عالمي

احتياطات “المركزي العراقي” بين الأمان المالي وأخطار الهزات

في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية وتراجع الاستقرار الجيوسياسي في عدد من مناطق العالم، يبرز الحديث عن السياسة النقدية واحتياطات النقد الأجنبي في العراق كأحد أعمدة الاستقرار الاقتصادي، لكن في الوقت نفسه يحذر متخصصون من الارتكان إلى أرقام البنك المركزي بوصفها مؤشراً للتعافي الاقتصادي.

وتجاوز حجم الاحتياط النقدي في البنك المركزي العراقي حاجز 100 مليار دولار، إضافة إلى أكثر من 163 طناً من الذهب، مما يعكس رصانة السياسات النقدية ونجاحها في بناء غطاء مالي آمن للاقتصاد العراقي.

وعلى رغم المؤشرات الإيجابية، يرى أستاذ الاقتصاد العراقي الدكتور نوار السعدي، أن الأرقام المعلنة لا تعني بالضرورة أن العراق في مأمن تام من الأخطار المالية. ويقول إن تراجع الاحتياطات بنسبة 8.2 في المئة خلال العام الماضي، وفقاً للبيانات الرسمية، يمثل إنذاراً يستدعي الانتباه، بخاصة في ظل السياسة المالية التوسعية التي انتهجتها الحكومة، التي رفعت من الإنفاق العام من دون مرافقة موازية في تنمية الإيرادات غير النفطية.

ويضيف السعدي أن الاعتماد الكبير على العائدات النفطية يجعل العراق عرضة لهزات محتملة، في حال حدوث انخفاض حاد في أسعار النفط أو تراجع حجم الصادرات، مشيراً إلى أن احتياطات البنك المركزي لا يجب أن تفهم على أنها “ثروة قابلة للاستهلاك”، بل كدرع يستخدم عند الضرورة القصوى، وأن أي استخدام لها في تمويل الإنفاق الجاري قد يضعف قدرتها على تحقيق وظيفتها الأساسية في تحقيق الاستقرار النقدي.

في ضوء هذه المعطيات، يدعو السعدي إلى تحرك حكومي في ثلاثة اتجاهات مترابطة. أولاً إعادة هيكلة الموازنة العامة بما يقلل من الإنفاق الريعي ويزيد من فعالية الإنفاق التنموي، وثانياً العمل على توسيع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد، عبر دعم القطاع الخاص وتوفير بيئة استثمارية مشجعة في قطاعات مثل الزراعة والصناعة والسياحة والتكنولوجيا، وثالثاً الإبقاء على إدارة احتياطات البنك المركزي ضمن إطار مهني صارم يضمن الحفاظ على قيمتها، وتنويع أدوات الاستثمار بصورة مدروسة.

بين الاحتياط والأمل

تمثل احتياطات البنك المركزي العراقي اليوم حجر الزاوية في سياسة الاستقرار الاقتصادي والنقدي، وهي على رغم التحديات البنيوية التي يواجهها الاقتصاد العراقي، توفر فرصة تاريخية لإعادة بناء نظام اقتصادي أكثر تنوعاً ومرونة، لكن هذه الفرصة ليست دائمة، ولا يمكن اعتبارها بديلاً عن الإصلاحات البنيوية العميقة التي يحتاج إليها الاقتصاد الوطني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينما يتطلع المواطن العراقي إلى ثمار هذا الاستقرار في حياته اليومية، تبقى مسؤولية البنك المركزي والحكومة مزدوجة: حماية الاحتياط من الاستنزاف، واستثماره بطريقة ذكية لتأسيس مستقبل اقتصادي أكثر صلابة واستدامة. فالاحتياط ليس نهاية المطاف، بل وسيلة لإعادة التوازن، وضمان ألا يكون الاقتصاد العراقي رهينة لسوق النفط وحده.

حماية الاقتصاد

في هذا الشأن، أكد المتخصص في الشأن الاقتصادي العراقي محمود منذر نجاح البنك المركزي العراقي خلال السنوات الأخيرة في تبني سياسة نقدية حذرة وفعالة أسهمت في الحفاظ على استقرار سعر صرف الدينار في مقابل الدولار، وتعزيز الثقة بالقطاع المصرفي على رغم التحديات السياسية والاقتصادية.

وتابع “السياسات التي اتبعها البنك من ضبط نافذة بيع العملة، وتوسيع آليات الدفع الإلكتروني، إلى رفع مستوى الاحتياطات الأجنبية، تعكس التزاماً واضحاً بحماية الاقتصاد من الصدمات الخارجية والداخلية. كما أن الخطوات الإصلاحية في قطاع المصارف، وإدخال أنظمة الرقابة الحديثة، وإعادة الهيكلة التدريجية لبعض البنوك الحكومية والأهلية المتعثرة، تؤشر إلى وجود رؤية واضحة لدى الحكومة العراقية والبنك المركزي العراقي، ليس فقط للسيطرة على السيولة، بل لتحفيز النشاط الاقتصادي في المدى الطويل”.

وختم “في بلد يعاني اختلالات مالية مزمنة، يحسب للبنك المركزي تمسكه باستقلاليته، ومواصلته تنفيذ سياسة نقدية تتسم بالشفافية والانضباط، بعيداً من ضغوط الإنفاق الحكومي أو النزاعات السياسية. هذه النجاحات لا يجب النظر إليها كمكاسب إدارية فقط، بل كركائز ضرورية لأي نهوض اقتصادي شامل في العراق”.

احتياطات تتجاوز 100 مليار دولار

في تصريح حديث لوكالة الأنباء العراقية (واع)، أكد المدير العام لدائرة الاستثمارات في البنك المركزي محمد يونس أن “السيولة متوفرة بالكامل، سواء بالدينار العراقي أو الدولار الأميركي، ولا توجد أية شحة في هذا الجانب”، مضيفاً أن احتياطات البنك المركزي تجاوزت حاجز 100 مليار دولار، إلى جانب امتلاك العراق احتياطاً من الذهب يزيد على 163 طناً.

وأشار يونس إلى أن البنك المركزي لا يتعامل مع الاحتياطات بمنظور ربحي استثماري، بل من زاوية تحقيق عوائد معقولة في ظل إدارة حذرة تستند إلى معايير عالية من الأمان، ويؤكد ذلك فلسفة الحذر المالي التي تتبعها المؤسسة النقدية العليا في البلاد، إذ يجري استثمار هذه الأموال في أدوات مالية آمنة، بعيداً من الأخطار التي قد تؤثر في الاستقرار النقدي.

أشباه صناديق سيادية

المستشار المالي لرئيس الوزراء الدكتور مظهر محمد صالح يرى أن هذه الاحتياطات تمثل اليوم نموذجاً شبيهاً بصناديق الثروة السيادية، وذلك لما تؤديه من دور مزدوج: فهي تغطي العملة الوطنية وتستخدم كأداة لحماية الاستقرار الاقتصادي الكلي.

وأوضح أن الاحتياط الأجنبي في العراق تراكم بفضل فائض الحساب الجاري في ميزان المدفوعات خلال السنوات الماضية، وهو ما يعكس الأداء الجيد للقطاع النفطي، الذي يبقى المصدر الرئيس لهذه الفوائض.

وأشار صالح إلى أن العراق يتمتع اليوم بأحد أعلى مؤشرات الكفاءة التجارية، إذ يغطي الاحتياط النقدي ما يزيد على 15 شهراً من الاستيراد، وهو رقم يتجاوز بكثير المعايير الدولية التي تكتفي بتغطية ثلاثة أشهر فقط، كما أن نسبة تغطية العملة المحلية بالاحتياط تصل إلى أكثر من 130 في المئة، وهو ما يمنح الدينار العراقي قوة مضمونة على الورق، في وقت يواجه فيه عدد من عملات المنطقة ضغوطاً تضخمية وانخفاضاً في القيمة الشرائية.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى