عالمي

الاقتصاد الإسرائيلي بين كلفة الحرب والعزلة الدولية

أظهرت الحرب الممتدة منذ عامين أن صمود الاقتصاد الإسرائيلي لم يكن سوى غطاء موقت لتداعيات عميقة تضرب بنيته الإنتاجية والمالية.

فعلى رغم محاولات الحكومة إظهار المرونة، فإن مؤشرات الأداء تكشف عن انهيار قطاعات رئيسة مثل الزراعة والبناء والسياحة، فضلاً عن ضغط هائل على المالية العامة والقطاع التكنولوجي الذي كان يوصف يوماً بأنه “قاطرة النمو”.

ومع استمرار تداعيات الحرب، تتقلص قدرة إسرائيل على استعادة الاستقرار، وسط عزلة سياسية وتجارية آخذة في الاتساع.

63 مليار دولار كلفة الحرب

وبلغت الكلفة العسكرية للحرب نحو 63 مليار دولار، تشمل رواتب جنود الاحتياط والذخائر وأنظمة الدفاع، وفق أرقام وكالة “بلومبيرغ”.

وتقدر الوكالة بأن الاقتصاد الإسرائيلي البالغ حجمه 580 مليار دولار أصبح أصغر بنحو سبعة في المئة مما كان سيؤول إليه لولا اندلاع الحرب.

وعلى رغم الدعم المالي الضخم من الولايات المتحدة والاقتراض الداخلي، فإن الأعباء المتزايدة تهدد بمرحلة ركود طويلة الأمد.

عجز متصاعد ودين عام يلامس 70 في المئة

وقفز العجز المالي في تل أبيب إلى 4.1 في المئة بنهاية عام 2024، بعدما كان متوقعاً عند 0.9 في المئة قبل الحرب.

ويرجح أن يصل العجز إلى 4.9 في المئة عام 2025 و4.2 في المئة عام 2026، بينما يرتفع الدين العام إلى 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العام المقبل، وفق بيانات رسمية للبنك المركزي الإسرائيلي.

وتأكيداً لذلك، حذر معهد “أهارون” من أن هذه المؤشرات تهدد الاستقرار المالي لإسرائيل، إذ يتوقع أن ترتفع نسبة الدين العام إلى نحو 75 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مع نهاية 2026، لتواصل الصعود إلى 78 في المئة عام 2027.

وهذا التصاعد يأتي في ظل خفض وكالات التصنيف الائتماني الثلاث الكبرى تصنيف إسرائيل السيادي، مما يرفع كلفة الدين ويضغط على الموازنة العامة التي تستهلكها النفقات العسكرية.

القطاعات الإنتاجية تدفع الثمن

وتعد قطاعات الزراعة والبناء والسياحة الأكثر تضرراً، فقطاع البناء يعاني نقصاً حاداً في العمالة الفلسطينية وتوقفاً في المشاريع، فيما تراجعت عائدات السياحة أكثر من 90 في المئة خلال عامين، لتسجل أدنى مستوياتها منذ 2001.

أما الزراعة، فخسرت آلاف الهكتارات المزروعة ضمن المناطق الحدودية، مما تسبب في ارتفاع أسعار الغذاء محلياً بنسبة 18 في المئة خلال العام الحالي.

ووفقاً للمفوضية الأوروبية، يعد الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، إذ استحوذ عام 2024 على نحو 32 في المئة من إجمال تجارتها السلعية، في حين لم تمثل إسرائيل سوى 0.8 في المئة من تجارة الاتحاد الأوروبي العالمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبلغ حجم التبادل السلعي بين الجانبين 42.6 مليار يورو (46.2 مليار دولار)، إذ استوردت إسرائيل من الاتحاد ما قيمته 26.7 مليار يورو (28.97 مليار دولار)، تصدرتها الآلات ومعدات النقل (43 في المئة) والمواد الكيماوية (18 في المئة).

في المقابل، بلغت صادرات إسرائيل إلى الاتحاد 15.9 مليار يورو (نحو 18.72 مليار دولار)، أبرزها أيضاً الآلات ومعدات النقل (43.9 في المئة) والمواد الكيماوية (18 في المئة).

التكنولوجيا تحت الضغط

ومما لا شك فيه أن استدعاء جنود الاحتياط في تل أبيب تسبب بفراغ كبير ضمن قطاع التكنولوجيا المتقدمة الذي يمثل نحو 17 في المئة من الناتج المحلي، وعلى رغم عودة الجنود تدريجاً لوظائفهم بعد انتهاء العمليات، فإن الشركات تواجه صعوبة في استعادة وتيرة الإنتاج السابقة، وسط هجرة كفاءات وارتفاع كلف التشغيل.

ويأتي ذلك وسط توقعات بأن تظل البطالة عند مستوى 6.2 في المئة حتى منتصف عام 2026، وهي أعلى نسبة منذ عقد.

عزلة اقتصادية تتعمق وتراجع في الثقة الدولية

في الوقت نفسه، تتزايد مؤشرات العزلة الاقتصادية على الاقتصاد الإسرائيلي، إذ أعلن صندوق الثروة السيادي النرويجي (أكبر صندوق سيادي في العالم)، سحب استثماراته من شركات إسرائيلية عدة بسبب الحرب.

ويعتمد الاقتصاد الإسرائيلي بدرجة كبيرة على الصادرات والشراكات الدولية، غير أن هذه القاعدة تتآكل مع اتساع المقاطعة التجارية وتراجع سمعة إسرائيل كمركز جذب للاستثمار.

وترجح دراسة لمؤسسة “راند” الأميركية أن تبلغ خسائر الاقتصاد الإسرائيلي 400 مليار دولار خلال العقد المقبل، نتيجة الأضرار غير المباشرة للحرب مثل تراجع الإنتاجية وهرب رأس المال الأجنبي.

وأفاد خبراء اقتصاديون صحيفة “يديعوت أحرونوت” حديثاً بأن الإنفاق الدفاعي الضخم وسط مخاوف من انهيار القدرة على ضبط الموازنة العامة في إسرائيل، قد يدفع وكالة التصنيف الائتماني العالمية “موديز” إلى خفض التصنيف السيادي لإسرائيل قريباً، وسيكون هذا رابع خافض للتصنيف وستكون له انعكاسات خطرة على الاقتصاد الإسرائيلي، إذ سترتفع الفوائد على القروض الضخمة التي ستقترضها الحكومة لتمويل الحرب، ناهيك عن أن ذلك سيحول دون خفض أسعار الفائدة في إسرائيل وتردد الشركات الأجنبية بالاستثمار في سوقها وخطر تسريح العمال، مع تراجع سعر الشيكل مجدداً وتضرر البورصة وخسائر متوقعة للمستثمرين.

وكل ما سبق يشير إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي يبدو أنه يقف عند مفترق طرق تاريخي، فالحرب لم تضعف مؤشرات النمو وحسب، بل أعادت تشكيل موقع إسرائيل الاقتصادي في النظام العالمي، إذ إن المعادلة الآن باتت واضحة، وإن لم تنجح الحكومة في إعادة الثقة للمستثمرين الدوليين وخفض المديونية واستعادة الاستقرار الأمني، فمن المتوقع أن تدخل البلاد في عقد من التراجع الاقتصادي المزمن، وعلى رغم محاولات التجميل الرسمية، فإن الأرقام تكشف عن واقع مغاير، فالاقتصاد يتداعى تحت ثقل السلاح والعزلة.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى