة لتوفير السيولة الكافية لاستمرار التشغيل.
في كل الحالات، لا يمكن لحكومة حزب العمال تحمل أزمة انهيار الشركة وتوقف توفير خدمات المياه والصرف الصحي لملايين البيوت في العاصمة لندن وجنوب شرقي إنجلترا. في الوقت ذاته لن تتراجع هيئة تنظيم مرفق المياه والصرف الصحي عن مراقبة أداء الشركة لضمان الحد الأدنى من الجودة في الخدمات التي تقدمها لنحو ربع سكان بريطانيا.