أسعار اللحوم الحمراء تشتعل في تونس و”اللوبيات” في قفص الاتهام

أثار ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء في تونس انتقادات لاذعة من المستهلكين خلال الأعوام الأخيرة، بعدما وصل سعر الكيلوغرام من لحم الضأن إلى 65 ديناراً (22.4 دولار) في الأحياء الراقية و60 ديناراً (20.6 دولار) في بقية المناطق، مقارنة بـ25 ديناراً (8.6 دولار) للكيلوغرام قبل عقد من الزمن، بينما تبلغ أسعار لحوم الأبقار 45 ديناراً (15.5 دولار) للكيلوغرام وهي أسعار بعيدة المنال بالنسبة إلى شريحة كبيرة من التونسيين في بلاد لا يزيد الحد الأدنى للأجر فيها على 528 ديناراً (182 دولاراً)، مما أدى إلى عزوف عن اقتنائها لمصلحة اللحوم البيضاء (الدواجن) وهو يدق ناقوس الخطر لمنظومة إنتاج اللحوم الحمراء برمتها على خلفية انهيار الاستهلاك.
وفي محاولة للضغط على الأسعار، قادت الحكومة مبادرة بفتح نقاط بيع اللحوم من المنتج إلى المستهلك بأسعار تفاضلية بواسطة الشركة التونسية للحوم (حكومية) التي نظمت هذه النقاط استجابة لطلب من رئيس الجمهورية قيس سعيد لتجاوز تدخل الوسطاء وما يترتب عليه من تضخم الأسعار.
ووعدت الشركة بتعميم هذه التجربة بعد انطلاقها منذ أيام في العاصمة ومدينة سوسة بالوسط الشرقي، وقالت إنها ستضمن الضخ يومياً بأسعار تراوح ما بين 40 ديناراً (13.7 دولار) للحم الضأن و32 ديناراً للحوم الأبقار بحكم الإمداد المباشر من المنتجين من دون وسطاء.
في المقابل، كشف رئيس غرفة القصابين (هيئة نقابية) أحمد العميري لـ”اندبندنت عربية” عن مبادرة ثانية للتعامل مع أزمة نقص اللحوم تمثلت في التوريد الدوري للحوم لتعديل الأسعار وخلق توازن لفائدة المستهلكين.
وقال “المبادرة جاءت استجابة لطلب من رئيس الجمهورية وبالتعاون مع وزارة التجارة، إذ يجري بمقتضاها توريد اللحوم من رومانيا بكميات تناهز 1200 رأس من الخرفان الجاهزة أسبوعياً بمعدل 50 طناً أسبوعياً، وبيعها إلى القصابين بأسعار لا تتجاوز 38.9 دينار (13.4 دولار)”، متوقعاً مضاعفة هذه الكميات، إذ تسمح الترتيبات الحالية بسقف توريد يصل إلى 200 طن أسبوعياً في ظل الإقبال المتزايد وارتفاع الاستهلاك، بينما تم التوقف موقتاً عن توريد لحوم الأبقار منذ أسبوعين، بعد اعتماد التزود بـ50 رأساً من العجول أسبوعياً بمعدل 20 طناً.
وأوضح العميري أنها “روّجت بسعر لا يزيد على 37 ديناراً (12.7 دولار) للكيلوغرام في حين وصلت أسعار اللحوم المحلية إلى 45 ديناراً (15.5 دولار)”.
واعتبر العميري التوريد الذي اعتمد منذ أشهر أفضل الحلول في مواجهة الارتفاع الجنوني للإنتاج المحلي الذي تراوح ما بين 60 ديناراً (20.6 دولار) و45 ديناراً (15.5 دولار)، قائلاً “يظل حلاً موقتاً في انتظار استرجاع منظومة إنتاج اللحوم عافيتها بتظافر الجهود لإنقاذ المنتجين لخدمة مصلحة القطاع، بعيداً من اللوبيات والمصالح الضيقة”، وبعد أن تبخر القطيع بفعل التهريب إلى الجزائر وذبح الإناث واستشراء الأمراض، إضافة إلى تغول الوسطاء الذين استغلوا النقص المسجل في السوق لرفع الأسعار.
تحقيقات قضائية
بينما انتقد المحلل الاقتصادي لطفي الرياحي اشتعال الأسعار، قائلاً “كلفة اللحوم الحمراء لا تزيد على 26 ديناراً (8.96 دولار) للكيلوغرام الواحد وترزح السوق تحت وطأة انفلات الوسطاء من الرقابة من دون أن يجني المربون أرباحاً”.
وذكر أن التوريد يحصل بمقتضى موازنة عام 2025 التي أوصت بامتيازات جبائية (ضريبية) لشركة اللحوم لتوريد 50 طناً أسبوعياً لفائدة الأسر حصراً، في حين دفع وضع حدّ للأرباح ومحدوديتها في بيع كميات منها للمطاعم والفنادق طمعاً في أرباح أعلى من قبل الباعة بالتفصيل، مما يعد تجاوزاً للقانون وأدى إلى فتح تحقيق قضائي فيه.
من جانبه أرجع مدير الثروة الحيوانية في الاتحاد التونسي للفلاحة (هيئة نقابية) منور الصغيري ارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، إلى كلفة الإنتاج المتنامية التي أدت إلى تراجع القطيع، بالتالي تقلص الإنتاج.
واشتعلت أسعار اللحوم الحمراء التي تشهد كل عام ارتفاعاً بمعدل خمسة دنانير (1.7 دولار) للكيلوغرام الواحد، وهو نسق غير مقبول لدى المستهلك، مما تسبب في تراجع الحلقة المهمة وهي الاستهلاك.
أما التناقضات التي فاقمت الوضع، فهي منهجية التعامل، إذ تتجه السلطات إلى توريد اللحوم لتغطية العجز، وهو الأسلوب الوحيد المتبع خلال الأعوام الأخيرة لمعالجة الوضع بدلاً من البحث في إشكاليات الإنتاج ودفعه إلى تغطية السوق للضغط على الأسعار عن طريق وفرة العرض.
وتتمثل الخطورة على الإنتاج في التفويت في الأبقار بالبيع والذبح لدى المربين وهجرة النشاط، وترتب على ذلك نزول الإنتاج إلى 100 و120 كيلوغراماً من اللحوم للبقرة الواحدة في العام (باقتسام الإنتاج السنوي من اللحوم على القطيع)، في حين تتجاوز القدرات 150 كيلوغراماً.
وأوضح الصغيري أن “قطيع الأبقار في تونس يصل حالياً إلى 354 ألف رأس، بعد أن شهد انخفاضاً خلال الأعوام الأخيرة، مقارنة بـ600 ألف رأس في 2016، أما الأغنام فيبلغ القطيع 4 ملايين وحدة أنثوية ويراوح مؤشر الإنتاج الحالي ما بين تسعة و12 كيلوغراماً للوحدة، بينما تفوق القدرات 17 كيلوغراماً في حال تنميتها، ويعاني قطيع الإناث نزف الذبح بسبب النقص المسجل في قطيع الذكور، ولا يتجاوز قطيع الماعز المليون وتراوح إنتاجيته ما بين ثمانية و12 كيلوغراماً، وهي قادرة على التطور لتصل إلى 15 كيلوغراماً، أما قطيع النوق فهو لا يزيد على 50 ألفاً ولم يشهد تطوراً يذكر، وانحسر مربو الأغنام عند 274 ألف مربٍّ وحسب.
هجر اللحوم الحمراء من قبل التونسيين
ويمثل سعر الكيلوغرام من اللحوم الحمراء ما بين ثمانية و10 في المئة من الحد الأدنى للأجر في تونس الذي يبلغ 528 ديناراً (182 دولاراً)، في حين لا يتجاوز واحداً واثنين في المئة منه في فرنسا، مما دفع إلى انخفاض الاستهلاك لثمانية كيلوغرامات في العام من اللحوم الحمراء للفرد، ولا يزيد استهلاك التونسيين على 40 كيلوغراماً في العام من اللحوم في العموم، ما بين 19 كيلوغراماً من الدواجن وثمانية كيلوغرامات من اللحوم الحمراء و13 كيلوغراماً من الأسماك، وهو بعيد من المعدل العالمي الذي يبلغ 60 كيلوغراماً.