عالمي

324 مليار دولار خسائر الشركات الأميركية في روسيا منذ الحرب

خلال المحادثات التي جرت، الثلاثاء الماضي، في السعودية بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ومسؤولين روس، قدم كبير مستثمري الحكومة الروسية كيريل دميترييف وثيقة بسيطة، لكنها تحمل رسالة واضحة.

دميترييف الذي يحمل شهادات من “هارفرد” و”ماكينزي” ويتقن الإنجليزية بطلاقة، عرض على مراسل “نيويورك تايمز” ورقة بعنوان “خسائر الشركات الأميركية بحسب الصناعة”، مشيراً إلى أن انسحاب الشركات الأميركية من روسيا بعد هجومها على أوكرانيا كلفها مبالغ طائلة.

في أسفل الوثيقة، برز الرقم 324 مليار دولار يمثل إجمالي الخسائر التي تكبدتها الشركات الأميركية.

وأشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء الماضي، بالوفد الأميركي في العاصمة السعودية الرياض لامتناعه عن انتقاد موسكو كما فعلت الإدارات السابقة، مؤكداً أنه لم يكن هناك “إدانة لما حدث في الماضي”.

وذكر بوتين، أن العلاقات بين البلدين تتجه نحو تعاون أعمق في مجالات الفضاء والاقتصاد، إضافة إلى “عملنا المشترك في أسواق الطاقة العالمية”، متجاوزة الاعتبارات الجيوسياسية.

وصرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عقب اجتماع الثلاثاء الماضي، بأن هناك “اهتماماً كبيراً” داخل القاعة بـ”إزالة الحواجز المصطنعة التي تعرقل تطوير التعاون الاقتصادي المتبادل والمفيد”، في إشارة واضحة إلى السعي لرفع العقوبات الأميركية.

ومن اللافت أن إدارة ترمب تبدو منفتحة على الرسائل الروسية من دون المطالبة بمقابل مسبق، فبعدما طرحت أوكرانيا إمكانية عقد صفقات تتعلق بالموارد الطبيعية مع ترمب، ضغط وزير خزانته سكوت بيسنت لدفع البلاد إلى التنازل عن نصف ثروتها المعدنية.

في الوقت نفسه يواصل ترمب تصوير الحلفاء الأميركيين على أنهم مستفيدون من دون مقابل، مهدداً بفرض مزيد من الرسوم الجمركية ومطالباً إياهم بدفع المزيد مقابل دفاعهم الذاتي.

على النقيض من ذلك، تبدو إدارة ترمب وكأنها تلمح إلى أن الخطوة الوحيدة التي يتعين على بوتين اتخاذها لتمهيد الطريق لإعادة ضبط العلاقات بين موسكو وواشنطن هي إنهاء الحرب في أوكرانيا، لكن هذا الموقف يثير مخاوف الأوروبيين والأوكرانيين، إذ يخشون أن يسعى ترمب إلى إبرام اتفاق سلام بشروط روسيا، خصوصاً بعد تصريحه الثلاثاء الماضي بأن أوكرانيا تتحمل مسؤولية الهجوم الروسي.

شراكات اقتصادية تاريخية محتملة

وزير الخارجية ماركو روبيو قال، إن إنهاء الحرب سيكون “المفتاح الذي يفتح الباب” أمام “شراكات اقتصادية تاريخية محتملة”، مشيراً إلى إمكانية أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات عن روسيا كجزء من اتفاق مماثل.

وأضاف روبيو، “هناك عقوبات فرضت نتيجة لهذا الصراع”، مضيفاً أن “إنهاء أي نزاع يتطلب تقديم تنازلات من جميع الأطراف”.

بالنسبة إلى الكرملين، كان كيريل دميترييف الحليف الشاب لبوتين والمصرفي السابق، أحد أبرز الوسطاء في مخاطبة النهج الاقتصادي لترمب.

دميترييف الذي لعب دوراً رئيساً في تطوير المشاريع التجارية الروسية عالمياً، يتمتع بعلاقات وثيقة مع السعودية، وقاد جهود تطوير وتوزيع لقاح “سبوتنيك V ” الروسي خلال جائحة كورونا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي عام 2016، سعى دميترييف، وفقاً لتقرير المحقق الخاص روبرت مولر حول التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، إلى استخدام اتصالاته التجارية لبناء قناة تواصل سرية مع فريق ترمب تحت شعار “المصالحة” بين واشنطن وموسكو، لكن خلال الولاية الأولى لترمب، لم تتحقق هذه المصالحة، أما هذه المرة، فيبدو أن دميترييف نجح في تحقيق تقدم أكبر.

وخلال محادثات الثلاثاء الماضي، كان دميترييف ضمن الوفد الروسي، مستغلاً لقاءاته مع وسائل الإعلام الغربية للترويج لفرص الاستثمار في قطاع النفط الروسي والمنطقة القطبية الشمالية، إذ

قال “المسار الاقتصادي يفتح المجال أمام الدبلوماسية والتواصل وتحقيق المكاسب والنجاحات المشتركة”، مضيفاً، “لقد رأينا أن ترمب يركز على تحقيق النجاح”.

وأضاف أن “شركات النفط الأميركية استفادت بصورة كبيرة من قطاع النفط الروسي”، مضيفاً، “نعتقد أنه في مرحلة ما ستعود هذه الشركات”.

الأرباح الضائعة

الوثيقة التي أحضرها دميترييف إلى الاجتماع مع المسؤولين الأميركيين أظهرت أن القطاعات التي تكبدت أكبر الخسائر بين الشركات الأميركية التي غادرت روسيا كانت “تكنولوجيا المعلومات والإعلام” بقيمة 123 مليار دولار، و”السلع الاستهلاكية والرعاية الصحية” بنحو 94 مليار دولار.

ورغم أن حجم التجارة الأميركية مع روسيا قبل فرض العقوبات المرتبطة بأوكرانيا في 2014 كان ضئيلاً مقارنة بالتجارة مع الصين أو الاتحاد الأوروبي، فإن شركات الطاقة الكبرى استثمرت مليارات الدولارات، وعدَّت شركات التكنولوجيا والسلع الاستهلاكية الأميركية روسيا سوقاً واعدة.

وأوضح دميترييف أن حساباته لم تشمل فحسب الخسائر المباشرة من تصفية الأصول وشطب الاستثمارات بل أيضاً “الأرباح الضائعة”.

ومنذ بداية الحرب أعلنت الشركات الغربية التي غادرت روسيا رسمياً عن خسائر تجاوزت 100 مليار دولار، إذ اضطرت إلى بيع عدد من أصولها القيمة وفقاً لشروط فرضتها موسكو، ويرى ترمب في موارد أوكرانيا الطبيعية وسيلة لسداد “الدين”.

وفي كييف الأسبوع الماضي، رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مقترحاً قدمه وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، يمنح الولايات المتحدة حصة 50 في المئة في جميع الموارد المعدنية لأوكرانيا.

في الوقت نفسه حاول الأوروبيون استمالة ترمب عبر الحديث عن صفقات محتملة، ففي المنتدى الاقتصادي العالمي في “دافوس” بنهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، قال الأمين العام لحلف الـ”ناتو” مارك روته، إن “أوروبا ستكون مستعدة لتغطية كلف استمرار الولايات المتحدة في تزويد أوكرانيا بالأسلحة عبر قاعدتها الصناعية الدفاعية”.

لكن هذه المحاولات لم تغير نظرة ترمب إلى أوروبا التي يراها مستفيدة من المساعدات الأمنية الأميركية، ولم تمنعه من استبعاد الأوروبيين من محادثات إدارته مع روسيا.

في المقابل، نجحت موسكو في لفت انتباه إدارة ترمب، سواء من خلال وعود بصفقات تجارية أو عبر إمكانية تصوير ترمب بوصفه صانع سلام عبر إنهاء الحرب في أوكرانيا.

وقال الدبلوماسي الروسي السابق بوريس بونداريف، الذي استقال احتجاجاً على الحرب في أوكرانيا “ترمب لا يهتم كثيراً بالأهداف الاستراتيجية طويلة المدى”، مضيفاً “بوتين يحاول استغلال هذا الشعور وجذب اهتمامه بمكاسب مادية سريعة وواضحة بالنسبة إليه”.

وقد تبنى عديد من قادة العالم خطاباً اقتصادياً عند التعامل مع ترمب الذي يختلف نهجه في السياسة الخارجية عن أسلافه من حيث تركيزه المحدود على الديمقراطية وحقوق الإنسان والتحالف عبر الأطلسي.

ومع ذلك تبرز موسكو بين الحكومات الساعية للتأثير في موقف ترمب من الحرب في أوكرانيا، إذ نجحت في جذبه إلى طرحها.

وكان المسؤولون الأوكرانيون قد عرضوا فرصاً محتملة لشركات الطاقة والمعادن الأميركية بعد انتهاء الحرب، في محاولة لاستمالة ترمب منذ الخريف الماضي، لكن بدلاً من الاستجابة لدعوة التعاون، بدا أن ترمب يرى في موارد أوكرانيا الطبيعية وسيلة لسداد “الدين” مقابل الدعم الأميركي السابق.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى