عالمي

هل ينجو اقتصاد باكستان من التعثر على رغم دعم التحويلات الخارجية؟

تشكل تحويلات الباكستانيين العاملين في الخارج مصدراً مهماً للدخل القومي والعملات الأجنبية، خصوصاً في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، إذ بلغت في ديسمبر (كانون الأول) 2024، وفقاً لبيانات “بنك الدولة الباكستاني” نحو 3.08 مليار دولار بزيادة 6 في المئة على نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه، مما يعكس نمواً سنوياً بنسبة 29.3 في المئة.

أهمية التحويلات

تعد هذه الأموال من أبرز موارد النقد الأجنبي في باكستان، وتسهم بصورة كبيرة في دعم احتياطات البلاد من العملات الصعبة، وخلال النصف الأول من السنة المالية 2024-2025، يوليو (تموز) – ديسمبر (كانون الأول)، بلغت التحويلات التراكمية 17.8 مليار دولار، بزيادة مقدارها 32.8 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من السنة السابقة.

ويتوقع وزير المالية الباكستاني محمد أورنجزيب أن تصل إلى مستوى قياسي جديد هذه السنة، بحيث تتجاوز 35 مليار دولار، مقارنة بـ30 مليار دولار في العام الماضي.

المصادر الرئيسة

يأتي معظم التحويلات إلى باكستان من دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما السعودية والإمارات، ففي ديسمبر عام 2024، بلغ مجموعها من السعودية 770.6 مليون دولار، بزيادة 6 في المئة على نوفمبر، و33 في المئة عن الشهر نفسه من العام السابق، أما التحويلات من الإمارات فسجلت 631.5 مليون دولار، بزيادة اثنين في المئة شهرياً و51 في المئة سنوياً.

أما من بريطانيا فوصلت إلى 456.9 مليون دولار في ديسمبر 2024، بزيادة 11 في المئة على نوفمبر و24 في المئة على الشهر نفسه من العام السابق، بحيث أسهمت بنحو 4.067 مليار دولار في السنة المالية 2020-2021.

وخلال النصف الأول من السنة المالية 2024-2025 (يوليو – ديسمبر) بلغت 2.639 مليار دولار، بزيادة مقدارها 32.7 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من السنة المالية السابقة.

العوامل الدافعة

أسهمت عوامل عدة في زيادة تحويلات الباكستانيين من الخارج، منها استقرار سعر صرف العملة الوطنية، والسياسات الهادفة إلى الحد من تجارة النقد الأجنبي غير القانونية، والتشجيع على استخدام القنوات الرسمية للتحويلات بدلاً من السوق السوداء، إضافة إلى توسيع خدمات الدفع الرقمية لإرسال الأموال وجعل العمليات أكثر أماناً، وارتفاع عدد العاملين في الخارج.

التأثير الاقتصادي والتحديات

تدعم الأموال المحولة الاقتصاد الباكستاني من خلال زيادة احتياط العملات الأجنبية، مما يعزز قدرة البلاد على سداد الديون وتمويل الواردات، وتعد مصدراً مهماً لدخل عدد كبير من الأسر، يساعدها على تحسين مستوى المعيشة وتقليل الفقر، لكنها تواجه تحديات تهدد استدامتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفقاً لـ”منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” يهاجر آلاف الأطباء والمهندسين الباكستانيين سنوياً إلى دول مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة ودول الخليج بحثاً عن فرص عمل أفضل، ويتسبب ذلك بنقص في الكوادر المؤهلة في قطاعات حيوية كالصحة والتعليم، مما يضعف القدرة التنافسية للاقتصاد الباكستاني ويزيد الاعتماد على العمالة غير الماهرة في الخارج. وما تجدر الإشارة إليه هو أن التحويلات من الخارج تشكل نحو 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمال للبلاد، مما يجعل الاقتصاد حساساً في وجه صدمات قد تؤثر في العاملين بالسعودية أو الإمارات، حيث يوجد 60 في المئة من العمال الباكستانيين، علاوة على أن خفض أسعار النفط قد يدفع بدول الخليج إلى خفض أجور العمال أو تسريحهم، ففي أزمة عام 2020، فقد كثير من الباكستانيين وظائفهم في قطاع البناء، ويجب أيضاً الأخذ في الحسبان سياسات الدول المستضيفة كتوظيف مواطنيها مكان العمالة الأجنبية وفرض ضرائب على تحويلات الوافدين.

سوق متغيرة

ما مدى تأثير ذلك؟ هذا السؤال طرحته “اندبندنت عربية” على المتخصص في مجال السياسة المقارنة المشارك في “كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية” الدكتور ستيفن هرتوغ، والذي أوضح أن “التأثير سيكون تدريجاً في أفضل الأحوال، نظراً إلى أن تعديل حصص توطين الوظائف عادة بخطوات محدودة”. وأشار إلى أن “السعودية وعمان والبحرين وحدها لديها أنظمة حصص جادة، وفيما يركز برنامج ‘نطاقات’ في السعودية بصورة أساسية على توطين الوظائف المتوسطة وعالية المهارة، تبقى الوظائف ذات المهارات المنخفضة في قطاعات مثل البناء والعمل المنزلي وغيرها – التي يعمل بها غالباً وافدون من جنوب آسيا – محمية نسبياً من هذا التوجه”. وأضاف أن هناك “تهديداً أكبر للطبقة المتوسطة الباكستانية العاملة في الخليج، لكن في الأعوام الأخيرة كان هناك نمو اقتصادي كبير إلى درجة أن آثار استبعاد العمالة أو استبدالها، عوضها النمو الإجمالي في فرص التوظيف، لكن هذا الوضع قد يتغير إذا تباطأت اقتصادات تلك الدول في المستقبل”.

اتفاقات ثنائية

هل تستطيع باكستان مواجهة هذا الخطر من خلال عقد اتفاقات ثنائية؟ يجيب الدكتور هرتوغ، “قد يساعد التعاون في مجالات مثل تنظيم وكالات التوظيف الخارجية وآلياتها، والتحقق من المهارات، وما إلى ذلك ليس بمعنى ضمان وجود أكبر للعمال الأجانب بصورة عامة، بل ربما حماية حصة السوق الباكستانية في مقابل حصة سوق الدول الأخرى”. ويشير في هذا السياق إلى أن “وكالات التوظيف في دول الخليج أصبحت تولي اهتماماً متزايداً بالابتعاد عن أنماط التوظيف غير المنظمة واللامركزية للعمالة منخفضة المهارات، وتتجه نحو اعتماد نظام أكثر تنظيماً وإشرافاً يوفر معلومات أوضح لأرباب العمل، خصوصاً في ما يتعلق بالمهارات، ويحد من استغلال الجهات الوسيطة للعمال. ويأتي ذلك نتيجة مخاوف تتعلق بالسمعة، نظراً إلى أن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي كثيراً ما تكون محط أنظار المجتمع الدولي عند استضافتها فعاليات كبرى مثل المعارض العالمية أو البطولات الرياضية”.

التسييس الداخلي

استخدمت الأحزاب الباكستانية التحويلات أداة في الصراع السياسي، مما أثر في الثقة في البيانات الرسمية وعقد جهود الإصلاح، ففي عام 2024، اتهم الحزب الحاكم المعارضة بوقف التحويلات، بينما اتهمت المعارضة الحكومة بتضخيم الأرقام، وأربك ذلك المستثمرين الدوليين وأثر في التصنيف الائتماني للبلاد في وقت تحتاج فيه إلى القروض الخارجية.

التضخم

على رغم أن التحويلات تسهم في زيادة الدخل الفردي، فإنها قد تغذي التضخم في اقتصاد يعاني ضعف الإنتاجية، فغالبية الأموال تذهب إلى الاستهلاك اليومي (شراء الغذاء أو دفع الإيجارات)، بدلاً من أن تستثمر في مشاريع منتجة. وبحسب “بنك الدولة الباكستاني”، تسبب تدفق العملات الأجنبية في رفع معدل التضخم إلى 35 في المئة عام 2024، مما أدى إلى خفض القوة الشرائية للأسر، حتى تلك التي تتلقى تحويلات مالية.

من هنا يرى اقتصاديون أنه لمعالجة مجمل التحديات يتعين العمل على تعزيز القطاعات الإنتاجية بهدف جذب الكفاءات وتقليل الاعتماد على تحويلات المغتربين وتبسيط إجراءات التحويلات الرسمية وخفض كلفتها وتوجيه جزء من التحويلات إلى الاستثمار في مشاريع صغيرة أو تعليم الأسر المستفيدة وإرساء تعاون إقليمي مع الدول المستضيفة لضمان حقوق العمال وتنويع فرص الهجرة.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى